الزنابير وعاداتها العجيبة
هناك طائفتان من الزنابير: النوع الاجتماعي الذي يعيش في جماعات كبيرة كما يفعل النحل، وجميع الأنواع الأخرى التي تعيش وتبحث عن غذائها بمفردها، وكلاهما غريب ومثير وكانت الزنابير الاجتماعية أول من صنع الورق، ومن بين هذه الأنواع الدبور الأصفر والدبور ذو الوجه الأبيض، والنوع الأول منها جسمه نحيل ويبدو جميلا في حلته الزاهية بينما يملك الدبور صاحب الوجه الأبيض جسمها سميناً ووسطاً غليظاً ويا له من لاسع.
والنحلة تستقر أولا قبل أن تلسع بزبانها الحاد، أما الدبور فيمرق كالسهم ويضرب بز بانه أولا، ويذكر سكان الأحراش القصص الطويلة عن لسعاته المقلة.
وصف الزنابير :
وهذه الزنابير وأنواع كثيرة غيرها تملك، فكوكا قوية تقرض بها قطعاً من الخشب من الأسوار القديمة أو الأشجار وتمضغه حتى تنتج منه عجينة تشبه تلك التي يصنع منها الورق، وفي البداية تعلق سقف بيتها بحبل غليظ من الورق في فرع شجرة وتقوم بلصق طبقة بعد طبقة من الحجرات السداسية الشكل على السطح السفلى لهذا السقف كما يفعل النحل، ولكنها تستعمل الورق بدلا من الشمع وبعد ذلك تحبط عشها كله يجدار من الورق الغليظ وهي تبسطه وتقيس سمكه بأدوات خاصة على أرجلها. وبعد الورق وقاء طيباً ضد التقلبات الجوية، كما علم أهل اليابان، حينما بنوا حجرانهم يجدار من الورق، ولكن الزنابير اكتشفت ذلك منذ وقت بعيد.
وورق الزنابير يكون عادة مخططاً باللون الرمادي، ويوجد في منزلي عش زنابير كبير في حجم الجردل، ولكن مثل هذه العشوش تكون أكبر من هذا أحياناً، وقد بني أحدها فوق سطح أحد البيوت المهجورة في إنجلترا بلغ محيطه خمس أقدام وقد يتسع لخمسين ألف دبور.
وفي المناطق الاستوائية تبنى الزنابير لها عشوشة معلقة تبلغ أربع أقدام في الطول أو تزيد، وأحد الأنواع له عشوش تسمى «غليون الهولندي»، وهي تشبهها وجدرانها متينة كالورق المقوى وينزلق عليها المطر بسهولة.
حياة الزنابير:
وفي الأجواء الشمالية لا يبقي خلال فصل الشتاء عادة إلا الملكة وحدها ، فهي تظهر في أواخر الصيف وتزاوج من أحد الذكور ثم تزحف إلى مخبأ لها لتنتظر حلول الربيع الذي فيه تبدأ عملها في بناية العش وفي حجراته الأولى تضع بيضا تخرج منه زنابير شغالة تساعدها وتضيف للعش حجرات جديدة وتعني باليرقات الصغيرة ، وحينما تستنفد لعابها في صنع الورق تبدأ في البحث عن الطعام وهي تحب الرحيق وعصارة الثمار الناضجة والتوت ، ولكنها تطارد أيضاً الذباب وتقطع يرقات الفراشات إلى قطع صغيرة وتعمل منها ما يسمى «كفتة الحشرات»، التي تقدمها ليرقاتها الصغيرة آكلة اللحوم ، وفي نهاية الموسم تظهر الذكور وتتزاوج من الملكات الجديدة ، وفي هذه الأثناء تتوقف الملكة القديمة عن وضع البيض ولا تجد الشغالة ما تقوم بعمله ويحدث تغير كبير في نظام العش وتزول القوانين التي حكمته طويلا وتطير الملكات الصغيرة والذكور وتنقض الشغالة على اليرقات الباقية فتلسعها وترى بها إلى خارج العش ، وبعدئذ تهجر الشغالة كذلك عشها القديم الذي لا يسكن بعد ذلك أبداً، وتحوم هذه الزنابير حول الحقول أو تجد سبيلها إلى داخل بيوتنا حيث تضايقنا وتصبح أيامها معدودة لأنها تموت عند دخول الشتاء .
وليست الزنابير الاجتماعية هي الوحيدة التي تبني مساكن لها، فهناك أنواع أخرى كثيرة لا تقل عنها مهارة مثل «زنابير الطين» و «الزنابير البناءة».
فهذه أيضاً لها بيوت فريدة ولكنها تبنيها لصغارها فقط، فتبلل أنثى الدبور التربة بلعابها وتشكل منها كرة صغيرة تحملها إلى مكان تختاره ويكون هذا غالباً أحد جدران المباني وتلصق به كرتها الصغيرة وتتركها تجف. ويا لها من فرحة إذا عثرت على بركة طين رطب فهي تأخذ منها وترص طوبها المستدير واحدة فوق الأخرى حتى يتم بناء كوخها المخروطي الشكل، وربما يبلغ ارتفاعه نحو البوصة، وبعد ذلك تخرج إلى الصيد وحينما تعثر على برقة فراش دسمة تنقض عليها وتلسعها لا لتقتلها ولكن لتشلها فقط وتأخذها لتحشرها في كوخها الصغير الذي يكاد يمتلئ باليرقات المخدرة فتبيض الأنثى بيضة واحدة وتسد العش بسقف من الطين، وتفقس بعد ذلك البيضة وتخرج منها يرقة الدبور التي تتغذى على يرقات الفراش التي تبقى حية رغم أنها مخدرة. وبدخول الربيع تصبح اليرقة دبوراً كامل النمو يشق طريقه إلى الخارج ويبدأ جيلا جديداً.
أنثى الزنابير:
وتبني أنثي «الدبور البناء» كثيراً من هذه المساكن الفريدة ولكنها لا ترى أولادها أبداً لأنها تموت هي وزوجها قبل حلول فصل الشتاء. ولا يزال بعض الناس في الهند يسكنون بيوتاً من الطين تشبه بيوت الطين التي توجد في جنوب غرب الولايات المتحدة، لكن «الزنابير البناءة»، كانت خبيرة بفن البناء قبل الإنسان بزمن طويل.
وبين العشرة آلاف نوع من الزنابير مئات قليلة تعيش حياة اجتماعية بينما تحيا الأنواع الأخرى حياة انفرادية «كالذئاب الوحيدة»، وبعضها فعلا كالذئاب والكثير منها يحفر - كما يحفر النحل الطنان - حفراً في التربة، ومثال ذلك (الزنبور الحفار) الذي يحفر التربة ويثير خلفه تباراً من ذرات التراب، تماماً كما يفعل الكلب عندما ينقب عن أحد فئران الجبل.
وعندما يصبح الدبور تحت سطح الأرض يحفر أنفاقاً طويلة متفرعة ويقوم هذا النوع بتخزين الطعام حياً لصغاره كما يفعل «دبور الطين»، لأنه لا يملك ثلاجة يحفظه فيها وقد يجر أحد هذه الزنابير يرقة فراش تفوقه وزناً خلال الأعشاب أو يطير في الجو حاملا حشرة صغيرة يرميها أمام مدخل جحره، ويفترس هذا النوع الصغير من الزنابير الحفارة قمل النبات أو المن، وقد تخزن الأنثى نحو خمسين حشرة منه تحت سطح الأرض، وكما قد يفضل النحل زهرة بعينها فإن الزنابير غالباً ما تفترس نوعاً معينة من الحشرات.
وهناك نوع من هذه الزنابير القاتلة تختص في مهاجمة بق السيكادا أو ما يسمى بجراد السبعة عشر عاماً، وهي حشرة ثقيلة لا يمكنها حملها بعيداً ولذلك فهي تجرها وتتسلق بها عشياً أو شجرة ثم تهوى طائرة بها نحو عشها كما تفعل الطائرة الشراعية، وقد يتكرر هذا الطيران الشراعي عدة مرات وعندما تصل في أمان إلى جحرها تبيض أنثى الدبور بيضة على فريستها المسكينة التي تصبح غذاء جاهزاً لليرقات بعد الفقس.
وبعض الزنابير لا يهاجم إلا العناكب، ويبدو أن هذا نوع من العدل لأن العناكب تعيش على ما تفترسه من حشرات وهي تكون معظم غذائها، وبجانب ذلك فقد تقع الزنابير نفسها في حبائل العنكبوت المميتة.
وحتى أكبر أنواع العناكب وهو «أبو شبت» يقع فريسة لنوع جريء من الزنابير يسمى «صقر أبي شبت»، وعنكبوت أبي شبت يفوق الدبور كثيراً في الحجر لأنه إذا ما فرد أرجله لأمكن أن يملاً طبقاً صغيراً، وتحمل فكوكه القاتلة أنياب السم، بيد أن الدبور أسرع منه حركة. وعقب مبارزة يائسة ينتصر الدبور عادة على خصمه الخطر.
وقد تبدو حياة الدبور قصيرة إذا ما قورنت بحياة بعض أنواع الحشرات الأخرى ولكنها مليئة بالمغامرات.