حياة النحل في الخلية
قد يرى البعض منا في خلية النحل بيتاً صغيراً ولكنها أكثر شبهاً بمدينة لأنها تؤوي عدة آلاف من أفراد النحل.
وبمجرد بلوغ الشغالة مرحلة النضج تبدأ عملها في تنسيق الخلية ثم تبعث إلى الخارج لتجمع مادة بنية اللون تسمى بصمغ النحل وهي تقشرها أساساً من براعم أشجار الكريز والحور وتعود بها في سلال حبوب اللقاح إلى الخلية وتغطى بها المواضع الخشنة والشقوق داخل الخلية تماماً كما نفعل نحن بالمصيص على الجدران والسقوف وتستعملها كذلك في لصق أقراص الشمع في مواضعها.
حياة شغالات النحل:
وبعد مضي أيام تكون قد تعلمت استخدام أجنحتها وتستطيع أن تخرج في رحلات أطول من ذي قبل لجمع رحيق الأزهار ، هذا السائل الحلو الذي تفرزه زهور كثيرة لتجذب به الحشرات ( وقد تكون نسبة السكر فيه أكثر من الثلث).
وتبتلع الرحيق في كيس صغير داخل جسمها يسمى «كيس العسل»، حيث يتحول إلى عسل ، وكذلك تجمع من بعض الأزهار ذلك المسحوق الأصفر الذي يسمى حبوب اللقاح وتملأ منه سلالها التي قد تحمل نحو مائة ألف حبة من حبوب اللقاح.
وعادة لا تغامر الشغالة بالابتعاد أكثر من نصف ميل ولو أنها قد تستطيع أن تقطع نحو أربعة أو خمسة أميال في رحلتها، ويمكنها الطيران بسرعة خمسة إلى ثمانية أميال في الساعة، وقد تحصل بعد ثمانين ألف رحلة على رحيق يكفي لإنتاج رطل واحد من العسل وإذا ما ضمت هذه الرحلات معاً لكانت كافية الدوران النحلة مرتين حول العالم.
ويا لها من مسافة في سبيل رطل واحد من العسل.
وفي الخلية تفرغ الشغالة ما جمعته في كيس العسل في حجرة من حجرات قرص العسل حتى ينضج بعد عدة أيام ، وفي حجرات أخرى تخزن حبوب اللقاح، وهذه الأخيرة إذا مزجت مع الرحيق وشيء من العسل تتكون منها مادة بنية صفراء تسمى « خبز النحل ، وقد نظن أن طعمه مر ولكن النحل يحبه كثيراً.
وقد لا تكون هناك فائدة تذكر للعسل وحبوب اللقاح إن لم توجد أمكنة لاختزانها وفي صنعه الأوعية الاختزان هذه يعد النحل من أمهر الصناع في العالم.
شمع العسل كيف يصنعه النحل؟
ويستخرج الشمع اللازم لعمل الأقراص من العسل ويلزم للنحل أن يستهلك من ثلاثة إلى عشرين رطلا من العسل كي ينتج رطلا واحداً من الشمع.
وهذا الشمع ينز من بطن الشغالة ويتجمع في تجاويف صغيرة زودتها بها الطبيعة وعندما يمضغ الشمع ويختلط بلعاب الشغالة يمكن بسطة في شرائح رقيقة ومن هذه الشرائح تبنى الشغالة حجرات أقراص العسل التي تكون سداسية الشكل دائماً ، ويقول علماؤنا إن بناء الحجرة بهذا الشكل يعطى أكبر فراغ ممكن بأقل كمية من مواد البناء، وبعض الحجرات تخصص لتخزين العسل وخبز النحل بيها تخصص حجرات أخرى لتربية صغار النحل.
حياة الملكة في الخلية:
وتضع الملكة بيضة واحدة في كل حجرة من حجرات التربية، ومعظم البيض من النوع الملقح وتفقس عنه آلاف من الشغالة و بضع ملكات ولكنها تبيض في حجرات أخرى بيضاً غير ملقح ينتج منه الذكور.
وبعد نحو ثلاثة أيام يفقس البيض وتخرج منه يرقات صغيرة تتغذى في البداية على الطعام الملكي وهو سائل لبني تفرزه غدد في رؤوس الشغالة، وبعد مدة يضاف إلى قائمة طعامها العسل وخبز النحل، وبعد أيام قليلة تنمو يرقة الشغالة حتي تكاد تملأ فراغ حجرة حضانتها وعندئذ تتوقف تغذيتها ويوضع غطاء مسامي من الشمع ويقفل عليها وفي هذه المرحلة تدخل في طور العذراء، أحد أطوار حياة الحشرة العجيب ، وبعد مضي أيام أخرى تقترض طريقاً لها إلى الخارج وتصبح شغالة كاملة النمو . ويكون قد مر عليها نحو ثلاثة أسابيع منذ وضعت البيضة.
والبيضة التي تنتج الملكة هي من نفس نوع البيض الذي يخرج الشغالة ولكنها توضع في حجرة أكبر وتغذى الدودة الصغيرة التي تفقس منها على الطعام الملكي طول الوقت حتى تتحول بعد ستة عشر يوماً إلى ملكة كاملة الهيئة.
وهي فعلا ملكة وواجبها الوحيد هو وضع البيض وتستطيع أن تضع نحو ثلاثة آلاف بيضة كل يوم أو مائة ألف خلال فصل واحد.
والشغالة تعمل باستمرار ونحن نضرب بها المثل حينما نقول «مشغول كالنحلة»، وهي لا تقوم بتنظيف الخلية والسعي إلى جمع الرحيق وحبوب اللقاح وصنع أقراص العسل فحسب بل تقوم أيضاً بأعمال أخرى عجيبة ولديها طريقة خاصة التكييف الهواء داخل الخلية فعند مدخل الخلية تتجمع الشغالة وتضرب بأجنحتها التي تتحرك بسرعة كبيرة تبلغ 400 مرة في الثانية حتى إنه لا يمكن رؤيتها وتحدث هذه الحركة تيارات من الهواء يكيف الخلية.
وكذلك عند الحجرات التي أفرغت فيها الشغالة الأخرى ما في أكياسها من عسل، تتجمع فوقها أفراد من الشغالة لتبخر ما فيها من الماء وتسوي العسل. وفي حجرة التربية حيث يرقد صغار النحل تحفظ الشغالة درجة حرارتها ثابتة. وتقوم الشغالة دائماً بتنظيف أجسامها بالأمشاط والفرش التي توجد على أرجلها ويفوق النحل في نشاطه القطط الصغيرة لأن له ست أرجل بدلا من أربع ويمكنه تحريكها في أي اتجاه.
الملكة والبيض والشغالات :
وكلما استمرت الملكة في وضع البيض وخرج منه نحل جديد تصبح الخلية مزدحمة جداً، وعندئذ تقرر الملكة البحث عن بيت جديد وتذهب معها عادة معظم الشغالة ولكنها تملأ بطونها بالعسل قبل الرحيل، كمن يحتفل بمناسبة كبيرة ثم يجيء يوم من أيام الربيع الجميلة فتترُك الملكة الحلية طائرة تتبعها سحابة من الشغالة وربما تحط على فرع شجرة وتتعلق به بينما يحوطها أفراد الشغالة ويكونون من أنفسهم حولها كتلة كبيرة متماسكة، وحينئذ يستطيع النحال أن يأسر هذا التجمع وينقله إلى خلية جديدة.
وفي هذه الأثناء تخرج في الخلية القديمة ملكة جديدة من حجرة حضانها وتذهب مباشرة إلى حجرات الحضانة الأخرى وتلسع بقية الملكات الأخرى وتقتلها. وعندما يحدث أن تفقس ملكتان في وقت واحد فإنهما يحاربان في سبيل العرش الحالي حتى تقتل إحداهما.
رحلة ملكة النحل ورحلة الذكور خلفها:
وبعد ذلك تخرج الملكة الجديدة في رحلة عجيبة وتطير عالياً نحو السماء للهرب من أي عدو محتمل ويتبعها الذكور وعندما يصل إليها أكثرهم نشاطاً وقوة يتزاوج منها في الجو ثم يهوى الذكر ميتاً إلى الأرض بينما تزحف الملكة عائدة إلى الخلية على استعداد لوضع البيض ويسمح للذكور الأخرى أن تبقي في الخلية ولكن عندما يقبل الخريف ويقل المخزون من الطعام تطرد الذكور خارج الخلية الموت جوعاً، وقد يبدو في ذلك نوع من القسوة ولكن لا يجوز لنا أن نشفق بالذكور لأنها عاشت في تراخ وتكاسل بينما تقتل الشغالة المسكينة نفسها بالعمل.
فكثيراً ما تموت قبل بلوغها ستة أسابيع والقليل منها يولد في آخر الموسم ويعيش خلال فصل الشتاء مع الملكة ينتظر حلول الربيع وما يجيء به من أزهار فيها رزق جديد من رحيق وحبوب اللقاح، وقد تعيش الملكة فترة أربع أو خمس سنوات.
فضل النحل علينا
العسل إحدى هدايا النحل الثمينة ويستهلك منه الناس نحو ۲۰۰ مليون رطل كل سنة في الولايات المتحدة فقط.
ويوجد منه ۲4 نوعاً تجارياً على الأقل تختلف باختلاف الأزهار التي تنتج الرحيق وأفضلها عسل البرسيم الفاتح اللون، وعندما تكون خلية النحل بجوار حقل برسيم تترك أفرادها جميع الأزهار الأخرى وتصل إلى أزهار البرسيم ويجمع العسل أيضاً من حقول الحنطة السوداء buck wheat ومن أزهار البرتقال.
ومن نتاج الخلية كذلك شمع النحل المفيد الذي يستخدم في تلميع الأثاث أرضية الحجرات ويدخل في تركيب الشموع فيجعلها أكثر صلابة وأقل ذوبانا يضاف أيضاً إلى الكريمة ومعجون الحلاقة.
فوائد النحل الأخرى لبعض النبانات والمزروعات:
ولكن النحل يعطينا أكثر من الشمع والعسل فإن بعض حبوب اللقاح التي جمعها ليصنع منها خبزه تلتصق بجسمه.
وعندما تزور النحلة أزهاراً أخرى تسقط هذه الحبوب على براعمها المتفتحة، وهناك نباتات كثيرة تلزمها حبوب اللقاح من أزهار أخرى كي يتم تلقيحها وتنتج البذور ويسمى هذا بالتلقيح الخلطي هو يشكل فصلا عجيباً في قصة الخلق الكبرى.
وتعتمد أشجارنا وثمارنا على الحشرات كي تحمل لها حبوب اللقاح من البراعم الأخرى كما هي الحال في نبات القطن والبرسيم الذي يزرعه الفلاح ، وكذلك الخضراوات التي نزرعها في حدائقنا، ومن المؤكد أن هناك حشرات أخرى ساعد في هذا العمل الطيب حتى بعض أنواع الذباب ، ولكننا نجد أن النحل يحده يقوم بأكثر من نصف عمليات التلقيح الخلطى التي ينتج عنها بنحو بليون دولار من المحصولات في الولايات المتحدة كل عام.
وعلى ذلك يخبرنا العلماء أنه من مقابل كل كمية من العسل والشمع ينتجها لنا النحل وتقدر بخمسة دولارات فإن دوره في إنتاج بذور المحصولات يقدر بمائة دولار على الأقل.
وكثيراً ما يستأجر الفلاحون وأصحاب مزارع الفاكهة خلايا النحل ليقوم تلقيح حقولهم وحدائقهم وبساتين الفاكهة، وتربى نحو ستة ملايين خلية للنحل و هذه البلاد وفي أحيان كثيرة تنقل مائة خلية منها أو أكثر في سيارات خاصة ثناء الليل وترسل إلى مسافات بعيدة حيث تزداد الحاجة إليها.
ولهذا يلزمنا أن نقدم شكرنا لأصدقائنا من النحل على تلك الثمار والخضراوات الوافرة بجانب ما يقدمه لنا من عسل وشمع.