حشرة العصا الرحالة (عصي عجيبة تمشي) :
قد تلاحظ في يوم من الأيام وأنت بين الأحراش أحد الأفرع يتحرك ويمشي بين الأوراق وقد تفرك عينيك وتتعجب من هذه التخيلات ويحق لك ذلك، فهناك بعض الحشرات الغريبة تفوق ما سبق أن ذكرنا وتسمى «العصي الرحالة».
وهذه تسمية صحيحة فإنها تشبه العصا الصغيرة تماماً حتى إنها تخدع الطيور فئران الغيط التي قد يلذ لها التهامها، صحيح أن هذه الأنواع لما ست أرجل مثل الحشرات الأخرى ولكنها رفيعة جدا لدرجة أنك لا تلاحظها بسهولة، يضاف إلى ذلك أن هذه الحشرات عندما تستقر في مكان تدفع أرجلها الأمامية إلى الأمام وتضم أرجلها الأربع الأخرى إلى جسمها وحيلتها المفضلة هي و لعبة الموت، أو التظاهر بالموت وتستطيع البقاء بدون أية حركة لمدة ساعات طويلة حينئذ تشبه العصا تماماً.
وتقدم هذه الأنواع أمثلة رائعة في كيفية وقاية الطبيعة لأبنائها، وهي تشبه النباتات التي تتغذى عليها لدرجة يصعب على أعدائها أن تميزها، وكثير منها يغير لونه تبعاً لفصول السنة ، في الربيع تأخذ اللون الأخضر مثل الأوراق الصغيرة الخضراء، وعندما تتحول الأوراق إلى اللون البني في الخريف يتحول لون «العصا الرحالة» كذلك وهي بذلك تعد مثلا عجيباً في التنكر والتخفي.
وفي الأقطار الاستوائية قد يزداد هذا النوع في تنكره فهناك كثيراً ما تبدو « العصا الرحالة» وكأنما يغطيها شيء من قلف الشجر وقد يكون منها ما له عقد غريبة على جسمه تشبه البراعم.
وأثناء وجودك بين الأحراش قد تسمع نقراً خفيفاً على أوراق الأشجار الساقطة تشبه وقع قطرات المطر عليها ولكن عندما تنظر وترى أن الشمس ساطعة يزداد عجبك وقد يحدث هذا الصوت الغريب عن هذه الحشرات وأغلبها إناث وهي تضع بيضها وتدعه يتساقط على الأرض ويختفي بين الأوراق وقد تجد في بعض الأماكن التي تكثر فيها هذه العصى المتحركة عشرات من هذا البيض في كل قدم مربعة من الأرض وقد يبقى هناك عدة شهور وربما تفقس منه نسبة ضئيلة فقط ويشبه بيض بعض الأنواع البذور الصغيرة السوداء وفي جانب واحد منه خط أبيض.
وفي إنجلترا حيث تتغذي «العصي الرحالة» على شجيرات الورد والنباتات الأخرى نجد بيضها يشبه البرطمانات الصغيرة ولها غطاء في وسطه زرار وعندما تفقس الحشرة الصغيرة تدفع الغطاء عنها وتفرد أرجلها الطويلة ويستقم جسمها المحني وتذهب سعياً وراء ورقة طريَّة تفطر عليها. وتشبه هذه الصغيرة أمها ولكنها تنسلخ وتخرج من جلدها القديم عدة مرات قبل أن تبلغ مرحلة النُضج.
وفي أثناء مرحلة الانسلاخ هذه، لو حدث وفقدت إحدى أرجلها، في الإمكان أن ينمو لها غيرها، غير أن هذه العملية تلزمها شهور طويلة.
وتوجد في أمريكا أنواع عديدة من هذه الحشرات. في جنوب الولايات المتحدة حشرة كبيرة نوعاً تفرز سائلا له رائحة كريهة قد يسبب التهاباً شديداً إذا ما أصاب عينيك وهي تطلق هذا السائل لتبعد عنها أي طائر جائع يقترب منها ويسميها الأطفال هناك «فرسة السمك».
وتستطيع هذه الأنواع أن تمشي فقط على أرجلها المقوسة ولكن توجد في المناطق الاستوائية بعض و العصى الرحالة ، التي لها أجنحة وتبلغ هناك أحجاماً كبيرة، وفي الواقع ربما تعد و العصى الرحالة الكبيرة ، التي توجد في جزر الهند الغربية أكبر الحشرات جميعاً وقد ينافسها في ذلك نوع أو اثنان من الخنافس.
ولقد ذكر عن بعض « العصي » أنها تبلغ نحو خمس عشرة بوصة. وعندما كنت أعد كتابي هذا كانت إحدى هذه العينات الكبيرة معلقة في برواز على حائط حجرتي وكنت قد طلبت من أحد المشتغلين بتجارة الأثاث في نيويورك أن يبحث إلى عن عينة منها ولكن مضت عشرة أعوام قبل أن يحقق رغبتي.
وفي ذات يوم أرسل له أحد هواة الجمع الذين يجوبون أنحاء العالم البعيدة بحثاً وراء الفراشات وزهور الأوركيد وما أشبه ذلك من النوادر ، أرسل له خمساً من هذه «العصي الرحالة » العملاقة وقد حصل عليها من جزيرة غانا الجديدة وكانت أكبرها حجماً من نصيبي.
وتأكل «العصا الرحالة»، أوراق بعض الأشجار والشجيرات وبخلاف ذلك فلا ضرر منها مطلقاً وتزحف في بطء كما كان يفعل أسلافها من ملايين السنين.