غرائب الحشرات
قد نعتقد أننا أكبر من أن نصدق حكايات السحر والجان، ولكن العلم فتح عيوننا على مشاهد أغرب من أية قصة خرافية. وليس هناك ما هو أكثر إثارة في عالم الحشرات العجيب، فهناك نرى مخلوقات غريبة تشبه الوحوش الصغيرة كلها حراشيف وأشواك وقرون، وبعضها يشبه الآلات الغريبة أكثر من شبهه بالكائنات الحية.
ومنها ما هو جميل كالأزهار، ولكنها جميعاً تعيش حياة قصيرة، فالبعض منها ينشط شهوراً أو أيام قليلة وبعضها لا يعيش إلا ساعات معدودة ثم تفتت أو تتجمد أو تموت جوعاً لترك المجال لغيرها من بلايين الحشرات الأخرى.
ومعظم الحشرات عديمة الضرر، والكثير منها مفيد لنا وبدونها لا ينجح الكثير من زراعاتنا، والقليل منها يعتبر حليفنا حقيقة. ولكن هنا: أنواعاً أخرى ضارة بنا وبعضها يهدد اقتصادنا بل حياتنا ذاتها.
وهذه الأنواع تبدو لنا غاية في الوحشية وعدم الإحساس حتى قيل إنها قد خلقت للحياة على كوكب آخر.
ونحن في حرب مستمرة ضد الأعداء وتجمعاتها الكبيرة حتى ظن بعض المتشائمين من العلماء أن هذه الحشرات الضارة ستنتصر علينا وقد تتمكن من غزو العالم الذي نعيش فيه. وعلى أية حال فالحرب بيننا دائرة وتزيد تكاليفها على مر الزمن، وعليه نستطيع أن نتعرف مقدار أهمية هذه المخلوقات الغريبة ومعرفة كل شيء عنها، فمنها ما يزحف أو يقفز أو يطير من حولنا، ومنها ما يخدمنا بوسائل عدة، كما أن منها أنواعاً تعض وتلسع وتضر وتخرب إلى غير ذلك.
ما هي الحشرات؟
لعل أبسط طريقة لتمييز الحشرة عن مثيلاتها من المخلوقات الأخرى هي أن تعد أرجلها وسنجدها ستا على الدوام. وللعناكب والقراد - التي كثيراً ما تسمى بالحشرات - ثماني أرجل. وهي في الحقيقة ليست حشرات وإنما تمت إليها بصلة القرابة البعيدة.
وعلى أية حال فإن هناك أنواعاً كثيرة جدا من الحشرات بحيث لا نحتاج إلى أن نضم معها غيرها من الحيوانات الأخرى. ولقد أظهر تعداد خاص أخذ عام ۱۹4۸ أن هناك نحو 686 ألف نوع منها قد وصف فعلا، يضاف إليها نحو ستة أو سبعة آلاف نوع جديد كل عام. ولو قدر لجميع الأنواع أن تحصى فربما يصل عددها إلى الملايين. ويعتقد بعض العلماء أن هذا العدد قد يبلغ عشرة ملايين نوع.
تشريح ووصف الحشرات:
وإذا كانت الحشرات تختلف كثيراً في الحجم والشكل إلا أنها تتشابه في نواح عدة. فالجسم ينقسم إلى ثلاث مناطق: الرأس والصدر والبطن، ويمكنك تبين هذه المناطق بوضوح في الدبور، وللدبور رقبة دقيقة ووسط نحيل يفصل بين الصدر والبطن.
وتنقسم كل منطقة في مناطق جسم الحشرة بدورها إلى أجزاء أصغر تسمى بالقطع، ويتكون الصدر من ثلاث قطع تحمل كل منها زوجاً من الأرجل، وفي معظم الحشرات تحمل القطعة الصدرية المتوسطة زوجاً واحداً من الأجنحة وكثيراً ما يوجد زوجان من الأجنحة تحملهما القطعتان الصدريتان الثانية والثالثة.
وينقسم البطن عادة إلى عشر قطع، كما تنقسم كل من الأرجل إلى تسع قطع مفصلية.
وينقسم كذلك رأس الحشرة إلى أجزاء، منها أجزاء الغير التي تثير الاهتمام وفي بعض الأنواع كالجراد تكون الفكوك قوية بينما تكون في أنواع أخرى ضعيفة بحيث لا تتمكن الحشرة المسكينة من تغذية نفسها. وفي بعض الأنواع كالبعوضة تطول أجزاء الفم وتكون نوعاً من الخرطوم يشبه منقار الطائر الطنان.
وتعد ملامس الخس أو قرون الاستشعار أكثر الأجزاء غرابة، وقد تكون أطول من بقية الجسم وتتكون من قطع عديدة قد يبلغ عددها نحو الستين قطعة أو تكون قصيرة غليظة تشبه القرون، وهي تساعد الحشرة في تلمس طريقها ولها أيضا فوائد أخرى، فهي تحمل أعضاء السمع والشم كما تعمل عمل إيريال التليفزيون في الالتقاط والتفاهم بين الحشرات.
وكذلك يضم الرأس مركز الأعصاب الرئيسي الذي هو بمثابة المخ عند الحيوانات العليا الأخرى، وفي بعض الحشرات أصبح هذا المركز العصبي ما حقيقيا يمكنها من عمل الكثير من الأفعال المدهشة.
وقد تصبح الحشرات التي تعيش في الكهوف عمياء، ولكن أكثر الحشرات لا تملك ثلاث عيون بسيطة فحسب، بل لها كذلك زوج من العيون المركبة.
وعيون حشرة الرعاش لها أحياناً ۲۰ ألف عدسة تمكنها من الرؤية في جميع الجهات في وقت واحد.
وتبني أجسام الحيوانات العليا بما في ذلك أجسامنا حول هيكل عظمي له عمود فقري. وباستثناء الأسنان تختي هذه العظام جميعاً داخل الجسم، ولكن الحشرة ليس لها هيكل عظمي؛ فجسمها محاط بغطاء جامد كالدرع التي كان الفرسان يرتدونها في العصور الوسطى. وهذا الغطاء تقويه مادة تسمى الكيتين، وهو صلب لا ينفذ منه الماء، وقد ينشى دون أن ينكسر، ويمكننا ملاحظة صلابته في جسم خنفساء ومتانته في الدبور والنحلة.
ويفسر هذا النوع من تركيب الأجسام تعدد الحشرات وأشكالها، وللطبيعة وسائل قليلة لترتيب العظام، فالهيكل العظمي عند الإنسان لا يختلف كثيراً ما نظن عن مثيله في الحصان بيد أن الغطاء الجلدي الذي يغلف جسم الحشرة يمكنه أن يأخذ أشكالا لا حصر لها...
وهذا أيضا يسمح للطبيعة بترتيب أعضاء جسم الحشرة بطرق مختلفة، ففي الحيوانات العليا تكون الآذان في الرأس، ولكن بعض البعوض يحمل آذانه على قرون الاستشعار، بينما توجد آذان الجراد على القطعة الأولى من البطن وآذان الحفار في سيقانه الأمامية.
وفي الحيوانات العليا يكون عضو الشم هو الأنف، ولكن الحشرات ليس لها أنوف، في الصرصار توجد أعضاء الشم على قرون الاستشعار؛ وقد يملك الصرصور نحو أربعين ألفاً من هذه الأعضاء.
ويوجد في الحشرات قلب ونوع من الدورة الدموية ولكنها لا تملك أوردة أو شرايين وبعض خنافس الماء لها أكياس خاصة عند مفاصل الركب تساعد القلب في عمله ودم الحشرة ليس لونه أحمر، بل عادة يكون عديم اللون وقد يكون مائلاً قليلاً إلى الخضرة أو اللون الأصفر.
وباختصار، نستطيع وصف الحشرات في كلمتين، فهي كثيرة الأنواع ومتباينة وهي لا تفوق في عددها كل صور الحياة الأخرى فحسب، ولكنها أيضا تختلف كثيراً في الحجم والشكل والطباع.