أهم المعلومات عن الأعصاب والمخ في الجسم البشري؟
إذا خرجت في نزهة سيراً على الأقدام، فإنك لا تلقي بالاً ولا يهمك ما تقوم به ساقاك وقدماك من حركات، فالمخ هو الذي يهيمن و ينظم كل ذلك، وتسير أنت في الطريق دون أية صعوبة.
والمشي على قدمين عمل عظيم عجيب، فالطفل في أول سنة من عمره عندما يتعلم كيف يمشي على قدميه، يصعب على مخه السيطرة على ساقيه والمحافظة على اتزان جسمه، ولذلك يتعثر ويسقط على الأرض. وحتي الشخص البالغ يجد صعوبة عندما يبدأ في تعلم المشي والحركة بطريقة جديدة عليه. كما نحتاج إلى تدريب طويل قبل أن نحذق حركة الساقين في بعض أنواع السباحة، كذلك يجد بعض الناس صعوبة في تعلم الرقص، إذ يفكرون في مبدأ الأمر في المواضع التي ينقلون إليها أقدامهم.
والمخ يهيمن ويدبر أمر حركاتنا... ولكن لنا أن نتساءل كيف يتأتى له ذلك وهو قابع في قمة الرأس.. بعيداً عن الساقين اللتين يتحكم فيهما وفي حركاتهما؟
كيف يعمل المخ؟
وليس في استطاعة بشر أن يجيب عن هذا التساؤل إجابة كاملة، لأننا لا نعرف الكيفية التي يعمل بها المخ . وضعت كتب ودراسات تعد بالمئات عن المخ البشري ، ولكنه مازال حتى الآن قضية غامضة. وأمر بسيط كالقراءة، يؤديه كل واحد منا في كل لحظة، هو في حقيقته عملية معقدة لا يقدر العلماء على تفسيرها وتوضيح ما يجري في المخ من عمليات عندما نقرأ الكلمة المطبوعة.
ويمكن اعتبار المخ كمحطة مركزية هائلة للتليفون، يخرج من لوحات توزيعها ملايين وملايين من الأسلاك. ولوحات التوزيع في الجسم البشري مصنوعة من خلايا خاصة تسمى بالخلايا العصبية، وتسمى أسلاك التليفون بالألياف العصبية التي تصل إلى كل موضع في الجسم حيث تتفرع كل ليفة عصبية إلى عدد من الأفرع الدقيقة يسمى «صفحة نهائية» . أو بمعنى أبسط نهاية العصب. والليفة العصبية ونهايتها أجزاء من الخلية العصبية.
فإذا فرضنا أنك أردت التقاط شيء ما من على الأرض : دبوس مثلا، وهذا عمل بسيط غير صعب ، ومع ذلك فإنك تحرك أجزاء كثيرة من جسمك.
فلو درست الحركات التي تنطوي تحت عملية التقاط الدبوس لوجدت أنك تحرك عينيك و رأسك ورقبتك وكتفيك وظهرك وعجزيك وساقيك وقدميك، ثم على الأخص ذراعيك ويديك وأصابعك .
ولا يمكن للعظام أن تتحرك تلقائياً، فلابد من أن تحركها العضلات التي تتصل بها ، فالحركة لا تحدث إلا عندما تنقبض العضلة و يقصر طولها.
والعضلات الهيكلية كذلك لا تنقبض تلقائيا، إذ لابد أن يأمرها المخ بذلك ، فلابد أن تصل لكل عضلة رسالة خاصة من لوحة توزيع المخ ، فتسري هذه الرسالة في سلك التليفون أو الليفة العصبية التي تصل إلى العضلة .
وعندما تصل هذه الرسالة إلى نهاية العصب الموجود في العضلة ، فما على الأخيرة إلا أن تطيع وتنقبض .
وتصل إلى عضلات ذراعيك و يديك مئات الآلاف من الألياف العصبية .
فعندما تنحني لالتقاط الدبوس ، يرسل المخ الرسالة إلى العضلات في إحكام ونظام ، فيختار العضلات التي يجب أن تنقبض وتلك التي عليها أن ترتخي، وفي النهاية يقبض إبهامك وسبابتك على الدبوس ليلتقطاه . ويتلو ذلك نوع آخر من الرسائل المحكمة المرتبة يرسلها المخ إلى العضلات حتى تستطيع وضع الدبوس في مكان أمين.
ولما كانت الأعصاب التي تذهب إلى العضلات تختص بتنظيم الحركة فإنها تسمى بالأعصاب المحركة.
وهناك نوع آخر من الأعصاب يعمل بطريقة عكسية ، فبدلا من أن يحمل رسائل من المخ ، فإنه يحمل إليه الرسائل و يسمى بالأعصاب الحسية ، وبها نحس بالحرارة والبرودة والجفاف والبلل.
ولكي نتفهم كيف تعمل أعصاب الحس ، نفرض أن دبوساً قد وخزك قبل أن تلتقطه . عند ذلك ما إن تخدش سن الدبوس يدك ، حتى تحدث اضطراباً في نهاية الأعصاب التي في الجلد فتنبعث إشارات من الأعصاب تصل إلى المخ تخبره بما حدث. وتدل الحساسية بالألم على أنه قد حدث ضر لخلايا الجسم وأنسجته، ولابد للمخ من أن يعرف ذلك حتى يمنع الضر إذا أمكن ذلك.
وأثناء مسير الإشارات الحسية إلى المخ ، تمر بما يشبه مركز توزيع التليفون المصغر، وعن هذا الطريق تصل الأخبار السيئة عما أحدثه الدبوس من أضرار بالإصبع إلى الأعصاب المحركة القريبة، وسرعان ما تبدأ هذه الأعصاب المحركة في العمل في وقت قد لا تكون قد شعرت فيه بالألم . لذلك تنبعث الإشارات في الأعصاب المحركة إلى العضلات التي تنقبض فتتحرك العظام ويؤدي ذلك إلى إبعاد يدك عن سن الدبوس ، فلا تحدث أضرار أخرى. وحركة اليد هذه تسمى بالفعل المنعكس الذي يحدث قبل أن يشعر المخ بما حدث للجسم من أضرار.
وبعد أقل من الثانية تحدث أشياء كثيرة أخرى نتيجة لوصول إشارات الحساسية بالألم إلى المخ . فقد تصدر عنك « صرخة » من الألم ، ثم تنظر إلى موضع الوخز أو الخدش لترى مدى فداحته. وعيناك عضوا حس تصدر عنهما إشارات للمخ تصف دقائق الخدش أو الوخز. وقد يقع الدبوس على الأرض.
فتسمع رنينه الخفيف عليها ، فأذناك هما كذلك عضوا حس تصدر عنهما إشارات حسية تصل إلى المخ تصف له مكان وقوع الدبوس، عند ذلك قد - تنحني لتلتقط الدبوس و بذلك تبدأ أعصابك المحركة في العمل مرة أخرى لتنشيط وقبض العضلات . إلا أن نهايات الأعصاب الحسية في أصابعك لم تكف عن العمل ، فهي تشعرك ببرودة وصلابة الدبوس ، وكذلك حجمه وشكله ، و بذلك تخطر إشاراتها العصبية المخ بأنك تلتقط دبوساً وليس قطعة نقد أو قطعة من الورق .
الجهاز العصبي اللا إرادي:
إننا نشعر بالكثير مما يؤديه مثل التحرك من مكان إلى آخر ، أو بالقراءة"، أو بالكتابة ، فهذه الأعمال تسمى بالأفعال الإرادية ويتحكم فيها الجهاز العصبي الإرادي أو المركزي.
إلا أن هناك أعمالا تؤدي في الجسم ولا نشعر بها، وهي أعمال تؤدى سواء كنا نياماً أو متيقظين. فلابد للقلب والرئتين والجهاز الهضمي من العمل أربعاً وعشرين ساعة في اليوم ، ونشاطها هذا يتحكم فيه الجهاز العصبي اللا إرادي .
ومن أهم أعصاب الجهاز العصبي اللا إرادي ، العصب الحائر الذي ينبت من قاع المخ ويسير في التجويف الصدري لينتهي في التجويف البطني وتصل فروعه إلى أحشاء الصدر والبطن .
من هذا نرى أن الأعصاب في شتى أنحاء الجسم تحمل الإشارات من المخ وإليه ، وهذا نشاط وعمل كبير ، لأن كل جزء من أجزاء الجسم يقع تحت هيمنة المخ وتحكمه ، ولقد قدتر كاتب مشهور المهام اللازمة لإنشاء مركز توزيع تليفوني يؤدي نفس العمل الذي يؤديه المخ، فوجد أن الأدوات اللازمة لذلك تملأ است بنايات ناطحة السحاب في حجر بناية الإمبير ستيت، والأسلاك اللازمة تزن عدة مئات من الأطنان وتحتاج إلى كل مياه نهر الهدسون لتبريد هذه الأدوات حتى لا تحترق من شدة الحرارة.
نمو المخ منذ الولادة :
وينمو المخ بسرعة منذ وقت الولادة حتى سن الرابعة أو الخامسة ثم تقل سرعة النمو حتى سن العشرين ، وعندما يكتمل نموه يبلغ وزنه أقل من كيلو ونصف . ولا يوجد إلا حيوانان يزن مخهما أكثر من مخ الإنسان ؛ إذ يبلغ وزن مخ الفيل ثلاثة أمثال مخ الإنسان ، ويبلغ وزن مخ بعض الحيتان خمسة أمثال وزن مخ الإنسان ، ولكن لو قارنا نسبة وزن المخ لوزن الجسم لكانت نسبة مخ الإنسان لوزنه أكبر من تلك في الفيل أو في الحوت .
وفي الحقيقة لا يهم وزن المخ بقدر ما يهم تقدمه وارتقاؤه والطريقة التي يستعمل بها . فلقد كشف العلماء أن المخ واحد في سائر أنواع البشر ، فلا يبدو أن هناك فرقاً بين مخ نابغة مشهور مثل أينشتاين ومخ الشخص العادي ، ولكي نكون دقيقين في التعبير لابد لنا من أن نقول إن العلماء عجزوا عن تبيان أي فرق حتى الآن بين مخ النابغة ومخ الشخص العادي.
وللمخ أجزاء كثيرة أهمها ثلاثة : المخ الرئيسي وهو أكبرها ، المخيخ ومعناه المخ الصغير ، ثم النخاع المستطيل وهو ذلك الجزء الذي يصل ما بين المخ والنخاع الشوكي.
ولقد سبق أن ذكرنا أن النسبة بين المخ الرئيسي والجسم في الإنسان أكبر منها في أي حيوان آخر. والمخ الرئيسي هو مركز الإبصار والسمع والشم والتذوق والذاكرة والذكاء. ونظراً لشدة ارتقاء مخ الإنسان عن مخ سائر الحيوانات الأخرى ، فإنه يستطيع القيام بعمل أشياء كثيرة لا تقدر عليها الحيوانات.
أما المخيخ والنخاع المستطيل فهما متشابهان إلى حد كبير في الإنسان كما في غيره من الحيوانات. فهما ينظمان حركات الجسم، وهما مسئولان عن دوام حركة أعضائه.