كيف يتنفس الإنسان ؟
في الشهيق، أي عندما ندخل الهواء النقي في رئتينا ، نزود الدم بكمية من الأكسجين ، لازمة للخلايا الإنتاج الطاقة . أما في الزفير ، أي عندما تخرج الهواء الموجود في الرئتين ، فإننا نتخلص من ثاني أوكسيد الكربون الذي حمله معه الدم من الخلايا.
وكذلك يساعد الزفير في تلطيف حرارة الجسم بإخراج كمية قليلة من بخار الماء . إلا أن هذا الأمر نستطيع تحقيقه بوسائل أخرى مثل العرق . من هذا نستنتج أن أهم ما تحققه عملية التنفس هو استبدال ثاني أوكسيد الكربون بالأكسجين .
وللتنفس طريقتان . فأنت الآن جالس تقرأ هذا الكتاب لا تشعر بأنك تتنفس . ولكنك في الواقع تتنفس بلطف ست عشرة مرة في الدقيقة عن طريق أنفك . ولو أنك نحيت هذا الكتاب وجريت حول المبنى بأقصى سرعتك فسرعان ما تجد نفسك تتنفس بعنف ، وقد تلهث . وبهذه الطريقة ، أي طريقة التنفس بعنف عن طريق الفم ، تزود دمك بالكميات الإضافية من الأكسجين اللازمة للقيام بمجهود عنيف في وقت قصير .
التنفس عبر الفم:
ومهما يكن من أمر ، فإن الفم غير مُعد للتنفس عن طريقه ، كما لابد قد لاحظت في الأيام الباردة ، حين تجد نفسك ، دون وعي ، تقفل فك جيداً لأنك تشعر بالبرد في فك وفي أسنانك . كما قد تلاحظ في الأيام القارسة البرد أن رأسك يميل حتى يحتمي فيك خلف البنيقة أو « الكوفية ». وسبب ذلك أن الهواء البارد في مروره بفمك لا تسنح له الفرصة لكي يدفاً، وبذلك يحدث ما يشبه الصدمة للرئتين .
ولكنك تتنفس بكل راحة خلال الأنف ، ولو كان الأنف بارد الملمس من الخارج . ذلك لأن بداخل الأنف عدداً كبيراً من الأوعية الدموية التي تمتلىء بالدماء عندما يكون الهواء بارداً ، وبذلك ترتفع درجة حرارة هواء الشهيق في مروره عليها وتصل إلى درجة حرارة الجسم.
إلا أن هناك نقصاً طفيفاً في التنفس عن طريق الأنف ، ذلك لأن الأوعية الدموية الصغيرة التي تبطن الأنف من الداخل تفرز سائلا لزجاً يسمى « مخاطاً » عندما تمتلىء بالدماء . ولهذا السبب يكثر ميلك للتمخط في الأيام الباردة . وهذا هو نفس ما يحدث عند الإصابة بنزلة بردية .
المخاط وشعر الآنف وأهميتهما:
والمخاط يرطب الأغشية الدقيقة التي تبطن مسالك التنفس ويحميها .
والمخاط والشعر الموجود على مدخل الأنف يحجزان ذرات الغبار ويمنعاها من الوصول إلى الرئتين .
ويفصل الحاجز الأني بين فتحتي الأنف الذي يتكون جزؤه الأسفل من غضاريف ، وهي نوع من العظم اللين . أما في الجزء العلوي من الأنف فإن الحاجز يتكون من العظم . ولذلك فإنه من الممكن ثني الجزء الأسفل من الأنف من جانب إلى آخر ، ولا يمكن ذلك في جزئه العلوي .
وفي أعلى الجزء الخلفي من الأنف يوجد جيب صغير به مركز الشم، فعندما تتشمم شيئاً معيناً كالطعام أو العطر، فإنك تأخذ نفساً عميقاً يحمل هذه الرائحة إلى ذلك الجيب . وأعصاب الشم قريبة جداً من المخ وتدخل فيه مباشرة.
ويؤدي مسلكا الهواء في الأنف إلى الجزء الخلفي من الفم ، حيث توجد الزوائد الأنفية التي هي في الواقع نسيج رخو ملى بالعقد الليمفاوية . وفائدة هذه الزوائد اقتناص ما قد يدخل مع هواء الشهيق من جراثيم . وتتكون اللوزتان الموجودتان في الجزء الخلفي من الفم من نفس النسيج الليمفاوى وتؤديان نفس الغرض.
من هذا نرى أن شعيرات الأنف وما يفرزه من مخاط تشكل مع الزوائد الأنفية واللوزتين نوعاً من المصفاة التي تقتنص أكبر قدر ممكن من الجراثيم الضارة التي يمتلئ بها الهواء الجوي . ولابد من حماية الجسم منها ومنعها من التغلغل فيه .
وفي هذه العملية ، عملية الاقتناص، ثم قتل جراثيم الهواء الجوي، قد تلتهب بعض أجزاء الزوائد الأنفية أو اللوزتين ، ومن ثم تتضخم وتعرقل التنفس .
وللعلاج تستأصل الأجزاء المتضخمة بعملية بسيطة .
ويفتح مسلك الهواء إلى رئتيك في مؤخر الفم، أمام المرئي الذي يحمل الطعام .
والحنجرة أول قسم منه ، عند قمة الحلق ، وفيها الأحبال الصوتية ، وهما عبارة عن غشاءين رقيقين موضوعين على هيئة حرف (۷) ، وفي حالة علم الكلام أو الغناء يبتعد طرفا حرف (v) عن بعضهما . أما عند الكلام أو الغناء فإن الطرفين يتقاربان و يحكم تقاربهما بعض العضلات . وعندما يمر الهواء بينهما يحدث فيهما بعض الاهتزازات التي تخرج أصواتاً مختلفة . والحبال الصوتية عند النساء والأطفال قصيرة نوعاً ما ، لذلك فإن أصواتهم مرتفعة النغم .
أما الرجال فحبالهم الصوتية أطول . لذلك فإن أصواتهم أعمق وتلي الحنجرة القصبة الهوائية ، ويبلغ طولها 10 أو ۱۲ سم ، ويبلغ قطر مسالك الهواء داخلها قطر إصبع السبابة . وجدار القصبة الهوائي متين ويزيد في متانته وجود ست عشرة حلقة من الغضاريف وقد تبلغ العشرين ، و بذلك تبدو كالأنابيب المدرعة في الطائرة النفاثة .
وبالرغم من هذه المتانة فإن القصبة الهوائية مطاطة تسمح بسهولة بثي الرقبة من جهة إلى أخرى أو من أعلى إلى أسفل. ولزيادة الأمان ، نجد أن القصبة الهوائية والحنجرة محصنتان بمجموعات عديدة من الغضاريف . وفي الاستطاعة المس واحدة من هذه الغضاريف في أعلى الرقبة تحت الذقن . ويتكون الغضروف من لوحتين كبيرتين كالجناحين، ملتحمتين من الأمام في حافة مدببة . وهذا الغضروف بمثابة درع للحنجرة ويبدو في هيئة الدرع ويسمى الغضروف الدرقي، كما أن حافته المدببة الأمامية تسمى "تفاحة آدم".
وبالقرب من الغضروف الدرقي غدة من أهم غدد الجسم ، وهي الغدة الدرقية ، وتتكون من فصين كبيرين طول كل منهما حوالي 5 سم واقعين على جانبي القصبة الهوائية، ووظيفة الغدة الدرقة الهيمنة على نمو الجسم ونشاطه.
وعلى ذلك ، فبالرغم من وجودها بالقرب من القصبة الهوائية ، فإنها لا تؤثر في التنفس .
وخلف كل فص من فصي الغدة الدرقية غدتان أصغر كثيراً منها .
وبذلك فمجموعها أربع غُدد تسمى جارات الدرقية ، ووظيفتها تنظيم كمية الكالسيوم في الدم ، أو كما يقول العلماء ، تنظيم التوازن الكالسيوى .
وعندما تصل القصبة الهوائية إلى التجويف الصدري ، تنقسم إلى فرعين على هيئة حرف (۷) مقلوباً . ويسمى هذان الفرعان بالشعبتين الرئويتين ، وتدخل كل واحدة منهما في رئة . وتتفرع كل شعبة رئوية في الرئة إلى فروع أصغر فأصغر كالشجرة ، حتى نرى في النهاية فروعاً دقيقة جداً تسمي الشعيبات الرئوية تفتح كل منها في كيس صغير يسمى بالحويصلة الهوائية وفيه تنتهي رحلة الهواء الذي نتنفسه .
من المستحيل عملياً أن نحصر عدد الحويصلات الهوائية في الرئة، ولكن بعض العلماء يقولون إنها تصل إلى البليون . من هذا نرى أن حجم هذه الحويصلات متناه في الصغر ، كما أن جدرها رقيقة جدا، فهي في الواقع عبارة عن طبقة واحدة من الخلايا .
يحيط بجدر الحويصلات الهوائية شبكة من الشعيرات الدموية ، وهي أدق الأوعية الدموية ، وتتكون جدرها من طبقة واحدة من الخلايا أيضاً . لذلك نرى أن الدم والهواء يتقاربان فيما بينهما في نهاية الأمر ، ولا يفصل بينهما غير طبقتين من الخلايا . ومع أن الدم لا يستطيع الخروج من الشعيرات، إلا أن ثاني أوكسيد الكربون الموجود فيه يتسلل بسهولة من جدر الشعيرات إلى الهواء الموجود في الحويصلات ، وفي الوقت نفسه يتسلل الأكسجين من هواء الحويصلات إلى الدم في الشعيرات ، وبهذا يتم تبادل الغازات .
وقد يتساءل البعض عن الغرض من هذا التبادل؟
يتم هذا التبادل بفضل مادة تسمى الهيموجاوبين ، وهي مادة كيموية تحتوي على الحديد وتكسب الكرات الدموية الحمراء لونها الأحمر ، والهيموجاوبين مادة فريدة في نوعها ، فهي تميل للاتحاد مع كل من الأكسجين وثاني أوكسيد الكربون . في أثناء مرور الكرات الدموية الحمراء بالأنسجة ، تجمع ثاني أوكسيد الكربون المتخلف من النشاط . ثم عندما تصل هذه الكرات إلى الرئتين ، يتخلص الهيموجاوبين من ثاني أوكسيد الكربون و يأخذ بدلاً من الأكسجين الذي يميل إليه بنفس الدرجة .
وبهذه الطريقة يتم تشبيع الدم بالأكسجين (أكسدة الدم) ، ويسرى من شعيرات الرئة إلى أوعية دموية أكبر فأكبر ، في عودته إلى القلب حيث يعاد دفعه خلال أنسجة الجسم مرة أخرى . أما الهواء الذي كان في الرئة ، فقد أصبح محملا بثاني أوكسيد الكربون استعداداً لإخراجه على هيئة زفير لأخذ كمية جديدة من الأكسجين في شهيق جديد .
هذه هي طريقة تبادل الغازات داخل الرئتين ، ولكن يحسن بنا أن نعرف كيف تؤدى الرئة وظيفتها ؛ أي الطريقة التي يدخل الهواء فيها ويخرج الهواء المحمل ثاني أوكسيد الكربون منها .
الرئتين :
إن الرئتين أكبر بكثير جداً مما يظن أغلب الناس ، فهما ممتدتان من أسفل الرقبة إلى الحجاب الحاجز ، وهو الفاصل الذي يقسم تجويف الجسم إلى قسمين ، وهما تشبهان المخروط على وجه التقريب ، قمته إلى أعلى وقاعدته إلى أسفل . وكل رئة مستقلة عن الأخرى ، حيث إنك إذا لم تستطع التنفس بواحدة منهما لسبب أو لآخر ، فإنك تستطيع ذلك بالرئة الأخرى ، كما أنهما تختلفان قليلا في الشكل والمظهر ، إذ تمتد على سطح كل منهما أخاديد أو شقوق تقسم الرئة الواحدة إلى أجزاء تسمى فصوصاً ، وتتكون الرئة اليسرى من فصين في حين تتكون اليمني من ثلاثة فصوص ، كما أن الرئة اليسرى أصغر قليلا من الرئة اليمني نظراً لوجود القلب بين الرئتين ، إلا أن الجزء الأكبر منه يقع إلى جهة اليسار ، مما يؤدي إلى صغر حجم الرئة اليسرى.
شكل الرئتين :
وتشبه الرئة من الداخل قطعة من الإسفنج، خفيفة الوزن، لاحتوائها على ملايين عديدة من الحويصلات الهوائية . والرئة مطاطة جداً ، ومعنى هذا أن الرئة تتمدد بسهولة ، إلا أنه ما إن تختفي القوة التي تحددها حتى تعود إلى شكلها الأصلي .
ويحيط بالرئتين اثنا عشر زوجاً من الضلوع تحميها من الخارج . والأضلاع تتصل بالعمود الفقري من الخلف وتتقوس حول الرئتين مشكلة قفصاً متيناً .
وتتصل الأضلاع السبعة العليا من الأمام بعظم القص بغضاريف. أما الأضلاع الثلاثة التالية فإنها تتصل بالضلع الذي يعلوها . أما الضلعان الباقيان فإنهما لا يتصلان بشيء ما من الأمام، ولذلك يطلق عليهما أحيانا اسم « الضلعان الطافيان ». .
والقفص الصدري في مجموعه مرن ،، تستطيع عضلات خاصة زيادة حجمه في سهولة.
ولا تمتص الرئتان هواء ما ، إذ يؤدي معظم العمل الحجاب الحاجز القوى مع عضلات القفص الصدري .
ففي الشهيق ، تنقبض عضلات الحجاب الحاجز ، فيهبط الحاجز إلى أسفل ، وفي الوقت نفسه تجذب العضلات الأضلاع إلى أعلى وإلى الخارج فيكبر القفص الصدري ويتسع . وبذلك تتمدد الرئة وتتسع حويصلاتها الرئوية قليلا . ونتيجة لزيادة حجم الفراغ الذي بداخل الرئة يندفع إليها الهواء من الخارج .
وفي الزفير ، تنعكس الآية ، إذ ترتخي عضلة الحجاب الحاجز ، وعضلات القفص الصدري ، فيصغر حجم الصدر وتعود أنسجة الرئة المطاطة إلى شكلها الطبيعي ، فتضيق الحويصلات الرئوية فيندفع الهواء إلى الخارج.
وفي هذه الفترة ، فترة ما بين الشهيق والزفير ، يكون الدم قد أدى عمله ، مخرجاً ثاني أوكسيد الكربون وحاجزاً كمية جديدة من الأكسجين .
مما تقدم ترى كيف يتم التعاون في العمل بين شتى أجزاء الجسم، فيتعاون القلب مع الرئتين والجهاز الهضمي ومع العضلات والعظام .
وإلى جانب هذا كله، فإن الهواء الذي يخرج من الرئتين له فائدته ؛ إذ يصدر أصواتاً عند مروره بالأحبال الصوتية ، يستفاد بها في الكلام والغناء .