كيف تتغذي أجسامنا من الطعام والشراب :
عندما يتم هضم الطعام، وتمتصه ملايين الخمائل التي تبطن الأمعاء الدقيقة ، يصبح معدا لأن ينقل إلى شتى أنحاء الجسم؛ إذ لابد من تزويد كل خلية حية بما تحتاج إليه من مواد غذائية ، وكذلك بما تحتاج إليه من ماء وأكسجين .
ويحمل الدم هذه المواد الحيوية إلى الخلايا ، مار في شبكة هائلة من الأوعية الدموية ، يبلغ قطر بعضها ۲٫۵ سم ، في حين أنك لا تستطيع رؤية أغلبها إلا بالمجهر ، ويبلغ طول الأوعية الدموية في الشخص البالغ حوالي ستة وتسعين0 ألف كيلومتر.
وظيفة الدم في عملية التغذئية:
وليست وظيفة الدم مقصورة على حمل الغذاء والماء والأكسجين إلى الخلايا، فهو يحمل منها ما قد يتكون من ثاني أوكسيد الكربون. كما يوجد بالدم ملايين وملايين من الخلايا المتهمة التي تحمي الجسم من العدوى.
ومن الطرق التي يستعملها العلماء لفحص الدم استعمال آلة الطرد المركزي. وهي في أبسط أمثلتها ، تتكون من محرك كهربي متصل بذراع يثبت في نهايتها الأخرى أنبوبة اختبار بها قليل من الدم . وعندما يدور المحرك ، تدور الأنبوبة بسرعة ثلاثة آلاف دورة في الدقيقة ، ونتيجة لهذا الدوران ترسب جزيئات الدم الأكثر ثقلا في قاع الأنبوبة .
وإذا شاهدت هذه التجربة ، فسوف ترى أنه في لحظات معدودة ينفصل الدم في أنبوبة الاختبار إلى طبقتين مختلفتين : طبقة عليا ، تبلغ أكثر من نصف حجم الدم رائقة يميل لونها إلى الصفرة . وطبقة سفلى حمراء اللون سميكة القوام.
ويمكن "صب الطبقة العليا الرائقة في أنبوبة أخرى ، فيتبقى لدينا في الأنبوبة الأولى المادة التي تكسب الدم لونه الأحمر . وإذا فحصت هذه المادة بالمجهر نجدها مكونة من أنواع عديدة من الخلايا، أكثرها عدداً الخلايا الحمراء التي تسمى بالكرات الدموية الحمراء . فيبلغ عددها خمسة وسبعين بليوناً في كل ۲٫۵ سم مكعب من الدم . وتشبه الكرات الدموية الحمراء عجلات دقيقة مركباً عليها إطارات مطاطية منتفخة ، وتميل إلى الالتصاق بعضها ببعض مكونة عموداً يشبه عمود عملة معدنية تراصت بعضها فوق بعض . وتختلف الكرات الدموية الحمراء عن غيرها من الخلايا في أنها عديمة النواة ، وأنها مرنة يمكن ثنيها على نفسها.
وينتشر بين الخلايا الحمراء ، خلايا أخرى يصعب رؤيتها لأنها تكاد تكون شفافة ، هي الكرات الدموية البيضاء ، ويحتوي كل ۲٫۵ سم مكعب من الدم على حوالي مائة مليون خلية من الكرات البيضاء .
وبعض هذه الخلايا البيضاء ملتهمة . وهي توجد في الدم ، كما تستطيع الخروج من الأوعية الدموية لتبحث عن أعدائها من الجراثيم . وهي تقوم بذلك بحشر جزء صغير منها بين خليتين من خلايا جدار الوعاء الدموي ثم تدفع بباقي جسمها في الثغرة التي أحدثتها مبعدة بذلك الخليتين إحداهما عن الأخرى.
ولا تحمل الكرات الدموية الحمراء ، ولا الكرات البيضاء ، المواد الغذائية التي تم هضمها وامتصاصها . فتحمل الكرات الدموية الحمراء الأكسجين إلى خلايا الجسم ، وتحمل من الخلايا ثاني أوكسيد الكربون . أما الكرات الدموية البيضاء فتحمينا من العدوى .
أما المواد الغذائية فيحملها الجزء السائل من الدم ، والمسمى بالبلازما .
والبلازما هي السائل الرائق المائل إلى الصفرة الذي يكون الطبقة العليا في أنبوبة الاختبار بعد إدارتها في جهاز القوة الطاردة المركزية.
ويكون الماء أكثر من تسعين في المائة من البلازما ، والباقي مواد ذائبة كثيرة يحتاج سردها إلى صفحات عديدة من هذا الكتاب.
ويوجد بالبلازما المواد الغذائية التي تم هضمها ، ما عدا ذلك الجزء الذي خزنه الجسم فهى تحتوى على المواد الكربوأيدراتية على هيئة نوع من السكر يسمى الجلوكوز تستعمله الخلايا للحصول على الطاقة .
وهي تحتوي على البروتينات التي تم هضمها وتجزئتها إلى جزيئات دقيقة تسمى الأحماض الأمينية، وتستطيع الخلايا تركيب المواد البروتينية الملائمة من هذه الأحماض، إذ تحتوى البلازما على أكثر من عشرين نوعاً من الأحماض الأمينية.
كما يوجد بالبلازما بروتينات خاصة بها، يستعين بها الدم في تكوين الخلطة عند حدوث الجرح ، كما أن وجودها يكسب الدم لزوجته.
كما تحتوي البلازما على الصوديوم ، والبوتاسيوم ، والكالسيوم ، والمغنسيوم واليود والحديد في تركيبات كيموية مختلفة . كما تحوى البلازما الهرمونات التي مهيمن على نمو الجسم وعلى نشاط مختلف أعضائه.
ويوجد بالبلازما مواد خفية تسمى بالأجسام المضادة التي تحرس صحتنا. والأجسام المضادة ليست بخلايا حية مثل الخلايا الملهمة ، ولكنها مواد كيماوية تفرزها بعض الأنسجة لقتل بعض الجراثيم الضارة بالجسم .
بقي علينا أن نعرف كيف يصل الغذاء إلى الدم من خلات الأمعاء الدقيقة. إن كل واحدة من ملايين الحملات لها دورتها الدموية الخاصة بها ، ففي كل واحدة وعاء دموي يحمل إليها الدم يسمى شرياناً ، وآخر يحمل منها الدم يسمى و ريدة .
فعندما يتم هضم الغذاء ، تلتقط الحملات المواد المهضومة فتصل إلى وريدها الذي يتصل بأوردة أكبر فأكبر كما يحدث في تفرع الشجرة. وفي النهاية يصل إلى وريد كبير يشبه فرع الشجرة الكبير ، يسمى الوريد البابي الذي يحمل المواد الغذائية المهضومة إلى الكبد، ماعدا الجزء الأكبر من الدهنيات .
وظائف الكبد في عملية التغذية في جسم الإنسان:
والكبد أكبر أعضاء الجسم ، وتزن في الشخص البالغ نحو كيلو جرام ونصف كيلوجرام، وهي تشبه المخروط إلى حد ما، وتقع في الجسم تحت الحجاب الحاجز، والجزء الأكبر منها في الجهة اليمنى من الجسم ، وتصل قمتها إلى أبعد من منتصف الجسم فوق المعدة ، وتحميها الأضلاع اليمني السفلى .
ولا يزال الباحثون يسعون لمعرفة الطريقة التي تؤدي بها الكبد كل وظائفها ؛ فلقد وضح لهم أنها تؤدى أكثر من سبعين وظيفة مختلفة ، ولكنهم لا يعرفون كيف تؤديها . وتتكون الكبد من مجموعات من الخلايا تسمى « فصيصات» ، ويسرى الدم فيها بين الخلايا حتى يصل إلى وريد في وسط مجموعة الخلايا . وتتجمع هذه الأوردة الوسطى بعضها مع بعض مكونة أو ردة أكبر تحمل الدم إلى القلب .
وتشبه الكبد معملاً كيماويًا معقداً. فهي تحول الجلوكوز الموجود بالدم، والناتج من هضم المواد النشوية والسكرية التي أكلت ، إلى نوع آخر من الكربوأيدرات يسمى الجليكوجين . ثم تخزنه في خلاياها . وعندما تحتاج إلى سكريات ، فإنها تحول الجليكوجين إلى جلوكوز مرة أخرى وتبعث به إلى الأنسجة عن طريق الدورة الدموية . كما تفرز الكبد مادة المرارة التي تساعد على هضم المواد الدهنية والتي تخزن في الحويصلة المرارية .
و كذلك تتكون بالكبد أنواع كثيرة من الخمائر الخاصة . والكبد تفكك الخلايا الدموية الحمراء ( الهرمة ) وتفرز المواد التي تؤدي إلى تجلط الدم .
من هذا كله ترى أنها مصنع متعدد النشاط .
وكثرة الدهنيات تعطل عمل الكبد وعمل الكرات الدموية الحمراء . لذلك ترى أن معظم الدهنيات التي يتم هضمها تمتص من الأمعاء الدقيقة في أنابيب خاصة في الحملات التي تحملها إلى أوعية تسمى بالأوعية الليمفاوية التي تتصل بعضها ببعض حتى تكون وعاء كبيراً يصب في وريد كبير تحت عظم الترقوة الأيسر ، وبذلك تصل المواد الدهنية في النهاية إلى مجرى الدم والسائل الليمفاوى عديم اللون ، يشابه البلازما وهو موجود في جميع أنحاء الجسم. وبالإضافة إلى أنه يحمل الدهنيات المهضومة ، فإنه يزود خلايا الأنسجة بالسوائل ، كما أنه خط دفاعي ثان للجسم ضد العدوى .
وعلى طول الأوعية الليمفاوية نجد مرشحات خاصة تسمى بالعقد الليمفاوية وظيفتها اقتناص ما قد يوجد بالسائل الليمفاوي من جراثيم لتقضي عليها .