الحياة الخفية في جسم الإنسان: (كيف يقوم الجسم بمعالجة الجروح ذاتياً) :
لن تجد في هذا العالم ما هو أعجب من جسم الإنسان. وكلما زاد ما ندركه من أسراره ، زادت دهشتنا وعجبنا .
إنك لا تدري بما يجري في جسمك من عمليات ، لأن معظمها يحدث في الخفاء بعيداً عن ناظريك .
فأنت لا ترى قلبك يدق، ولا رئتيك وهما تقومان بوظيفتهما ، كما أنك الا ترى غذاءك وهو يهضم ، ولا كيف تساعدك العضلات في التحرك من مكان إلى آخر . إن هذا كله يحدث في الخفاء داخل جسمك . ولكن هناك حالة تستطيع فيها ملاحظة جسمك أثناء عمله ، وذلك عندما يصيبك قطع في الجلد ..
من وقت إلى آخر تحدث لنا جروح صغيرة في الجلد ، أو خدوش فيه ، مما لا يترتب عليه ضرر كبير لنا . ومهما يكن من تفاهة ذلك القطع أو الخدش فإنه يؤدي إلى بدء عمليات جسمك الخفية ، عند ذلك يتبين لك كيف يحافظ جسمك على نفسه بكفاية .
إنك تعرف ما يحدث عندما تنقطع إصبعك ، إنك تشعر أولاً بألم فيها وتبعدها بسرعة عما أحدث هذا. ترى بعد ذلك بعض الدم ينزف من القطع ، وسرعان ما يتوقف ذلك النزيف تاركاً على القطع جلطة دموية حمراء . وبعد أيام قليلة تصغر هذه الخلطة تدريجيا حتى تتلاشى تماماً تاركة محلها ندبة بيضاء اللون تذكرك بالحادثة، ثم سرعان ما تتلاشى هذه الندبة أيضاً.
فهل دار بخلدك ماذا يحدث في هذا القطع ؟ إنك لو فكرت في ذلك لتبادرت إلى ذهنك شتى الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة :
لماذا شعرت بالألم عندما أصابك القطع ؟
لماذا توقف نزف الدم من القطع بعد بضع دقائق ؟
كيف تحول القطع إلى ندبة ؟
هم تتكون الندبة ؟
كيف تختفي الندية وتغطى بالجلد الجديد ؟
إن الألم الذي شعرت به في بادئ الأمر هو في الحقيقة إنذار من مخك الذي هو المركز المهيمن على جسمك . فمن أول واجبات المخ دفع الأذى عنك . وفي بعض الأحيان يخطئ خطأ بسيطاً فيحدث القطع . عند ذلك يبادر بإرسال إنذار سريع هو الألم الذي تحس به ومعناه ( تيقظ .. وكن أكثر حذراً) ولذلك تبعد الإصبع بسرعة عن مصدر الأذى .
ولربما يصيبك الذعر والخوف لفترة وجيزة عندما ترى الدم يجرى نازفاً من إصبعك ، إلا أنه من حسن الحظ أن فقد القليل من الدم ليس بالخطر الكبير ، في جسمك احتياطي كبير منه، كما أنه يكون كميات جديدة من الدم بسرعة ، ولكن فقد الكثير من الدم قد يكون فيه خطر كبير . وقد يحدث إذا بقي القطع مفتوحاً لزمن طويل ، لهذا كان من الواجب إقفال القطع تماماً في أسرع وقت ممكن .
وثمة سبب آخر لا يقل أهمية ويدعو إلى سرعة إقفال موضع الجرح ، ذلك أن هناك ميكروبات أو جراثيم دقيقة جدا، إلى درجة أنك قد لا تراها بالعدسة المكبرة ، قد تدخل الجرح وتلوثه . وهذه الحالة قد تكون خطيرة جدا، لاسيما إذا لم تتداركها.
لهذا يبدأ جسمك العمل بسرعة لحمايتك من الأخطار . وأول عمل له هو التئام الجرح ، وذلك بتكوين الجلطة الدموية .
ويحدث هذا بأن تزداد قطرات الدماء الخارجة من الجرح لزوجة ويتماسك بعضها ببعض... وبذلك يتحول الدم من الحالة السائلة إلى حالة هلامية ، وملأ هذه المادة كل فراغ الجرح . وسرعان ما تتحول هذه المادة الهلامية إلى مادة صلبة مكونة «سدادة » تمنع خروج الدم من الجرح أو دخول الجراثيم إليه .
وما تكوين هذه « السدادة ، إلا أول خطوة من خطوات إقفال الجرح، إلا أنه من السهل أن تنتزع من مكانها ، لذلك فإنها تتصلب بالتدريج في حين يبدأ جسمك في عملية معقدة لتكوين جلد جديد ، وبذلك تتحول الجلطة إلى قشرة صغيرة حمراء اللون .
ومن المحتمل جدا أن يكون بعض البكتريا الخطرة قد دخلت الجرح إما في أثناء الحادث ، وإما في أثناء تكوين القشرة . ولا بد من القضاء على هذه الجراثيم قبل أن يستشري خطرها.
وهذا هو واجب نوع خاص من خلايا جسمك تسمى «الخلايا المتهمة ، التي تكون في جسمك خطا من خطوط الدفاع ضد المرض . فإذا ما قابلت هذه الخلايا جراثيم ضارة داخل جسمك ، فإنها تقضي عليها بان تلتف حولها وتحتويها في جسمها ، ومن ثم تقضى عليها.
وفي نفس الوقت يقفل جسمك الجرح ويرتقه ، وهو في ذلك يستعمل القشرة الحمراء كإطار أو دعامة لعملياته، مثل تقريب حافتي الجرح بعضهما من بعض ، و إزالة ما يتخلف من الأنسجة التالفة في الجرح ثم إقفال فجوته بألياف قوية .
ولا تسقط قشرة الجرح الحمراء إلا عندما يتم ملء فراغه بالألياف، ولذلك فإن ما تراه في موضع الجرح بعد سقوط القشرة ليس جلداً حقيقيا ، بل هو نسيج ليفي . فالجلد أكثر ليونة وأكثر قابلية للتمدد من النسيج الليني . كما أنه يتكون من طبقات عديدة محدودة . أما النسيج الليني الذي يكون الندبة فأكثر صلابة من الجلد ، ولا يتمدد إلا قليلا ، كما أنه أكثر بياضاً في لونه من الجلد، لذلك تظهر الندبة واضحة ، ويشكل هذا النسيج الليفي قشرة « سدادة ، دائمة للجرح ، وهو في الواقع أقوى من الجلد نفسه . ولهذا النسيج الليفي خاصية الانكماش ، ومعنى هذا أنه يقرب حافي الجرح بعضهما من بعض تدريجيا ، و بذلك تنكمش مساحته بمضي الزمن حتى تتقابل حافتاه تماماً ..
وفي النهاية يبدأ الجلد في النمو فوق ذلك النسيج الليني، وهذه عملية قد تستغرق بعض الوقت ، ولكنها عندما تم تخفي موضع الجرح تماماً بحيث لا يمكنك تحديد موضعه ، وبذلك يكون جسمك قد أتم إصلاح نفسه بنفسه تماماً ، ذلك لأن القطع ، ثم القشرة الحمراء ، ثم النسيج الليفي ، قد اختفت كلها تماماً . وهذا مثال بسيط عما يقوم به جسمك بنجاح تام في العناية بنفسه في جميع الأوقات.