نعم لقد جاء الجواب في أواخر أكتوبر 1963 مفاجئًا، حيث أنه لم يكن أي أحد من الجزائريين يتوقع اعتداء المغرب على الجزائر براً، و حتى غير الجزائريين عربًا و مُسلمين وأجانب، أخذتهم الدهشة من ذلك الاعتداء الغاشم على الشعب الجزائري الذي كان جرحاه ما يزالون في المستشفيات، و أن قواته العسكرية البسيطة لم تكن تملك أسلحة ثقيلة و طائرات، بل أن مطارات الجنوب كانت لا تزال تحت السيطرة الفرنسية مثل مطار بشار وغيره من المطارات القريبة من ساحة المعركة، حيث باغتت القوات المغربية في منطقة “حاسي بيضا” على حين غفلة حوالي 500 جندي و حاصرتهم من جميع الجهات و استعملت ضدهم الطيران والمدفعية كما منعت وصول النجدة، وبما أنهُ كانت لديها السيادة الجوية، فلقد كانت تقصف حتى صهاريج الماء و غيرها للحيلولة دون وصول أية مساعدة كيفما كان نوعها، لكن مع ذلك صمد جنود جيش التحرير الوطني البواسل رغم محاصرتهم، ورغم التفوق الذي كانت تتمتع به القوات المغربية المعادية أسبوعًا كاملاً.
في هذا السياق أذكر موقف مصر و رئيسها “جمال عبد الناصر” الذي ألقى خطاباً هامًا نددَّ فيه بعدوان المغرب على الجزائر، و مما قاله: "نحن لن نرضى أبدًا أن يتعرض الشعب الجزائري من جديد إلى أي اعتداء"، و بالفعل لقد وصلت قطع بحرية مصرية إلى الموانئ الجزائرية، كما جاء للجزائر إضافة إلى ذلك مجموعة من الضباط برئاسة رئيس أركان الجيش المصري الفريق أول "علي عامر" وذلك لدراسة الموقف العسكري بصفة خاصة ومعاينة بعض المطارات القريبة من ساحة المعركة مثل مطارات “بسكرة”، و“الأغواط”، و“ورقلة”، و من الضباط المصريين الذين قدموا لمساعدة الجزائر كان الرائد الطيار "حسني مبارك" -رئيس جمهورية مصر العربية فيما بعد -الذي كان على متن مروحية جزائرية يقودها طيار جزائري و معهم أحد موظفي الرئاسة، وقد أخطاْ الطيار على ما يبدو في قراءة الخريطة مما جعله ينزل في الأراضي المغربية فألقى عليهم القبض و اعتُبروا أسرى حرب فتعرضوا لتعذيب مرير و لم يطلق سراحهم إلا بعد أشهر من توقف القتال و انسحاب القوات المغربية من منطقة “حاسي بيضا” الصحراوية مقابل انسحاب أفراد جيش التحرير الوطني الجزائري من مدينة (فيقيق ) الكائنة بشمال المغرب والأهلة بالسكان، ذلك الاختراق الجزائري هو الذي غيّر الموقف العسكري وجعل المغرب يخضع، و في النهاية ينسحب من الأراضي الجزائرية، و من المتناقضات أن القتال كان يدور بين القوات المغربية والجزائرية والتمثيل الدبلوماسي قائم بيت البلدين. و أذكر لمّا دخلت القوات الجزائرية الأراضي المغربية من الناحية الشمالية حضر السفير المغربي إلى قصر الشعب لحضور حفل أقيم بمناسبة الذكرى التاسعة لقيام الثورة وذلك في الفاتح من نوفمبر 1963 وقد تقدم السفير من الرئيس “أحمد بن بلّة” واحتج على دخول القوات الجزائرية إلى شمال المغرب بينما كانت الحرب بين البلدين تدور في الصحراء التي هي محل النزاع، فأجابه “بن بلة”:" وهل دخول قواتكم المعتدية الأراضي الجزائرية ليس اعتداءاً على السيادة الجزائرية؟ ، ومادامت المغرب هي البادئة بالاعتداء فإننا سندافع عن بلادنا بالطريقة التي نريدها ولا فرق عندنا بين الشمال والجنوب"، ويبدو أن المغرب كان قد نسقّ مع تونس آنذاك أن تتحرك من الشرق و”آيت أحمد” النائب على ولاية “تيزي وزو” آنذاك الذي بدوره أقنع العقيد “محمد ولد الحاج” قائد الولاية الثالثة التاريخية بإعلان الانفصال والتمرد على السلطة المركزية وهذا من شاْنه التأثير على الحكومة الجزائرية وتشتيت قواتها بل بجعلها تستسلم للأمر الواقع لأنها مهددّة من جميع الجهات أو بعبارة أدق أصبحت الحكومة الجزائرية أو الجزائر شعبًا ودولة تواجه ثلاث جبهات، ولكن انفصال قائد الولاية الثالثة عن “حسين آيت أحمد” وانسحابه من التمرد المسلح جعل الروح المعنوية ترتفع وتخفض الضغط عن النظام أو السلطة الجزائرية التي كانت شبه محاصرة ،فوجه العقيد “محمد ولد الحاج” ضربة مؤلمة إلى "حسين آيت أحمد" الذي كان يتأهب لمحاصرة العاصمة مستعيناً ببعض المؤيدين له في الولاية الرابعة التاريخية بالإضافة إلى أنصاره في العاصمة من مجموعة ما كان يعرف بالمنطقة المستقلة .
إنني أتذكر ذلك الموقف المؤثر صبيحة أحد الأيام لما رأيت العقيد “محمد ولد الحاج” مع بعض مساعديه بلباسهم العسكري يأتون إلى (فيلا جولي ) لمقابلة “بن بلة” لإعلامه بأنهم سيتوجهون إلى الصحراء للدفاع عن الوطن ، وبدوره أسرع الرئيس “بن بلة” إلى توجيه البشرى للشعب الجزائري من خلال الإذاعة و التلفزيون ...
نعم لقد جاء الجواب في أواخر أكتوبر 1963 مفاجئًا، حيث أنه لم يكن أي أحد من الجزائريين يتوقع اعتداء المغرب على الجزائر براً، و حتى غير الجزائريين عربًا و مُسلمين وأجانب، أخذتهم الدهشة من ذلك الاعتداء الغاشم على الشعب الجزائري الذي كان جرحاه ما يزالون في المستشفيات، و أن قواته العسكرية البسيطة لم تكن تملك أسلحة ثقيلة و طائرات، بل أن مطارات الجنوب كانت لا تزال تحت السيطرة الفرنسية مثل مطار بشار وغيره من المطارات القريبة من ساحة المعركة، حيث باغتت القوات المغربية في منطقة “حاسي بيضا” على حين غفلة حوالي 500 جندي و حاصرتهم من جميع الجهات و استعملت ضدهم الطيران والمدفعية كما منعت وصول النجدة، وبما أنهُ كانت لديها السيادة الجوية، فلقد كانت تقصف حتى صهاريج الماء و غيرها للحيلولة دون وصول أية مساعدة كيفما كان نوعها، لكن مع ذلك صمد جنود جيش التحرير الوطني البواسل رغم محاصرتهم، ورغم التفوق الذي كانت تتمتع به القوات المغربية المعادية أسبوعًا كاملاً.
في هذا السياق أذكر موقف مصر و رئيسها “جمال عبد الناصر” الذي ألقى خطاباً هامًا نددَّ فيه بعدوان المغرب على الجزائر، و مما قاله: "نحن لن نرضى أبدًا أن يتعرض الشعب الجزائري من جديد إلى أي اعتداء"، و بالفعل لقد وصلت قطع بحرية مصرية إلى الموانئ الجزائرية، كما جاء للجزائر إضافة إلى ذلك مجموعة من الضباط برئاسة رئيس أركان الجيش المصري الفريق أول "علي عامر" وذلك لدراسة الموقف العسكري بصفة خاصة ومعاينة بعض المطارات القريبة من ساحة المعركة مثل مطارات “بسكرة”، و“الأغواط”، و“ورقلة”، و من الضباط المصريين الذين قدموا لمساعدة الجزائر كان الرائد الطيار "حسني مبارك" -رئيس جمهورية مصر العربية فيما بعد -الذي كان على متن مروحية جزائرية يقودها طيار جزائري و معهم أحد موظفي الرئاسة، وقد أخطاْ الطيار على ما يبدو في قراءة الخريطة مما جعله ينزل في الأراضي المغربية فألقى عليهم القبض و اعتُبروا أسرى حرب فتعرضوا لتعذيب مرير و لم يطلق سراحهم إلا بعد أشهر من توقف القتال و انسحاب القوات المغربية من منطقة “حاسي بيضا” الصحراوية مقابل انسحاب أفراد جيش التحرير الوطني الجزائري من مدينة (فيقيق ) الكائنة بشمال المغرب والأهلة بالسكان، ذلك الاختراق الجزائري هو الذي غيّر الموقف العسكري وجعل المغرب يخضع، و في النهاية ينسحب من الأراضي الجزائرية، و من المتناقضات أن القتال كان يدور بين القوات المغربية والجزائرية والتمثيل الدبلوماسي قائم بيت البلدين. و أذكر لمّا دخلت القوات الجزائرية الأراضي المغربية من الناحية الشمالية حضر السفير المغربي إلى قصر الشعب لحضور حفل أقيم بمناسبة الذكرى التاسعة لقيام الثورة وذلك في الفاتح من نوفمبر 1963 وقد تقدم السفير من الرئيس “أحمد بن بلّة” واحتج على دخول القوات الجزائرية إلى شمال المغرب بينما كانت الحرب بين البلدين تدور في الصحراء التي هي محل النزاع، فأجابه “بن بلة”:" وهل دخول قواتكم المعتدية الأراضي الجزائرية ليس اعتداءاً على السيادة الجزائرية؟ ، ومادامت المغرب هي البادئة بالاعتداء فإننا سندافع عن بلادنا بالطريقة التي نريدها ولا فرق عندنا بين الشمال والجنوب"، ويبدو أن المغرب كان قد نسقّ مع تونس آنذاك أن تتحرك من الشرق و”آيت أحمد” النائب على ولاية “تيزي وزو” آنذاك الذي بدوره أقنع العقيد “محمد ولد الحاج” قائد الولاية الثالثة التاريخية بإعلان الانفصال والتمرد على السلطة المركزية وهذا من شاْنه التأثير على الحكومة الجزائرية وتشتيت قواتها بل بجعلها تستسلم للأمر الواقع لأنها مهددّة من جميع الجهات أو بعبارة أدق أصبحت الحكومة الجزائرية أو الجزائر شعبًا ودولة تواجه ثلاث جبهات، ولكن انفصال قائد الولاية الثالثة عن “حسين آيت أحمد” وانسحابه من التمرد المسلح جعل الروح المعنوية ترتفع وتخفض الضغط عن النظام أو السلطة الجزائرية التي كانت شبه محاصرة ،فوجه العقيد “محمد ولد الحاج” ضربة مؤلمة إلى "حسين آيت أحمد" الذي كان يتأهب لمحاصرة العاصمة مستعيناً ببعض المؤيدين له في الولاية الرابعة التاريخية بالإضافة إلى أنصاره في العاصمة من مجموعة ما كان يعرف بالمنطقة المستقلة .
إنني أتذكر ذلك الموقف المؤثر صبيحة أحد الأيام لما رأيت العقيد “محمد ولد الحاج” مع بعض مساعديه بلباسهم العسكري يأتون إلى (فيلا جولي ) لمقابلة “بن بلة” لإعلامه بأنهم سيتوجهون إلى الصحراء للدفاع عن الوطن ، وبدوره أسرع الرئيس “بن بلة” إلى توجيه البشرى للشعب الجزائري من خلال الإذاعة و التلفزيون ...
وبالفعل توجهت القوات المتمردة إلى الصحراء للدفاع عن الوطن المعتدي عليه، واغتنم هذه الفرصة الرئيس “بن بلة” ليوجه خطاباً للجماهير من على شرفة قصر الحكومة قائلاً على الخصوص "لقد احتقرونا يا إخواني" فكانت هذه العبارة مؤثرة إلى درجة أن المتطوعين صاروا يتدفقون على العاصمة من جميع أنحاء الوطن مما جعل صعوبة كبيرة في استيعابهم من الثكنات و توفير وسائل النقل اللازمة لنقلهم إلى أراضي المعركة، لقد اكتظت العاصمة بالمتطوعين اللذين قوبلوا، بالترحاب وبرُوح نظاميّة رائعة من طرف أصحاب المطاعم والفنادق و المقاهي حيث وفرو لهم المسكن والطعام المجاني طيلة الأيام التي قضوها بالعاصمة .
تلك الأيام خِلت لا أعتقد أنها تتكرر مرة أخرى، و هكذا بقى “حسين آيت أحمد” مختبئ لا يستطيع الخروج ولا التحرك إلى أن ألقى عليه القبض و هو مختبئ تحت أحد الجسور ومعه صناديق من الخمور و مبالغ مالية، أما الذين كانوا معه فأبوا أن يوجهوا أسلحتهم إلى إخوانهم و فضلوا الذهاب إلى الجنوب الغربي الجزائري للمشاركة في صد العدوان المغربي الغاشم القائم على أرض الوطن، و بذلك التحمت كل القوات الجزائرية و توجهت صوب جهة واحدة ،وبذلك فشلت خطة المعتدين و تحطمت مؤامرتهم على صخرة الوحدة الوطنية الجزائرية التي لم تنل منها مؤامرات المتآمرين، بل كما يقول المثل (رُب ضارة نافعة) ،حقيقة ذلك الاعتداء الذي لم يكن متوقعًا على الإطلاق كان فرصة سانحة لتسليح الجيش تسليحاً لائقاً و لسكوت الذين كانوا يريدون تسريح الجنود و تفكيك الجيش بحجة أن الجزائر ليس لها أعداء و أنها تعتبر طلَّقت الحرب طلاقاً بائنا بانتهاء حرب التحرير، إضافة إلى ذلك بدأت الجزائر شق الطرق في الصحراء و حفر آبار المياه، مستفيدة من التجربة المرة التي تجرعت مرارتها أثناء الحرب التي فرضها عليها النظام المغربي .
وأذكر أنني حينما عُدت من الصحراء بعد توقف القتال، وجدت كل المسئولين من وزراء و موظفين يرتدون الملابس العسكرية فتألمت لذلك المنظر الذي كنت أشاهده في مختلف الإدارات، وأذكر أنه ذات يوم كنت بمقر رئاسة الجمهورية مع جمع من الموظفين الذين كانوا جميعهم بملابس عسكرية فقال أحدهم : "لماذا نزعت البذلة العسكرية ؟"، فقلت له والخطاب موجه للجميع: " أنا لمّا كُنت في ساحة المعركة كنت أرتدي لباس الميدان و لما انتهت المعركة و رجعت إلى عاصمة الجزائر رأيت أنه لا يشرفني أن ألبس هذا اللباس الذي يلبسه اليوم في المكاتب الجبناء، والذين لا شرف لهم و لا قيمة، فلو كانوا حقيقة شُجعانا للبسوا هذا الثياب يوم لبسه الرجال الأسود الموفون بالعهود، أماّ الذين فضلوا القعود فهم يحاولون محاكاة الرجال ولكنهم سيبقون إلى الأبد أشباه رجال" .
أعود إلى الحديث مرة أخرى عن الجيش الذي أرادوا تسليحه، فإنه لملم ما تبقى من آليات قديمة وأسلحة خفيفة، وانتعش بشحنة وصلت من مصر وأخرى من كوبا، و أخري كانت تتكون من دبابات ومصفحات و بطريات مضادة للطائرات ومدافع ميدان ومدافع رشاشة ثقيلة و مدافع هاون و مدافع مضادة للدروع و غيرها من التجهيزات و الذخائر، و مدافع البازوكا، والرشاشات و البنادق الخفيفة، وبما أن الجيش بعد التحرير ليس هو جيش التحرير في عهد الثورة لأن هذا الأخير كان يعتمد على خطة حرب العصابات التي لها مناهجها وأساليبها وطرقها، بينما الأول -أي الجيش الوطني الشعبي-فأساليبه ومناهجه وخططه تختلف اختلافاً جذرياً عن جيش مدرب و منظم، و نظرا لذلك أرسلت بعثة إلى مصر تتكون من عدد من ضباط جيش التحرير في دورة تدريبية ،عاد بعضهم قبل إتمامهم الفترة التدريبية نتيجة خلاف بين البعثة و"مصطفى بن عودة" الذي عُين ملحقاً عسكرياً بسفارة الجزائر بالقاهرة وذلك نتيجة حقده على الضباط المجاهدين الذين قاوموا و قاتلوا و جاهدوا داخل الجزائر طوال سنوات الثورة، بينما كان الملحق العسكري عائشًا سنوات الثورة ينتقل بين تونس و طرابلس والقاهرة .