كيف بدأ الخلق الكوني ؟
ان الافكار التي تعالج بداية الخلق تعد من الموضوعات المحببة ليس لدى كبار المفكرين والعلماء فحسب، وانما لدى الناس جميعا. ان العديد من النظريات قدوضعت في هذا الباب على أسس علمية وفلسفية. ولكن علم الكونيات اليوم .Big Bang يعتمد ومبني على مفهوم نظرية الانفجار الكبير او المدوي.
يعتبر العالم الفلكي البلجيكي ادورد لوميتر اول من وضع هذه النظرية عام 1927 ثم احتضنها فلكيون وفيزيائيون جاءوا بعده وعملوا على تطويرها وعلى رأسهم الفيزياوي الامريكي جون كامون. تنص نظرية الانفجار الكبير على ان الكون جاء الى الوجود بعد لحظة الانفجار الكبير. كانت كثافة الكون ودرجة حرارتة لانهائية في بداية الانفجار وفي الفترة الممتدة من الزمن صفر الى الزمن 1/100000 من الثانية الأولى من الانفجار كان الكون مكوناً من الفوتونات واللبتونات والكواركات ومضاداتها. وتعد الكواركات جسيمات أولية بانواع مختلفة ، كوارك أعلى وأسفل وغريب وجذاب وكل نوع من هذه الكواركات بالوان متميزة هي الاحمر والابيض والازرق ) 1،2 ( ولكن الكواركات في درجة الحرارة هذه لم يكن بوسعها تكوين الهادرونات )النيوترونات، البروتونات، الميونات، الكاؤونات.. الخ( وذلك لان درجة الحرارة المشرفية لتكوين الهادرونات اقل من مائة مليون درجة كلفن وهذا الامر يوحي لنا ان الهادرونات في درجات الحرارة العالية تتفكك الى مكوناتها من الكواركات بالضبط مثلما تتفكك النوى الذرية الى مكوناتها من البروتونات والنيترونات في بضعة الاف الملايين درجة كلفن وتتفكك الذرات الى مكوناتها من النوى والالكترونات في بضعة آلاف درجة كلفن. وقد ثبت أن القوى بين الكواركات غريبة جدًا فجميع القوى في الطبيعة تزداد ضعفا بابتعاد المسافة، إلا أن القوة بين الكواركات تفعل العكس وقد شبهت بقطعة من المطاط تحبس الكواركات فهي تزداد صلابة كلما مطت نتيجة ابتعاد الكواركات عن بعضها البعض ولكنها ترتخي عندما تكون اطرافها متقاربة) 3(. اذن فقد وجدت الكواركات الحرة في كل موضع من الكون في لحظاته الاولى، وعند تمدده وبرودته كان الكوارك انا ان يفنى مع كوارك مضاد او يجد له مكانا داخل بروتون او نيوترون ليستريح فيه.
وقد نجح نموذج الكواركات في وصف البروتونات والنيوترونات في كونها مكونة من ثلاث كواركات. وقد اعتاد الفيزياويون على تسمية القوى التي تضم ثلاثيات الكواركات في البروتونات او النيوترونات بعبودية الكوارك.
وبعد مرور 1/100000 جزء من الثانية الاولى من بداية الانفجار الكبير كانت درجة حرارة الكون تبلغ الترليونات وكانت اكثر الاجسام انتشارا ووفرة في تلك الفترة هي الالكترونات، والبوزيترونات وهي اجسام لها نفس كتلة الالكترون ولكن ذات شحنة موجبة والنيوترينو وهو جسم ليس له شحنة ويستطيع النفاذ من خلال أي سمك من المادة وله جسم ضديد يسمى ضديد النيوترينو، وكان
الكون علاوة على هذه الجسيمات مليئ بالضوء الذي هو عبارة عن جسيمات صغيرة تسمى الفوتونات ليس لها كتله او شحنة وكل فوتون يمثل كمية من الطاقة تعتمد على طول موجة هذا الضوء. ان متوسط طاقة الفوتونات في تلك الفترة كان مساويا لمتوسط طاقة الالكترونات والنيوترينوات وجسيماتها الضديدة وهذا يعني ان طاقة الفوتون كانت كافية لتكوين احدى هذه الجسيمات في حين ان فناء احدى هذه الجسيمات يعطي فوتون له نفس متوسط الطاقة.
أي ان الفوتونات كانت تتكون وتفنى بشكل مستمر نتيجة لتكوين وفناء الجسيمات الاخرى ولكن يظل متوسط عدد الجسيمات ثابتا نتيجة للاتزان الحراري بين عملية التكون والفناء، وبالاضافة الى هذه الجسيمات كان الكون يحتوي اعدادا قليلة نسبيا من البروتونات والنيوترونات. أي ان الكون في تلك الحقبة كان مزيجا كثيفا من الطاقة والمادة وكانت اجزاء الذرة تخلق وتفنى كتله ( E=mc باستمرار، وكان خلق المادة يجري وفقا لقانون انشتاين الشهير وحسب هذه المعادلة فان )E= مقدار الطاقة ،c= سرعة الضوء ،m= المادة تساوي حاصل ضرب هذه الكتلة في مربع سرعة الضوء، m طاقة جسيم كتلتة اما فناء ،m وان هذا المقدار من الطاقة ان كثف فانه ينتج مادة بكتلة مقدارها ثابت ،f 34-10 = التردد × 63 ر 6 ( .E=hf المادة فكان يجري وفق المعادلة )E= مقدار الطاقة ،h= بلانك وتتناسب طاقة الفوتون طرديا مع التردد.
إن الشرط الاول لتخليق المادة هو التكافؤ الحراري الذي يتغير حسب تغير كتلة 13 درجة كلفن 10× الجسيم، فالحرارة المشرفية مثلا للبروتون هي 8880 ر 1 ولغرض حساب الحرارة المشرفية للجسيمات فان علينا قسمة مقدار الطاقة 5- 10 × على ثابت بولتزمان ) 617 ر 8 )mc للجسيم في الوضع الساكن ) 2 الكترون فولت( وحينما نطبق هذه المعادلة على الجسيمات الاخرى نجد ان
درجة الحرارة المشرفية للنيوترون هي 903 ر 10 مليون درجة كلفن وللالكترون 93 ر 5 مليار درجة كلفن.
أما الشرط الثاني لتخليق المادة ان تكون هنالك طاقة كافية. ولخلق بروتون )طاقته السكونية 26 ر 938 مليون الكترون فولت( فاننا نحتاج الى فوتونين يحملان هذه الطاقة ذلك لان خلق المادة هو خلق مزدوج أي ان خلق أي جسيم يصاحبة خلق جسيم ضديد، وحينما نضرب ثابت بولتزمان في درجة الحرارة فاذا كانت . characterstic energy نحصل على الطاقة النوعية للفوتون هذه الطاقة تزيد على مقدار طاقة ذلك الجسيم فان ذلك يعني ان الشروط ملائمة لخلقه. أي أن المادة كانت تخلق على شكل أزواج الجسيم وضديدة، وان التقى الجسيم مع ضديده فان ذلك يؤدي الى افناء زوجي. ولما كانت كثافة الكون آنذاك عالية جدًا فان الجسيمات لم تكن لتملك حرية الحركة فكان هنالك خلق مستمر وفناء مستمر للمادة.
وعندما هبطت درجة الحرارة الى 10 ترليون درجة كلفن انتهت مرحلة خلق البروتونات والنيونترونات بينما استمرت المصادمات بين النيوترون وضديده والبروتون وضديده محوله اياهم الى اشعة كاما.
وبعد مرور 1/100 جزء من الثانية الاولى من الانفجار الكبير هبطت درجة الحرارة الى 100 مليار كلفن حيث لم تعد هذه الحرارة كافية لتكوين الجسيمات الثقيلة من البروتونات والنيوترونات لذا بدأت اعدادها بالتناقص بسرعة كبيرة ومقابل ذلك استمر خلق الالكترونات والبوزيترونات التي كانت تنتشر بسرعةوكان احدهما يفني الاخر ولكن كان عدد ما يفنى مساويا لعدد ما يخلق. كانت كثافة الكون انذاك عالية حتى ان النيوترينوات التي تستطيع ان تمرق من أي سمك للمادة فهي مثلا تمرق في كرتنا الارضية من اليمين الى الشمال في جزء من عشرين جزء من الثانية ولكن حتى هذه الجسيمات لم يكن بوسعها الانفلات فهي في تصادم مستمر فان اصطدام نيوترينو مع نيوترون ينتج عن ذلك بروتون والكترون وان اصطدام ضديد النيوترينو مع بروتون ينتج عن ذلك نيوترون ويوزيترون.
وبعد مرور 11 ر. من الثانية على بداية الانفجار الكبير اصبحت درجة حرارة الكون ثلاثين الف مليون كلفن ولكن لم يحدث أي تغير نوعي في حالة الكون فالجسيمات الاولية كالالكترونات والبوزيترونات وضديداتها والفوتونات مازالت في حالة توازن حراري وبدرجة حرارة فوق درجتها المشرفية، وانخفضت الكثافة لتصل الى حوالي 30 مليون مرة بقدر كثافة الماء الاعتيادي. وبعد مرور 09 ر 1 ثانية انخفضت الحرارة الى عشرة ألاف مليون درجة كلفن وأصبحت كثافة الكون تكافىء 000 ر 380 مرة كثافة الماء وقد ادى ذلك الى
زيادة حرية النيوترينوات وضديداتها وصارت تتصرف كجسيمات حرة ولم تعد في حالة توازن حراري مع بقية الجسيمات الاولية، وبعد ان مرت 82 ر 13 ثانية اصبحت حرارة الكون ثلاثة ألاف درجة كلفن وكانت درجة الحرارة هذه تزود الكون بطاقة كافية لكي تبدأ مكوناته الأساسية وهي الالكترونات والبوزيترونات بان يفني بعضها البعض بطريقة أسرع من أن يعاد خلقها من الفوتونات.
خلق النوى الذرية:
He الآن صارت برودة الكون مناسبة لتكوين النوى المستقرة مثل الهليوم لكنها لا تتكون بشكل مباشر بسبب استمرار الكون في تمدده السريع وانما يحدث اولا تفاعل سريع بين البروتون والنيوترون لتكوين نواة الديتريوم ومن ثم تصادم نواة الديتريوم مع بروتون او نيوترون مكونة اما نظير الهيليوم الذي يتالف من بروتونين ونيوترون او نظير الهيدروجين الثقيل He الثلاثي الذي يتكون من بروتون ونيوترونين وعند اصطدام الهليوم الثلاثي مع H3 نيوترون ونظير الهيدروجين الثقيل مع بروتون تتكون نواة الهليوم الاعتيادي
وبعد ان مرت ثلاث دقائق وثانيتان من بداية الانفجار اصبحت درجة ،He4 حرارة الكون الف مليون درجة كلفن )اسخن من مركز الشمس سبعين مرة واختفت معظم الالكترونات والبوزيترونات وضديداتها وقد ساعدت هذه الدرجة الحرارية على تماسك اجزاء نوى الهيدروجين الثقيل والهليوم الثلاثي بالاضافة الى الهيليوم الاعتيادي ولكن مازالت نوى الديتريوم لا تتماسك لفترة زمنية كافية لتكوين عدد من النوى الثقيلة. وبعد اربع وثلاثون دقيقة وأربعون ثانية انخفضت درجة الحرارة الى ثلاثمائة مليون درجة كلفن وفي هذه الفترة افنت الالكترونات والبوزيترونات بعضها سوى عدد قليل من الالكترونات بقي ليعادل شحنة البروتونات الموجبة وتوقفت جميع العمليات النووية ولم يبقى في جميع أنحاء الكون سوى نوى الهيليوم والبروتونات الحرة (نوى الهيدروجين) وإلكترون واحد حر او مقيد لكل بروتون، ولكن ما زالت درجة الحرارة أعلى مما ينبغي لكي تتكون الذرات المستقرة.
خلق الذرات :
وبعد تكون نوى الهليوم والهيدروجين فان الكون كان يتمدد وتنخفض حرارته ولم يحن تكوين الذرات حتى تهبط درجة الحرارة إلى خمسة ألاف درجة كلفن، ولم يحدث ذلك الا بعد مرور سبعمائة ألف سنة، إذا بعد مرور هذه الفترة تغيرت العلاقة القديمة بين المادة والإشعاع. اذا ان المصادمات السابقة بين المادة والاشعاع كانت تحول دون اتحاد الالكترونات مع نوى الذرات ولكن ما ان هبطت الحرارة الى خمسة الاف درجة كلفن وانخفضت الكثافة حتى بدأ دور القوة الكهرومغناطيسية بالظهور كقوة فاعلة أي بدت نوى الذرات ذوات الشحنة الموجبة باصطياد الالكترونات ذوات الشحنة السالبة. أي ان الخطة الموضوعة للكون قبل سبعمائة الف سنة وبعد فعاليات مدهشة طيلة هذه السنوات قد اقترب تحقيقها بتكامل عجيب فقد كان كل شيء يرتبط بكل شيء، بعلاقة مثالية لم تخضع لمبدا الخطا والتصحيح وبعد تكون الذرات اصبح المجال مفتوحا امام الفوتونات للحركة الحرة والانتشار في الكون دون الاصطدام بالالكترونات.