عندما نعتذر، فإننا نتحمل مسئولية تصرفاتنا، ونسعي إلي إصلاح الأمور مع الشخص الذي أسأنا إليه، فالاعتذار الصادق يفتح الباب لإمكانية الصفح والمصالحة، ومن ثم يمكننا الاستمرار في بناء العلاقة، ولكن في غياب الاعتذار ينشأ حاجز بين الأفراد وتفتر العلاقة؛ حيث تتسم العلاقات السوية دائماً بمقدرة الطرفين علي الاعتذار والصفح والمصالحة. كما أن الاعتذار الصادق يطمئن ضمير المخطيء؛ فتخيل أن ضميرك حاوية بسعة خمسة جالونات مربوطة علي ظهرك، وعندما تخطئ بحق شخص ما، فكأنما تصب جالوناً من السائل داخل ضميرك، وبعد ثلاثة أو أربعة أخطاء سيمتليء ضميرك، وتصبح ثقيل الحركة، فالضمير الممتليء يترك للإنسان شعووراً بالذنب والخزي، والسبيل الوحيد لتفريغ ضميرك بشكل فعال هو أن تتوب، وتعتذر إلي الشخص الذي أسأت إليه؛ وعندما يحدث ذلك، يمكنك عندئذٍ، النظر إلي نفسك في المرآة، وإلي الشخص الآخر في عينيه؛ ليس لأنك مثالي، ولكن لأنك علي استعداد لتحمل مسئولية فشلك. ولعلنا تعلمنا أو لم نتعلم فن الاعتذار عندما كنا أطفالاً، فالأسر السوية يعلًم فيها الآباء أبنائهم الاعتذار، ولكن هناك العديد من الأطفال الذين نشأوا في أسر مفككة، حيث الأذى والغضب والقسوة تشكل مفردات الحياة التي يعيشونها، ولا يعتذر أحد فيها أبداً. ما يبدو عليه الحب الحقيقي العنصر الإيجابي في الأمر هو أن بإمكاننا تعلم فن الاعتذار، فما اكتشفناه في أبحاثنا هو أن للاعتذار خمسة جوانب أساسية، نسميها نحن لغات الاعتذار الخمس؛ ولكل منها أهميته، ولكن بالنسبة إلي فرد معين، فقد يستخدم لغة أو اثنتين للتواصل بشكل أفضل من باقي اللغات. ويتمثل السبيل إلي العلاقات الجيدة في تعلم لغة الاعتذار الخاصة بالشخص الآخر، وأن تكون مستعداً لاستخدامها. فعندما تتحدث لغته الأساسية فستسهل عليه الصفح عنك من صميم قلبه، أما إذا أخفقت في التحدث بلغته، فستزيد من صعوبة ذلك؛ لأنه لن يكون متأكداً من صدق اعتذارك. ومن شأن فهم لغات الاعتذار الخمس وتطبيقها أن يعززا جميع علاقاتك بشكل كبير. لذا سنشرح تلك اللغات الخمس خلال الفصول الخمسة التالية، كما سنوضح لك خلال الفصل السابع كيف تكتشف لغة الاعتذار الأساسية الخاصة بك وبالآخرين، وكيف يمكن لهذا أن يجعل مساعيك إلي الاعتذار أكثر جدوى. فالحب يعني أن تعتذر مراراً وتكراراً، وما يميز الحب الحقيقي هو تقديم الاعتذار من قبل المسئ، وقبوله بالصفح والمسامحة من قبل المساء إليه؛ وهذا هو الطريق للعلاقات القوية الودودة، وتلك العلاقات جميعها تبدأ بتعلم معرفة اللغة الصحيحة للاعتذار إلي الشخص الذي أسأت إليه. التعبير عن الندم بعضنا تعرض للعنف في صغره، وبعضنا رأى أطفاله يقعون ضحايا لهذا العنف؛ وهؤلاء وأولئك يعلمون تمام العلم أن الندوب تصل إلي الأعماق، وأنها تستمر طويلاً، ولكننا رأينا بعض طلاب المدرسة الابتدائية في لويزيانا يتعلمون درساً مهماً، وذلك حينما اعترفت كيانا ماثيس، البالغة من العمر سبعة أعوام فقط، في مؤتمر لمحاربة التنمر أقيم مؤخراً في إحدى المدارس بمدينة لافاييت، بأنها كانت تتنمر أحياناً علي بعض زميلاتها في الفصل، وبررت سلوكها هذا بشعورها بالحزن مع الآخرين، ومن خلال تشجيع متخصص التنمية البشرية آشر ليونز، نادت كيانا اثنتين من زميلاتها، واعتذرت لهما، وطلبت منهما الصفح، وسألتهما ما الذي يمكنها أن تفعله لتصحيح الأمور فيما بينهن، فتصافحت الفتيات بالأيدي، واتفقن علي أن يصبحن أصدقاء.بعد البرنامج قالت كيانا: "أشعر بتحسن كبير، فلم أعد أشعر بالغضب بعد الآن"، أما بالنسبة إلي أصدقائها، فقد قالت نيفاونا ألفرد، ذات السنوات الثماني، إنها ممتنة لمساعدة كيانا، وقالت إنها عندما كانت تتعرض للتنمر كنت تقول لنفسها: "أشعر بأنني أريد أن أغضب أيضاً"، وأضافت: "لا أريد إلا أن نكون أصدقاء"1. منذ سنوات كنتُ (أنا، جاري) أشاهد أوليفر نورث، ضابط الجيش والمؤلف الشهير، وهو يحاور جين فوندا في برنامج حواري يناقش "أعمال الخيانة" التي زعم نورث أن جين فوندا اقترفتها في أثناء حرب فيتنام. فقال مذيع البرنامج ألان كولمس: "ولكنها اعتذرت"، فرد عليه نورث قائلاً: "كلا، لم تعتذر". فعقب كولمس: "لقد قالت إنها تشعر بالأسف". ولكن نورث أو ضح قائلاً: "لم يكن هذا اعتذاراً"، ثم أردف: "لم تقل هل ستغفرون لي؟ فعبارة "أشعر بالأسف" لا تعد اعتذاراً". فضلا عن اختلافاتهما السياسية، يبدو من الواضح أن أوليفر نورث وألان كولمس لا يتفقان علي ما يعنيه الاعتذار أيضاً، فلربما يتعلمان درساً من كيانا ونيفاونا. أين البداية؟ في عام2013 اعترف لانس أرمسترونج خلال مقابلة تليفزيونية مع أوبرا وينفري بتعاطيه المنشطات، وكذبه بشأن ذلك، ومحاولته التأثير علي شهود أبرياء، حتي يتمكن من التغطية علي دعواه، والزمن وحده كفيل بأن يكشف لنا عما إذا كان اعترافه كافياً لغسل سمعته أم لا. هل عبارة "أنا آسف" كافية؟ ربما ليس دائماً، كما سنرى لاحقاً، ولكنها تشكل قاعدة لغتنا الأولي للاعتذار: الإعراب عن الأسف هو تعبير عن شعورك بالذنب والخزي والألم نتيجة تصرفك تجاه الشخص الذي تعرض للإساءة، الذي آلمته بهذا الشكل العميق. ومن المثير أنه عندما ألف روبرت فولجهم كتابه ،أشار فيه إلي أن أحد الأشياء التي تعلمها، هو: "قل أنا آسف عندما تؤذي مشاعر أحد"2. فالتعبير عن الندم شيء جوهري في العلاقات الجيدة. يولد الاعتذار من رحم الأسف، فنحن نأسف للآلام التي تسببنا فيها للآخرين، نتيجة خيبة أملهم فينا، أو إزعاجهم، أو خيانة ثقتهم، ويركز الأسف إما علي ما فعلت، وإما علي ما أخفقت في فعله، ووقْع ذلك علي الشخص الآخر؛ حيث إن هذا الشخص يشعر بمشاعر مؤلمة، ويود لو تشعر ببعض من آلامه، ويريد دليلاً علي إدراكك كيف أنك آلمته بهذا الشكل الكبير. وبالنسبة إلي بعض الناس، هذا هو الشيء الوحيد الذي يستمعون إليه في الاعتذار، فدون التعبير عن الندم لا يشعرون بأن هذا الاعتذرا كافٍ أو صادق.