اكتشاف عدم اليقين (مبدأ اللادقة) - Uncertainty Principle
تم اكشتاف مبدأ عدم اليقين أو اللا دقة أو مدبأ الريبة عام: 1927م
ما هو مبدأ عدم اليقين؟
- من المستحيل معرفة مكان وحركة جسيم أولى (كالإلكترون مثلاً) في آن واحد.
من هو مكتشف مبدأ عدم اليقين؟
- فيرنر هايزنبرغ Werner Heisenberg
أهمية اكتشاف مبدأ عدم اليقين؟
اكتسب فيرنر هایزنبرغ شهرة عالمية لاكتشافه مبدأ اللادقة، الذي يفيد باستحالة تحديد كل من مكان وزخم (حركة جسيم أولي في الوقت ذاته طالما أن الجهد المبذول أحدهما سيغير من الثاني بطرق لا يمكن التنبؤ بها.
كانت هذه النظرية المحورية بمثابة نقطة انعطاف كبرى في حقل العلم، فللمرة الأولى لم يعد ممكنا قياس ومراقبة العالم بدقة وكمال. بنقطة معينة، أظهر هایزنبرغ أنه كان على العلماء أن يخطوا للوراء ويأخذوا بالمعادلات الرياضية التي تصف العالم عن ثقة.
أوهن مبدأ اللادقة لهايزنبرع كذلك من مكانة تمتعت بها نظرية «السبب والنتيجة»ª على مر أكثر من 2500 سنة، بوصفها اللبنة الأكثر أساسية والتي لا نقاش عليها في منظومة البحث العلمي. فعلى مستوى جسيم أولي، كان لكل سبب إحتمال ثابت واحد فقط لإستحداث تأثير ما متوقع.
كيف جاء اكتشاف مبدأ عدم اليقين؟
فاتحا صندوق البريد بمنزله الكائن بميلغولاند- ألمانيا في ذلك اليوم الخريفي من عام 1926م، وجد فيرنر هایزنبرغ Werner Heisenberg رسالة من الفيزيائي الشهير ماكس بلانك. تلألأت أحرف الرسالة في عيني هايزنبرغ وهي تصف مديح كاتبها وإعجابه بتقرير الأخير الذي قدّم فيه مفهوم «ميكانيكا المصفوفات matrix mechanics». لقد كانت تلك خامس رسالة مباركة يتلقاها من فيزيائي مشهور خلال ذلك الأسبوع.
كانت كل رسالة من جانبها تهتف بميكانيكا المصفوفات هايزنبرغ وتتحدث عن «واسع إمكانياتها». فقد دعاها أصحاب الرسائل ب «الجديدة والمثيرة» وكذلك ب«العظيمة القيمة». .
لكن هذه الرسائل كلها لم تشف من الشعور العميق بالقلق والإضطراب الذي اضطرم في نفس هایزنبرغ. فهناك، مدفوناً تحت ركام معادلاته المصفوفية، عُثر هایزنبرغ علی ما اعتقد أنه بمثابة حد قاسِ للعلم. توجس عميق هد أسس المعتقدات العلمية لهايزنبرغ، إذ لو ثبتت صحة هذه الفكرة القائمة، لكانت تلك المرة الأولى التي يقال للعلم فيها: «من الإستحالة أن تكون دقيقاً»، أو أنه قد وصل جدارة يستحيل عليه إرتقاؤه.
كان الجدال الأكبر في الفيزياء آنذاك دائراًًً حول شكل الذرة. هل كانت عبارة عن كرة من البروتونات محاطة بأغلفة من جسيمات الإلكترون، كما نادى بذلك نیلز بور، أم هل كانت الإلكترونات حقاً موجات من الطاقة تسري حول النواة المركزية، كما افترض آخرون؟ ارتأی هایزنبرغ أن يغض الطرف عن هذه التضاربات النظرية وأن يبدأ بما كان معروفاً عندما تهيج الإلكترونات(مهما كانت)، فإنها تحرر كموماً من الطاقة بترددات خاصة مميزة.
قرر هايزنبرغ أن يُقيم معادلات لوصف وتوقع الحاصل النهائي، أي الخطوط الطيفية لهذه الطاقة المشعة.
لجأ هايزنبرغ إلى تحليل المصفوفات matrix analysis لمساعدته على اشتقاق معادلاته بمصطلحات كالتردد والموقع والزخم، إلى جانب طرق دقيقة للتحكم بها رياضياً. فجاءت معادلاته بنتائج جيدة، ولكنها بدت غريبة وصعبة التطبيق.
مشككا بقيمتهاًً، أرسل هایزنبرغ بنسخة عن التقرير النهائي (قبل أن يقدم على حرقه تقریباً) إلى شخص طالما درس معه ووثق فيه، وولفغانغ باولي Wolfgang Pauli.
أدرك باولي في الحال قيمة عمل صاحبه هایزنبرغ وأعلم الفيزيائيين الآخرين بأمره.
عاد اكتشاف هايزنبرغ - ميكانيكا المصفوفات- بشهرة فورية على صاحبه. ولكن کان هایزنبرغ قد ضاق ذرعاً بما حدث عند إكماله لحساباته المصفوفية، التي أظهرت إمكان تأثير قيمة موقع جسيم ما على القيمة المستعملة لزخمه (حركته)، والعكس بالعكس.
بينما لم يكن التعامل مع عدم الدقة جديداًً من نوعه، ولكن كان جديداً عليه أنه كلما عرف مصطلحاً بشكل أفضل، كلما قلل ذلك من دقة معرفته بالآخر. فبتحديده للموقع بشكل أحسن، قل تحديده للزخم، وكلما زادت دقته في تحديده للزخم، قلت معرفته بالموقع.
اكتشف هايزنبرغ مبدأ اللادقة مصادفة، فكان الاكتشاف الكاسح الذي حطم التصور بعالم حتمي وكامل التقدير. على حين غرة، أحاطت حدود متينة مقدرة العلم على القياس والملاحظة. وللمرة الأولى، تواجدت مواقع لا يمكن للعلماء إرتيادها، وأحداث لا يمكنهم رؤيتها أبداً. أصبح «السبب والنتيجة» «سبباً وفرصة بالنتيجة»، فطعن التوجه الأمثل إلى دراسة الفيزياء في الصميم، وغير إلى الأبد. أما البحث فقد أصبح أكثر تعقيداً في وقت فتحت فيه أبواب ودروب جديدة للفهم والتقدم.
منذ ذلك الحين، ومبدأ اللادقة هايزنبرغ يعتبر أساساً موجهاً للبحث الجسيمي على إتساعهª.
الهوامش المرجعيّة:
ª نظرية السببية causality التي جاء بها أرسطو والتي تفيد بضرورة العلاقة بين حدث يدعى السبب) وآخر يترتب عليه مباشرة (يُدعى الأثر أو النتيجة). عمل عليها وطور فيها العالم ماکس بورن سنة 1949م.
ª في الحقيقة، عمم هایزنبرغ مبدأه المدهش على الطبيعة أيضاً، مما أضفى عليه وعلى ميكانيكا الكم بعد فلسفية مثالية، على خلاف الفلسفة الواقعية التي آمن بها معاصروه - وعلى رأسهم آینشتاین. ففي عالم هایزنبرغ، لم يعد (المراقب المجرب) حيادي الموقف موضوعياً، بل جزءاً من الواقع المراقب.
أو بالأحرى الواقع هو ما يراقب و يلاحظ دون كيان مستقل خارج الإدراك البشري. فلا حركة موضوعية للإلكترون حول النواة ولا قمر موجود إن لم ينظر إليه أحد، لكن دائماً مع إحتمال العكس أيضاً. في هذا التناقض تكمن فلسفة اللادقة، والتي كان آینشتاین ونظريته النسبية من أشد خصومها. معروف عن آینشتاین قوله: «الكبير (يقصد الله) لا يلعب النرد»، فحاول طوال حياته الإتيان بنظرية موحدة للنسبية والكم ولكن دون أن يوفق في مسعاه، لتظل النظريتان في تنافر دائم إلى يومنا.