لقد تغيرت علاقات العمل في العقد الماضي؛ حيث كانت القوي العاملة فيما مضي تقدم الولاء مقابل الحصول علي الأمان الوظيفي, أي أنك إذا التزمتَ في العمل، وبذلتَ قصاري جهدك، وتجنبتَ المشكلات، فستشعر دائماً بالأمان في وظيفتك. عندما تخرجت في في الجامعة أوائل الستينيات من القرن الماضي، حصل أحد أصدقائي علي وظيفة في شركة " إيه تي أند تي "، واتصل بالمنزل ليزف الخبر إلي أسرته؛ فصاحت والدته فرحاً:" ها قد ضمنت وظيفة للأبد".
هل تضمن الآن البقاء في وظيفتك للأبد في أية مؤسسة؟ لا! فقد أصبح ذلك من الماضي، فطوال السنوات القليلة الماضية، حاولت اكتشاف النمط السائد في عالم العمل؛ وطرحت علي كبار المديرين في العالم، سؤالاً هو:"إن لم يكن الولاء هو ما تريده من موظفي مؤسستك اليوم، إذن فماذا تريد منهم؟" وقد جاءت الإجابة واحدة تقريباً:"أريد موظفين يتسمون بالقدرة علي حل المشكلات، ويتحلون بحس المبادرة. كما أريد ممن يعملون لديُ أن يتصرفوا كأنهم أصحاب الشركة".
بعبارة أخري، إذا أتيح لكبار المديرين الاختيار، فإنهم سيفضلون تمكين الموظفين الذين يكنون كل التقدير لهم، ويثقون بقدرتهم علي اتخاذ قرارات مهنية صائبة، سواء أكانوا تحت أعين مديريهم أم لا.
لكن، هل يعترض الموظفون علي ذلك؟ لا! ففي الحقيقة، عندما سألت بعض الموظفين:" ماذا تريد من مؤسستك، إن لم يكن الأمان الوظيفي خياراً متاحاً؟"، فجاءت الإجابات واحدة تقريباً للمرة الثانية؛ حيث يرغب الموظفون اليوم في شيئين:" أولاً، الأمانة؛ حيث قالوا:" نريد ألا تكذب المؤسسة علينا، كان تخبرنا بأنها لن تقوم بتسريح العمالة، ثم تقوم بعد أشهر قليلة باتخاذ إجراءات من هذا القبيل".
ثانياً، يريد الموظفون أن تتاح لهم فرص تعلم مهارات جديدة باستمرار؛ حيث يقولون:"في مرحلة ما، إن كُنت سأبحثُ عن وظيفة جديدة – سواء داخل المؤسسة الحالية أو خارجها – أود أن أتعلم مهارات جديدة – سواء داخل المؤسسة الحالية أو خارجها – أود أن أتعلم مهارات جديدة وأن أكون أكثر كفاءة من ذي قبل". وهل هناك طريقة لتكون أكثر كفاء أفضل من أن تأخذ زمام المبادرة، وأن تتمكن من حل جميع المشكلات، وأن تتصرف وتفكر كأنك صاحب الشركة؟ أصبت! ها قد اتفقنا. إذن ما المشكلة؟ يزعم معظم الموظفين أن غالبية المديرين غير مستعدين للتنازل عن بعض صلاحياتهم، لأنهم يريدون التمتع بهذه الصلاحيات دائماً. فعلي الرغم من حديثهم بصدق عن رغبتهم في التمكين – أي تطوير قدرات موظفيهم وإشراكهم في اتخاذ القرار – فإنهم ما زالوا يرغبون في أن يظلوا محل المسئولية، ويفضلون المرءوسين المطيعين ممن يتبعون تعليماتهم. وتقضي حقيقة عالم العمل اليوم بأنه علي المديرين، إن أرادوا أن يصبحوا مؤثرين، أن يفكروا ويتصرفوا بطرق مختلفة؛ ففي الثمانينيات من القرن الماضي، كان نطاق سيطرة المدير لا يزيد علي خمسة موظفين. أما الآن، ولكي تصبح المؤسسة تنافسية، فعليها أن تراعي مصلحة العميل ، وأن تكون مُجدية، وسريعة، ومرنة، ودائمة التطور. وهو ما أدي إلي ظهور هياكل تنظيمية أكثر جدية وكفاءة في العمل؛ حيث يتسع فيها نطاق السيطرة بصورة ملحوظة. لذلك، لم يعد من الغريب اليوم أن تجد مديراً واحداً لحوالي خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين موظفاً. أضف إلي ذلك ظهور المؤسسات الافتراضية؛ حيث يتعين علي المديرين فيها أن يرأسوا موظفين لم يقابلوهم وجهاً لوجه.
لقد تطور التسلسل القليدي للقيادة، فأصبح مهتماً بتمكين الأفراد. لذلك، لم تعد المشكلة هي كيفية جعل المديرين "يتخلون" عن جزء من سلطاتهم؛ فلم يعد لديهم خيار آخر، بل المشكلة هي كيفية جعل الموظفين يتولون المسؤولية المكلفين بها.
يتعامل بعض الموظفين مع هذه التطورات في بيئة العمل بطريقة احترافية، لكنً الكثيرين لم يتفاعلوا معهم بهذه الطريقة وظلوا جامدين في أماكنهم، وأخذوا يتصرفون كضحايا، وكأن التمكين إهانة لهم، معتبرين مديرهم كأنه عدو عاجز يقف في طريقهم. فتسمعهم يشتكون قائلين:"لم يفعل مديري هذا وذالك!"، والحقيقة هي أن معظم المديرين اليوم لا يقومون بدورهم التقليدي في توجيه الموظفين وتحديد المهمات التي يجب عليهم القيام بها ومتي يؤدونها وكيف. فلم يعد المديرون يملكون الوقت للقيام بذلك، لدرجة أنه في كثير من الأحيان يعلم الموظفون عن العمل أكثر مما مديروهم.
إذن ما الحل؟ كيف يمكن أن نساعد هؤلاء الموظفين علي تغيير نظرتهم إلي أنفسهم كضحايا، ليصبحوا أشخاصاً قادرين علي حل المشكلات واتخاذ القرار، ومن ثم علي النمو والازدهار؟
هذه هي اللحظة التي تألق فيها كل من سوزان فاولر، ولوري هوكينز. عندما أسست مع زوجتي، مارجي, شركتنا في عام 1979 (لدينا الآن أكثر من 250 موظفاً من الولايات المتحده، إلي جانب عدد من المؤسسات الفرعية في أكثر من 30 دولة)، كان أول مستشارينا هولوري هوكينز. وقد عملنا معه في جامعة ماساتشوستس، في أمهيرست، في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، عندما كنت أعمل أستاذاً جامعياً بدوام كامل، وكانت مرجي في المراحل الأخيرة من الدكتوراه الفخرية. وعندما قررنا أن نصبح رواد أعمال، كان لوري جاهزاً، وراغباً، وقادراً علي المنافسة. وبمرور السنوات، أصبح واحداً من أفضل الأساتذة، والمدربين، والمستشارين في برنامجنا المتقدم .
ولإدراكنا أنه ليس هناك نمط قيادة يمكن اعتباره الأفضل؛ حيث يعتمد الأمر علي الظروف المحيطة؛ فقد علًمنا المديرين في جميع أنحاء العالم أن يكونوا قادة ظرفيين في تعاملهم المباشر مع مرءوسيهم، تماماً كما في قيادتهم لفرق العمل.
كانت سوزان فاولر مدربة بارعة بالفعل، عندما حضرت الندوة الخاصة التي كان يلقيها لوري هوكينز، كانت متحمسة للقيادة الظرفية، التي لا تنطبق علي التعاملات المباشرة والتعاملات مع الفريق فحسب، بل علي القيادة الذاتية أيضاً؛ كما شعرت بقدرة هذا البرنامج علي مساعدة الموظفين علي أخذ المبادرة حينما لا تكون بيدهم السلطة: أي عندما يرأسهم شخص آخر. وقد حمست سوزان,لوري للقيادة الذاتية، وبدوره قدمني لسوزان، والباقي معروف. وتحت قيادة سوزان، أصبحت القيادة الذاتية الظرفية واحدة من أدواتنا الأساسية الثلاث في القيادة، ووسيلة قيمة لمساعدة الموظفين علي إيجاد القوة في التمكين.
تحكي القصة الرمزية التي ستقرؤها الآن حكاية مدير تنفيذي صاعد يعمل في مجال الإعلانات يدعي ستيف، تصيبه مسئولياته المهنية الجديدة المكلف بها بالشلل، فيجلس في أحد المقاهي ليكتب خطاب استقالته، ولكنه يقابل كايلا، وهي تجسيد للقيادة"كايلا" تعليم ستيف حيل القيادة الذاتية الثلاث. استمتعْ بالقصة، وأتوقع أنك ستدعم ستيف خلال رحلته للقيادة الذاتية. والأهم هو أنك ستتعلم هذه الحيل الثلاث، التي ستساعدك وتساعد كل من يعملون معك، كما أنها ستمكنك من السيطرة علي حياتك في العمل، والمنزل، والمجتمع. لكنني أخشي كثيراً من أن تعتقد، وأنت تقرأ القصة شخص آخر؛ فهي طبعاً قصة ستيف، ولكن، أليست هي قصتك أيضاً؟