لنعد إلى صامويل مرة أخرى لحظة واحدة. عندما تحدث معي لأول مرة عن مساعي جمع تبرعات للمتحف، وخطط التوسع وراءها، نقل لي حماسه بوضوح وصراحة، وحركت مصداقيته مشاعري بشكل حقيقي. ولكن بعد بضعة أيام عندما رأيته في الواقع في إحدى مناسبات المتحف، كشفت ابتسامته الزائفة وضحكته العالية وجود شيء يجعله يشعر بإحساس عميق من عدم الارتياح. ونتيجة ذلك، لم يصل شغفه الحقيقي تجاه وظيفته، والتزامه تجاه المتحف إلى الأشخاص المعنيين “ المتبرعين المحتملين “ الذين كان يلزم وصول ذلك إليهم. طبيعتك الحقيقية هي أنت " ردود أفعالك الصادقة، وطاقتك الطبيعية. ومشاركة شخصيتك الحقيقية هي السر وراء بناء علاقات حقيقية مع الآخرين. عندما تظهر شخصيتك الحقيقية، فإن الآخرين سيتجاوبون معك بالطريقة نفسها، وهذا يمثل حجر الأساس من أجل تفاهم واتصال ونمو متبادل. كيف تفعلها؟ يكمن جمال قانون طبيعتك الحقيقية في بساطته: لا تحاول، كن على طبيعتك فحسب، وبالطبع فإن الكلام أسهل من القول فيما يتعلق بتبني هذ الحقيقة البسيطة. ففي حياتنا المتسارعة نميل إلى الاندفاع في المواقف دون أي تفكير؛ فلا ندرك حتى إذا ما كنا على طبيعتنا الحقيقية أم لا. لكن حتى عندما ندرك أننا لسنا على طبيعتنا الحقيقية - عندما نتظاهر بسلوك نعتقد أنه أفضل من الذي نشعر به حقا، أو لا نولي اهتماما حقيقيا للموقف لأننا نعتقد عدم وجود الوقت الكافي من أجل التمهل والتركيز الكامل في الموقف - قد يكون من الصعب التوقف عن هذه السلوكيات؛ ولكن يكمن السر في التوقف فحسب عن محاولة التظاهر بأنك الشخص الذي يجب أن نكونه، سواء كان هذا هو المدير شديد الانشغال بحيث لا يهتم بالأمور التافهة أم الموظف الجديد المطيع الذي لا يشعر براحة كبيرة في تقديم رأيه. توقف عن مراقبة أفعلك أو تأملها. لا تفكر ، كن على طبيعتك فحسب . في أثناء أوقات توقفي عن العمل النادرة، تكون متعتي العبثية هي مشاهدة برامج تلفاز الواقع، وتدور العديد منها حول الصراعات الأساسية بين الشخصيات المتنوعة، وتجذبني رؤية هذه المواقف الدرامية على الشاشة. عندما أفكر في سبب دعمي لمتسابقين معينين دون غيرهم ، فإن الإجابة تكون واحدة دائما: الشخصيات التي أنجذب إليها تتصرف على طبيعتها. في أحد البرامج، كانت هناك متسابقة تتحدث بسرعة هائلة، وهي صفة قد تكون مزعجة في بعض الأحيان. كانت هذه المتسابقة تدرك أن لديها هذه الصفة، وحاولت التحكم فيها، ولكن ينتهي بها الأمر دائما إلى أن تثرثر بسرعة وحماس في النهاية. ورغم شعور بعض المتسابقين الآخرين بالانزعاج من ثرثرتها، فإنه بسبب أن هذه الصفة جزء طبيعي منها، ولأنها قبلتها وأطلقت دعابات بشأنها، أصبحت هذا الصفة جزءاً من سحر شخصيتها الحقيقية. وفي أحد البرامج الأخرى، كانت هناك فتاة جميلة بدت في البداية متعالية، وموضع حسد واضح، وبأنها ستستقطب اهتمام المجموعة بالكامل. لكن اتضح أنها بلهاء تماما. وقد سمحت لحماقتها بالظهور بشكل طبيعي، ولم تعترض على هذا على الإطلاق. وفوق كل ذلك، لم تكن مدركة لجمالها، وهذا الخليط جعل منها شخصية محبوبة للغاية. وبعدما أخبرت ’صامويل بسلوكياته غير الصادقة في مناسبة المتحف، استمررت في إرشاده فيما يتعلق بكيفية تحديد نقاط ضعفه، واستغلال نقاط قوته عندما يواجه موقفا مماثلاً، وفي أثناء إجرائنا واحدا من أكثر التمارين المفيدة، فكرنا في كيف أن الأطفال لا ينتبهون إلى سلوكياتهم، وتبزغ شخصياتهم الحقيقية بشكل طبيعي. وحكيت له قصة عن إحدى صديقاتي التي كانت تعمل مديرة مدرسة ابتدائية، وكانت تتباهى بشعرها الذي تصبغه باللون الأحمر اللامع. وكانت تستطيع معرفة رأي الأطفال في تصفيفة شعرها لأنهم يقولون ما يفكرون فيه فحسب. فكان أحدهم يقول لها؛ 'يعجبني لون شعرك الجديد، إنه يشبه لون معطفي! ، أو: لماذا فعلت ذلك بشعرك؟ وكانت كلما حكت هذه القصص، كان يبدو عليها الإعجاب بصراحة الأطفال البريئة. بالتأكيد لم أقصد أنا و صامويل هذا الصدق الطفولي الذي سيجعله ينفجر من الضحك لرؤية بعض المظاهر الغريبة التي يبدو عليها بعض رعاة المتحف، وإنما كنا نحاول إعادة التواصل مع التجربة المتحررة لأن تكون طفلاً، قبل بدء الشخص الراشد داخلنا في تغيير ذاتنا بناء على ما يعتقد أن العالم الأكبر يريده. كنا نحاول التفكير في الوقت الذي يسبق مسئوليات ومخاوف سن الرشد، ذلك الوقت الذي لم تخضع فيه مشاعرنا ونياتنا وسلوكياتنا إلى رقابة صارمة. بمجرد أن تمكن "صامويل" من إعادة التواصل شعر بالراحة بشكل طبيعي، وأدرك أنه بالرغم من خوفه من التواجد وسط حشد كبير من الأشخاص، ومن الشعور بالحاجة إلى أن يكون محور الحفلة، كان يشعر بالراحة التامة في التحدث مع شخص واحد أو مع مجموعة صغيرة من الأشخاص، وفي ظل هذه الظروف استطاع أن يجري بسهولة محادثات هادفة متعلقة بالمتحف مع الرعاة الرعاةالمحتملين. عدفى العامون: اخمعار المصداقية