أشارت أغلب الدراسات المذكورة إلى فكرة الاهتمام بتفاصيل ما يدور حولنا. وهذا هو الأمر الذي نلاحظه نحن مفرطي الحساسية بوضوح، تلك التفاصيل الصغيرة التي نلاحظها عندما لا يكترث لها الآخرون. وبناء على هذا، ولأنني أطلقت على هذه السمة اسم الحساسية المفرطة، فالكثير يعتقد أن
هذا الوصف هو جوهر هذه السمة. (للقضاء على هذا الخلط والتركيز على دور المعالجة، نستخدم مصطلح الحساسية الخاصة بالمعالجة الحسية ، حيث إنه وصف ذو دلالة علمية) . وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه السمة لا تدور فقط حول الإدراك غير العادي؛ فعلى أية حال، هناك بعض الأشخاص من ذوي الحساسية المفرطة مصابون بضعف البصر والسمع. ولا ريب في أنه يوجد بعض الأشخاص من ذوي الحساسية المفرطة الذين يقولون إن لديهم حاسة أو أكثر تعمل بشكل ممتاز، ولكن بخصوص تلك الحالات أيضا من الممكن أنهم يتعاملون مع المعلومات الحسية بمزيد من العناية، ولا يتعلق الأمر بأن لديهم حاسة نظر أو شم أو لمس أو تذوق أو سمع خارقة للعادة. وأعود فأقول إن أجزاء المخ التي تنشط عندما نستكشف الأمور هي الأجزاء نفسها التي تقوم بمعالجة معقدة للمعلومات الحسية: ليست تلك الأجزاء التي تتعرف على الحروف الأبجدية عن طريق الشكل، أو تلك التي تتهجى الكلمات، ولكنها تلك الأجزاء التي تبحث عن المعنى الدقيق للكلمة. يعد استيعابنا تلك التفاصيل الدقيقة شيئا مفيدا بطرق شتى، من أبسط ملذات الحياة، وصولاً إلى وضع خطط للرد بناء على معرفتنا الواعية
بالإشارات غير اللفظية للآخرين (التي لا يعلم الآخرون شيئا عن استغلالنا إياها) التي تعبر عن حالتهم المزاجية، ومدى مصداقيتهم. ومن الناحية الأخرى، عندما نصاب بالإرهاق يقل بالطبع إدراكنا كل ما يدور حولنا، سواء كان دقيقا أم عظيما، ونشعر فقط بحاجتنا إلى الراحة. وهذا يقودنا إلى شيء مهم. كل فرد من ذوي الحساسية المفرطة مختلف عن الآخر، وهو يتصرف بطريقة مختلفة في الظروف المتباينة إن الصفات الأربع تعد مبدأ توجيهيا عاما لفهم سمة الحساسية المفرطة، ولكنها ليست جامعة مانعة. وطبقا للحالة الشعورية التي نمر بها، قد لا نلاحظ سلوكنا، أو نلاحظ التفاصيل الدقيقة حتى بالقدر نفسه الذي يقوم به الآخرون من حولنا. ونحن أيضا نختلف فيما بيننا؛ فالجميع لديهم سمات أخرى، وقد مروا بظروف مختلفة، وهم ببساطة يختلف كل منهم عن الآخر. وعندما نتطلع إلى تقديم أنفسنا كمجموعة، حتى كأقلية لا يفهم الآخرون طبيعتها، لا نريد أن ننسى أننا لسنا متطابقين بأية حال. وعلى وجه الخصوص، فنحن لسنا متفهمين، ومدركين، ورائعين طوال الوقت! عندما نتناول الصفة الثانية، وهي سرعة الإثارة، قد يتصرف شخصان من ذوي الحساسية المفرطة بطريقة مختلفة تماما، عندما يصابان بالضجر بسبب الضوضاء، أو السلوك الفظ، أو التصرف المزعج من الآخرين. فأحدهما قد لا يشتكي إلا قليلاً، أو يكتم غضبه حيال تلك الأمور؛ لأن هذا الشخص يتجنب تلك المواقف، أو ينهيها بكل هدوء. فعلى سبيل المثال، سيتجنب هذا الشخص البقاء في عمل ما عند حدوث الضوضاء، أو التصرف بوقاحة، أو أي تصرف يتسبب في إزعاجه. وإن لم يستطع هذا الشخص تجتب تلك المشكلة، فسيحاول التعايش معها إلى أن تنتهي تماما. وسيشعر بعض الأشخاص من ذوي الحساسية المفرطة، خاصة الذين عانوا في طفولتهم، بالمزيد من الضيق وبأنهم ضحايا، وفي الوقت نفسه لا يستطيعون الانتقال إلى الوضع المناسب لهم، وتجنب الوضع غير المناسب. وقد يشعرون بأن عليهم أن يرضوا الآخرين، أو أن يثبتوا أمرا ما، ففي مكان العمل، قد لا يغادرون العمل حتى تحدث أزمة تجعل جميع الموجودين في مكان العمل يعلمون أنهم من ذوي الحساسية "الشديدة". وفي  راسة أخرى أجرتها "بهافيني شريفاستافا" عن ذوي الحساسية المفرطة في إحدى الشركات الهندية التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، أظهرت هذه الدراسة أن ذوي الحساسية المفرطة يشعرون بالقلق أكثر من غيرهم حيال بيئة العمل الخاصة بهم، ولكنهم يعتبرون من قبل مديريهم أنهم أكثر إنتاجية من غيرهم في بيئة العمل. فلو فرضنا أن الأشخاص ذوي الحساسية المفرطة الذين عانوا الضغط قد تركوا العمل بالفعل، أو تم الاستغناء عنهم، فعلى ما يبدو أن بقية الأشخاص ذوي الحساسية المفرطة (الأكبر سنا الذين قضوا وقتا أطول في الوظيفة) كانوا يحاولون التأقلم بهدوء، بسبب وجود تقدير خاص لهم من قبل مديريهم، ثم يقومون باستخدام صفتي معالجة الأمور بعمق، والتركيز في التفاصيل لمصلحة شركتهم؛ لذا يتبين لنا أن هناك نوعين (أو أكثر) من الأشخاص ذوي الحساسية المفرطة؛ من يمكنهم السيطرة، ومن لا يمكنهم السيطرة، بسبب بعض السمات الشخصية المتعلقة بهم. وفي أمثلة أخرى، فهناك نوعان (أو أكثر) من المواقف؛ بعضها أقل إرهاقا، فإن بعض الأشخاص من ذوي الحساسية المفرطة يتصرفون في تلك المواقف تماما كالأشخاص الأقوياء الذين يجدون حلولاً للتأقلم لا يلاحظها الآخرون؛ أو تلك المواقف الأكثر إرهاقا، فلا يستطيعون التأقلم، ويبدون أشخاصا ضعفاء. نظرة ختامية إن دراستي لسمة الحساسية المفرطة كانت رحلة ممتعة بالنسبة إلي. وكان الأمر في البداية مجرد فضول عن أمر قاله أحد الأشخاص عني، فقمت بإجراء بعض المقابلات مع بعض الأشخاص الذين يعتقدون أنهم... نهاية عينة الكتاب ... لقراءة الكتاب كاملا، الرجاء إضافة الكتاب إلى حسابك عن طريق تحميله أو شرائه.