لو قمت بجمع كل التفاصيل الصغيرة المتعلقة بموقف ما، ولو كان هذا الموقف معقدا (الكثير من التفاصيل التي يصعب تذكرها)، ومجهدا (ضوضاء، وثرثرة، وغير ذلك)، أو يستغرق وقتا طويلاً (طريق يستغرق ساعتين)، فمن المؤكد أنك ستتوقف سريعا عن المعالجة المتعمقة، أما الآخرون، الذين لا يلاحظون الأمور كما تلاحظها أنت وربما لا يلاحظون شيئا على الإطلاق، فلن يملوا بهذه السرعة. وقد يجدون أنه من الغريب أنك تشعر بأن القيام بجولة سياحية طوال اليوم، ثم الذهاب إلى ناد ترفيهي في المساء، يعد أمرا مبالغا فيه. وقد يثرثرون كثيرا، عندما تطلب منهم أن يصمتوا قليلاً؛ حتى تتمكن من التفكير، أو قد يستمتعون بالوجود في مطعم "صاخب" ، أو حفلة ما في الوقت الذي تتحمل فيه تلك الأصوات بصعوبة. ففي الحقيقة هذا هو التصرف الذي نلاحظه نحن وغيرنا دائما؛ أن أصحاب الحساسية المفرطة يصابون بالقلق عندما تتم إثارتهم (بما في ذلك الإثارة الاجتماعية)، أو أنهم يتجنبون المواقف المثيرة للانفعال أكثر من غيرهم بناء على ما تعلموه من تجاربهم السابقة. فهناك دراسة حديثة قام بها " فريدريك جيرستنبرغ”، في ألمانيا، عن طريق مقارنة ذوي الحساسية مع غيرهم في القيام بمهمة مضمونها تحديد وجود حرف (اً) بين الكثير من حروف (ا) الموزعة على شاشة الحاسوب من عدمه. وأظهرت النتائج أن ذوي الحساسية المفرطة أسرع من غيرهم وأكثر دقة، ولكنهم أكثر شعورا بالإرهاق من غيرهم بعد انتهاء المهمة؛ فهل المجهد في هذه التجربة هو المجهود الإدراكي أم التأثير الانفعالي؟ بغض النظر عن السبب، فقد أصيبوا بالإرهاق، تماما كما نصف قطعة المعدن بالإجهاد نتيجة التعرض لحمل زائد، وكذلك نحن. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحساسية المفرطة لا تتعلق بالشعور بالحزن الناتج عن ارتفاع مستوى المحفزات، كما يقترح البعض، وعلى الرغم من أن هذا ما يحدث بشكل طبيعي عندما نكون تحت ضغط مضاعف، فإنك يجب أن تكون حذرا حتى لا تخلط بين كونك مفرط الحساسية ووجودك في موقف يسبب مشكلة: فالاضطراب الشعوري قد يكون في حد ذاته إشارة إلى وجود اضطرابات في المعالجة الحسية للأمور وليس بسبب امتلاكك قدرة غير عادية على المعالجة الحسية لها. وعلى سبيل المثال، أحيانا ما يشتكي الأشخاص المصابون بالتوحد من الضغط الزائد على شعورهم، ولكن في الأحيان الأخرى يقل تفاعلهم مع الحدث، فيبدو أن مشكلتهم هي صعوبة التعرف على ما يجب التركيز عليه وما يجب تجاهله. وعندما يتحدثون إلى شخص ما، فهم يعتبرون أن التركيز على وجه هذا الشخص ليس مهما تماما كالنظر إلى الرسومات على الأرضية، أو أنواع المصابيح داخل الغرفة؛ فهم دائما ما يشتكون من أنهم كثيرا ما تقلقهم المحفزات, فقد يكونون أكثرا اكتر اثا للتفاصيل، ولكن في المواقف الاجتماعية، بصقة خاصة، فهم غالبا ما يلاحظون بعض الأشياء التي ليست لها صلة بموضوع النقاش، في حين أن الشخص ذا الحساسية المفرطة قد يهتم بتعابير الوجه الدقيقة، على الأقل عندها لا تتم إثارته.