بينما كنت أؤلف هذا الكتاب، كان هناك العديد من أنواع الكائنات الحية نعلم الآن أنها تزيد على مائة نوع، أو أكثر، بما في ذلك ذباب الفاكهة، وبعض أنواع الأسماك من بينها عدد قليل يتصف بالحساسية المفرطة. وعلى الرغم من أن هذه الصفة تؤدي بشكل واضح إلى سلوكيات مختلفة، بناء على ما إذا كان الكائن الحي ذبابة فاكهة، أو نوعا من الأسماك، أو طائرا، أو كلبا، أو دبا، أو قردا، أو إنسانا، فالوصف الشائع لها سيكون أن تلك الأنواع القليلة التي ورثت هذه الحالة قد اتبعت خطة للبقاء عن طريق التوقف للقيام بالفحص، ثم المعاينة، ثم التفكر في الشيء الذي تمت معاينته أو معالجته قبل اختيار الإجراء المناسب. وعلى الرغم من ذلك، فإن التباطؤ في العمل ليس سمة مميزة لهذه الحالة. وعندما يرى أصحاب الحساسية المفرطة أن ما يحدث لهم مشابه لموقف مروا به سابقا، فإنهم يشعرون بالامتنان؛ لأنهم تعلموا الكثير من التفكير مليا في الموقف السابق، فأصبح بإمكانهم التعامل مع المخاطر أو الفرص بطريقة أسرع من غيرهم. ولهذا السبب، فإنه من الصعب مراقبة أهم جوانب هذه الحالة، وهو معالجة الأمور بعمق؛ فدون دراية مسبقة، عندما يتوقف شخص قبل الشروع في العمل قليلاً، لا يسع الآخرين سوى أن يخمنوا ما يفكر فيه هذا الشخص. وغالبا ما ينظر إلى ذوي الحساسية المفرطة باعتبارهم أشخاصا يعانون الكبت، والخجل، والخوف، والانطواء (ولكن في حقيقة الأمر، هناك ٠ ٣% فقط منهم أشخاص منفتحون، وكثير من الانطوائيين ليسوا ضمن الأشخاص مفرطي لحساسية) . وهناك البعض من الأشخاص ذوي الحساسية المفرطة يقبلون بهذا التوصيف، فهم لا يجدون أي تفسير لحالة الارتباك التي تصيبهم. في حقيقة الأمر، عندما يشعر الشخص بأنه مختلف، وأن لديه عيوبا، سيجد أن وصفه بأنه ’خجول، أو خائف من نظرة المجتمع إليه وصف واقعى، كما سأوضح في الفصل الخامس. والبعض الآخر على دراية بكونه مختلفا؛ لذا يخفض هذا الشعور، ويتأقلمون مع محيطهم، ثم يتعاملون كغالبية الناس الذين لا يوصفون بالحساسية المفرطة.إن تفهم أسباب نشوئنا بهذه الحالة، يوضح لنا كثيرا من الأشياء عن أنفسنا، أكثر مما كنت أعلمه عندما ألفت هذا الكتاب، فاعتقدت حينها أن الحساسية الخاصة بنا قد تمت؛ لأنها أفادت القسم الأكبر من الناس، بما أن الشخص ذا الحساسية المفرطة قد يشعر بالمخاطر، أو وجود الفرص التي قد لا يراهااالآخرون، ولكن الآخرين يبادرون إلى التعامل مع الأمور عندما يدق ناقوس الخطر. وقد يكون هذا الافتراض صحيحا في جزء منه، ولكنه مجرد أثر جانبي لهذه الحالة؛ حيث إن هنالك توضيحا حديثا نتج عن طريق نموذج حاسوبي على يد فريق من علماء الاحياء في هولندا، فقد كان "ماكس فولف" هو وزملاؤه مشتاقين إلى معرفة كيفية تطور الحساسية، لذا قاموا بإيجاد حالة ما، يستخدمون فيها تطبيقا حاسوبيا بفرض استبعاد بقية الجوانب، ثم قاموا بتغيير بعض الأمور المختلفة في آن واحد؛ ليشاهدوا ماذا سيحدث عندما يعرضون كل هذه المواقف والخطط الممكنة، فكانوا يريدون أن يعلموا مدى كونك صالحا للعيش مع البشر في حالة ما إذا كنت تتمتع بدرجة استجابة عالية (حيث إن الصفات التي تعوق نجاحنا في الحياة لا تستمر طويلاً) . تمت تجربة الحساسية عن طريق إعداد تصور قاموا فيه بقياس مدى تأثير ما تعلمه الفرد في الموقف الأول؛ لأنه أكثر حساسية لكل ما حدث، ليجعله أكثر نجاحا عند مواجهته الموقف الثاني بسبب هذه المعرفة (كما كان عليهم قياس مدى الفائدة من النجاح في الموقف الثاني) . أما التصور الثاني فكان يوضح أن كونك أكثر حساسية في الموقف الأول لا يمنحك أية فائدة في الموقف الثاني لعدم وجود أي ترابط بينهما، ولكن السؤال هنا، ما الظروف التي نستطيع من خلالها معرفة الفرق بين هذين النوعين من الأفراد، فأحدهما يتعلم من التجارب، والآخر لا يتعلم؟ فتبين أنه لا بد أن تكون هناك فائدة بسيطة؛ حتى يتحقق النجاح لكلا التصورين، وهذا يوضح سبب أنه لا بد من وجود النوعين في الحياة الواقعية. قد تعتقد أن حساسيتك الشديدة دائما ما تكون ميزة ؛ ولكن الأمر ليس كذلك في الكثير من الأحيان. ففي واقع الأمر، يستفيد الفرد من الحساسية عندما يكون ضمن الفئة القليلة. فلو كان جميع الأفراد مفرطي الحساسية لما كانت هناك ميزة في الأمر، وفي وقتها، لو كان كل فرد يعلم طريقة مختصرة، ثم يقوم بتنفيذها، فسيكون هناك العديد من الاستخدامات للمعلومات التي نحصل عليها، التي لا تعود بالنفع على أي من الأفراد. وبإيجاز، فإن الحساسية، أو سرعة الاستجابة كما يطلق عليها علماء الأحياء، تشتمل على الاهتمام بالتفاصيل أكثر من الآخرين، ثم يتم استخدام هذه التفاصيل لتوقع المستقبل بصورة أفضل. أحيانا ما يكون من الأفضل الاهتمام بالتفاصيل، ولكن في الأحيان الأخرى لن يجدي هذا الجهد والاهتمام الزائد نفعا. فكما تعلم، يجب عليك أن تتحمل تبعات كونك مفرط الحساسية، فمن الممكن أن تكون إهدارا لطاقتك، إن كان ما يحدث الآن ليست له علاقة بتجاربك السابقة. وعلاوة على ذلك، عندما تكون التجربة السابقة سيئة، فإن الشخص مفرط الحساسية يمكن أن يعمم الأمور، ويتحاشى التعامل مع الآخرين، أو يشعر بالقلق في العديد من المواقف، وهذا بسبب التشابه بين الموقف الحالي وتجارب الماضي الأليم. وعلى الرغم من ذلك، فإن أكبر تبعات كونك شخصا مفرط الحساسية، هي أن الجهاز العصبي قد يصبح مرهقا بشدة؛ فكل شخص لديه طاقة معينة لتحمل المعلومات والمحفزات قبل أن يصاب بالإرهاق الزائد، والغضب الزائد، والإثارة الشديدة، والارتباك الزائد، وباختصار، فإن كل شيء زائد! فنحن نصل إلى هذه الحالة أسرع من غيرنا. ولحسن الحظ، عندما نصاب بهذه الحالة سريعا ما نبدأ التحسن.