التواصل مع الصديق والعدو
عندما يقابل الناس بعضهم لأول مرة (على افتراض أن أحدهم لا يعرف أي شيء عن الآخر)، فإنهم يكونون غرباء. تخيل نفسك تسير في الشارع بمدينة ما؛ حيث لا تعرف بها أي شخص والناس يتحركون من حولك قاصدين وجهتهم، أو تخيل نفسك في مشرب أو مطعم أو أي مبنى عام آخر وحولك العشرات من الناس غير المألوفين لك. أنت في مثل هذه الحالات تكون في منطقة التواصل الغريبة . تكون غريباً عمن حولك، وهم غرباء عنك٠
لا تزال معظم التفاعلات البشرية في المنطقة الغريبة. نحن بالكاد ننتبه إلى المئات، بل آلاف من العلاقات الشخصية التي نتعرض لها فى حياتنا اليومية بحكم عملنا، ومع ذلك أحياناً يفعل الشخص الغريب أشياء تجعلنا ننتبه لوجوده، ونصبح على دراية بهذا الشخص، ليس بالضرورة أن يقوم بشيء واضح. في الواقع، في البداية قد لا نفهم السبب الذي يجعل شخصا معيدا "يجذب انتباهنا".
ولذا، ما الذي يجعل الشخص الغريب يبرز فجأة ويصيح شخصا يحظى باهتمامنا؟ لأنه ظهر في منطقة المسح في المخ البشري. اكتشف العلماء أن خلال حياتنا اليومية، ترسل حواسنا باستمرار رسائل إلى المخ، والتي بدورها، تعالج البيانات لتقييمها، من بين أمور أخرى، لمعرفة إذا كان هناك شخص معين فى نطاق ملاحظتنا يمكن أن نتجاهله أو نتجنبه. تتم هذه
العملية تلقائيا في المخ، وتعتمد على قدرة المخ لتفسير الأساليب الشفهية واللفظية والتي قد تكون إشارات صداقة أو محايدة أو عداء.
ويمكن وصف وظيفة منطقة المسح باستخدام المثال التالي. تصور أن هناك امرأة تسير على امتداد أحد الشواطئ المطلة على المحيط. وكان مع المرأة في أثناء سيرها جهاز الكشف عن المعادن، تمسح به الأرض من أمامها يمينا ويسارا، ومن جانب إلى أخر. وكان معظم سيرها غير متقطع، ولم ’يلتقط جهاز كشف المعادن إشارة لأي شيء مدفون تحت الرمال يثير الاهتمام. ولكن بين الحين والآخر، وكلما أصدرت الآلة صفيرا، تتوقف المرأة وتبدأ الحفر في الرمال لاكتشاف ما هو مدفون هناك. قد تعثر على كنز... أو ساعة ثمينة، أو عملة معدنية قيمة أو قد تكون قمامة... أو علبة مشروب تم التخلص منها أو رقاقة قصدير. وذا كانت غير محظوظة للغاية فقد تعثر على لغم أرضي مدفون منذ فترة طويلة وأصبح في طي النسيان، كل ما ينتظره هو الانفجار!!!
فالمخ مثل جهاز الكشف عن المعادن، يقوم باستمرار بتقييم البيئة التي حولك لمعرفة الإشارات التي تشير إلى الأشياء التي يجب الاقتراب منها أو تجنبها، أو التي ليست لها صلة بالموضوع ويمكن تجنبها. مكث علماء السلوك عقوداً لاكتشاف وفهرسة ووصف أنواع السلوك البشري التي يفسرها المخ على أنها إشارات صداقة أو عداء بمجرد معرفة نوعية الإشارات، ستكون قادرا على استخدامها لبناء الصداقات وإبقاء الأشخاص الذين ترغب في تجنيبهم بعيدين عنك.
إشارات للإيجار، أو للتأجير، أو ليست للبيع ذكرت إحدى طالباتي في الصف أنها بدأت في التقاط إشارات غير لفظية مثيرة للاهتمام في مشربها المحلي. لاحظت في كثير من الأحيان أن الرجال الذين يقيمون علاقات محدودة يرسلون إشارات تختلف عن تلك الإشارات التي يرسلها الرجال الذين يقيمون علاقات وعلى ما يبدو يسعون إلى إقامة المزيد من العلاقات. وعلقت الطالبة بأنها تشعر بإشارات عداوة قوية تصدر من الرجال المتزوجين غير المرغوب فيهم. ولكن الرجال الآخرين الذين يفترض أن يكونوا ملتزمين بعلاقات يرسلون إشارات صداقة قوية كما لو أنهم يسعون إلى علاقات إضافية. لقد لاحظت الطالبة أن إشارات الصداقة تلك كانت أكثر خفاء من إشارات الصداقة التي يرسلها الأشخاص غير المرتبطين.
التجهم الحضري هل تساءلت يوما ما لماذا يمتلك أحد الأشخاص موهبة عندما يتعلق الأمر بجذب الآخرين وترك انطباع جيد، وجعل الناس يحبونه، فى حين أن شخصاً آخر، يمتلك قدرا مماثلاً من القبول والنجاح في الحياة، ولكنه على ما يبدو غير متساو معه فيما يتعلق بالجاذبية ؟ غالباً ما يرسل هذا الشخص وبدون وعي إشارات تدل على العداء . قدمت طالبة أخرى (ولسوء حظها) مثالاً رائعاً على ذلك. ذكرت هذه الطالبة أنها كان تواجه صعوبات في تكوين الصداقات في كلية ميدويسترن التي كانت تدرس فيها. وقالت إن الناس غالبا ما يلاحظون أنها باردة ومنطوية، ومخيفة، ولكن بمجرد أن يتعرفوا عليها، تجد صعوبات في تطوير علاقاتها الوثيقة.
ومن خلال حديثها، اكتشفت أنها ترعرعت في منطقة صعبة وخطيرة في أتلانتا، كان يتحتم عليها فيها أن تتعلم من صغرها أن تكون عديمة الإحساس. قلت لها إنك لا تحتاجين إلى تحسين مهارتك للتواصل، ولكن بدلاً من ذلك، كل ما عليك فعله هو تغيير طريقة تقديم نفسك للناس. إنها لم تتوقف عن إظهار التجهم الحضري...