"إن قبول رأي معين على نطاق واسع ليس دليلاً على منطقية هذا لرأي. في الواقع، ونظرا لسخافة الغالبية العظمى من البشر، فإن الرأي المقبول على نطاق واسع من المرجح أن يكون رأيا سخيفا
وليس منطقيا". برتراند راسل
عند مشاهدتك أي حدث رياضي ضخم، قد ترى أداء بعض الرياضيين الكبار يسوء بالرغم من تدربهم لأشهر. لا يهم مدى براعتهم خلال الأسبوع السابق أو حتى اليوم السابق. قد يتمتعون بقدر هائل من الخبرة والمهارة العالية والدعم الملائم، ولكن هل يضمن كل ذلك أن يكون أداؤهم مثاليا؟ جميع الأدلة
تشير إلى أن كل ذلك لا يضمن حدوث ذلك، ونشهد العديد من الأمثلة لذلك في العديد من المجالات الآخرى أيضا. لذا إذا لم تكن مهارتك وخبرتك هي المؤثر الفاصل فيما يخص قدرتك على التميز فما المؤثر الفاصل؟ ما الذي يسمح لك بالازدهار في مواجهة التحديات، والحفاظ على رباطة جأشك في مواجهة العاصفة؟ ما الذي يحفز على القيام بالأمر الصائب؟ تعد حالتنا العقلية السليمة والشعور بالشغف والتفاؤل والحماسة أمورا أساسية لتقديم أفضل ما لدينا لا ريب، وعندما يتعلق الأمر بالازدهار في العمل، هناك فكرة جوهرية يساء فهمها يهدف هذا الكتاب إلى توضيحها، وهي تتعلق بالدور الحاسم الذي تؤثر فيه طريقة تفكيرنا على أدائنا، وما يتحكم في طريقة تفكيرنا. أتذكر مشاهدة أندي موراي ينافس في بطولة ويمبلدون في عام ٢٠١٢م. وعندها رأيت موراي اللاعب العالمي يفقد لياقته في الملعب. لقد كان يتمتع بالمهارات والقدرات اللازمة للفوز بالمباراة، ولكن ما الذي آلت إليه المباراة في النهاية؟ كان بالإمكان رؤية انفعاله يزداد تدريجيا، وكلما ازداد انفعاله، ازداد أداؤه سوءا. وفي العام التالي عاد بعد تغير أسلوب تفكيره وفاز ببطولة ويمبلدون. وبعيدا عن عالم الرياضة، عندما تسأل عددا من الأشخاص عن الأشياء التي تحدد مقدرتهم على تقديم أفضل ما لديهم سيعطونك أجوبة متنوعة لا تخرج عن الثقة بالنفس والخبرات السابقة والعلاقات الجيدة وبيئة العمل الرائعة والقيادة الحكيمة والمهارات اللازمة، حيث تكون الاختيارات كثيرة ومتعددة. وبالطريقة نفسها عندما تسأل بعض الأشخاص عن الأشياء التي تحبطهم أو تعطلهم عن العمل، فستجد كما هائلاً من الأسباب من ضمنها على سبيل المثال عبء العمل أو الإدارة السيئة أو ضيق الوقت أو مواعيد التسليم المضغوطة أو التوتر الزائد عن الحد. بالنسبة للعديد من الأشخاص هناك أسباب عديدة لنجاحاتهم وإخفاقاتهم. وهذا الاعتقاد السائد بوجود العديد من الأسباب - يشكل جزءا من المشكلة, ولكنه يشير نحو الحل كذلك. ماذا لو كان هناك سبب واحد رئيسي وكل شيء آخر مجرد علامة ثانوية بسيطة لهذا السبب؟ يواجه كل منا لا شك مجموعة متنوعة من التحديات والتي قد تتكرر بشكل يومي، والخبر الرائع أن هناك عاملاً واحدا شاملاً يؤثر على طريقة إدراكنا وتعاملنا مع تلك التحديات. إننا نتنقل جميعا بين الحالات العقلية المختلفة طوال اليوم، ويحدث هذا كل يوم، ويحدد فهمك لسبب ذلك مدى براعتك في تحقيق الأهداف في عملك. هذه هي الورقة الرابحة لتحسين الاداء الخاصة بك.إن معظم الكتب التي تتحدث عن حالة العقل تركز على طريقة تحسين حالة عقلك، وتخبرنا هذه الكتب بأن نغير طريقة تفكيرنا، وتقترح علينا التفكير بمزيد من الإيجابية، أما ما أذكره في هذا الكتاب فهو مختلف. ماذا لو لم نكن بحاجة إلى تغيير طريقة تفكيرنا؟ ماذا لو كان الأمر أسهل من ذلك؟ إن هدفي يتمثل في أن أريك كيف يعد فهم حالة العقل هو العامل الأكثر أهمية ومع ذلك الأكثر استخفافا به وأنه هو الذي يفسر ارتفاع الأداء وانخفاضه، ويسلط كذلك الضوء على سبب براعة بعض الأشخاص في مواجهة المشكلات أو التحديات ومعاناة آخرين عند مواجهة نفس المشكلات أو التحديات. وقد تزايد الاهتمام بحالة اللاعب النفسية خلال السنوات الأخيرة في مجال الرياضية، وصار العديد من أكبر الرياضيين في العالم يملكون مدربين لتحسين أدائهم، وتنحصر وظيفتهم الوحيدة في مساعدة هؤلاء الرياضيين على تحسين مهاراتهم العقلية في مقابل المهارات التقنية. سواء كانت ضربة جزاء حاسمة في مباراة كرة قدم أو نقطة فاصلة في دورة كرة المضرب، لا يوجد سوى فارق واحد فقط: هل يمكنهم الحفاظ على صفاء تفكيرهم؟ هل يمكنهم التركيز على هذه اللحظة الثمينة و الفاصلة أم سيشككون في قدرتهم ويتملكهم التردد فيتسبب في خسارتهم؟ إن المهارات والخبرة أمر أساسي لن أخضع لعملية جراحية إذا لم يتمتع الطبيب بالمعرفة والمهارات اللازمة للقيام بالعملية؛ ولكن الصفاء العقلي هو العامل الحاسم في أدائنا، فالقدرة على تنمية المهارات واستخدامها بحكمة وفاعلية تعتمد على مدى صفاء عقلك. بالرغم من وجود أمثلة لا تحصى في المجال الرياضي، فإن صفاء التفكير يمثل نقطة جوهرية في جميع القطاعات، بصرف النظر عن نوع العمل الذي يقوم به الشخص. سواء كنت معلما أو مغنيا أو مهندسا أو مدير مبيعات بصرف النظر عن وظيفتك " فإن فهم طبيعة التفكير شرط أساسي بالنسبة لك، فهي التغير الذي يحدث الفارق، وهذا ما حدث فيما يتعلق بالأداء، صارت الرياضة هي الأكثر تقديرا لحالة العقل والأكثر شهرة في الاهتمام بها حتى الآن. خلال الأعوام القليلة الماضية، أصبحت السلامة النفسية معروفة على نطاق أوسع في المؤسسات كعامل أساسي في أداء الموظفين وإنتاجيتهم، وينطبق الأمر نفسه على مميزات الاداء المرتفع, فالصفاء العقلي والسلامة العقلية هما نتيجتان ثانويتان مترتبتان على فهم طريقة عمل العقل. يسألني العملاء أحيانا إذا ما كانت الحالة العقلية مهمة في جميع الأحوال. على سبيل المثال، هل لا تزال مهمة إذا كنت تقوم بعمل ممل أو روتيني أو رتيب؟ الإجابة هي نعم. يمكنني تذكر عدد المرات الكثيرة التي فشلت فيها عندما كنت أقوم بمهام بسيطة أو مملة بسبب انشغال عقلي دون سبب واضح؛ فقد حذفت ملفات مهمة، أو أرسلت رسائل بريد إلكترونية، وندمت بعد الضغط على زر إرسال ، أو وضعت ملابس قذرة في سلة القمامة بدلاً من المغسلة؟ أو سلكت طريقا خطأ عند مفترق طرق بسبب تشتت عقلي وانشغاله. وفي بعض الحالات، كلفني ذلك الكثير من الوقت، وكدت أخسر عميلاً لدى بسبب ذلك. ربما تكون مررت بمثل هذه المواقف. كيف أوقعك عقلك المضطرب أو المشغول أو المشتت في المشكلات؟ وقد طرحت هذا السؤال في بحثي: بالنسبة إلى أدائك في العمل، إلى أي مدى تعتقد أن حالة عقلك مهمة؟ .من الجلي أن العديد من الأشخاص يؤمنون بأهميتها بدرجة كبيرة كما هو مذكور في نتائج بحثي: أفعالك وسلوكياتك وأدائك اللاحق، حيث يترتب عليه طريقة تواصلك مع نفسك ومع الآخرين، وطريقة تحديدك لأولوياتك من حيث درجة الأهمية في حياتك، كما يحدد الاختيارات التي تتخذها، وإذا ما كنت ترى أن لديك اختيارات من الأساس. وبالرغم من تقدير معظم الأشخاص لأهمية حالتهم العقلية، عندما يسألون عن أسباب أدائهم السيئ في بعض الأوقات وعدم تقديم أفضل ما لديهم في العمل، فإن حالة العقل تأتي في نهاية قائمة أسبابهم، ويغفلونها عندما يتزاحم العديد من الأسباب الأخرى، كما هو موضح فيما يلي: إن ترتيب الاختيارات السابق منطقي للغاية بالاعتماد على وجهة نظر معظم الأشخاص فيما يتعلق بما يمنعهم من بذل قصارى جهدهم في العمل. والأمر الذي توضحه هذه النتيجة (مع العديد من الأمور الاخرى) هو مدى إغفال أو عدم فهم العلاقة بين العقل وطريقة تفكيرنا أو تصرفنا أحيانا، وهذا كان دافعي لإجراء بحثي وتأليف هذا الكتاب. وهذه الاكتشافات تعادل طرح سؤال ما مدى أهمية التغذية للصحة البدنية؟ على ١٠٠٠ شخص فيجيب ٠ ٨٠ شخص بأنها أساسية، ثم يأتي سؤال ما المؤثر الأساسي على الصحة البدنية؟ ، فتأتي التغذية في المرتبة الأخيرة بعد الرياضة وموقع المسكن والعلاقات وغيرها. وهدفي هو إخباركم بسبب وقوع حالة العقل (كيف نفكر ونشعر) في مقدمة عناصر القائمة. لذا، لاستكشاف ذلك بشكل أكبر... إذا سألتك ما الذي يجعل في رأيك يوما في العمل يوما "يوما رائعاً" ، ما أول شيء يخطر ببالك؟ والآن في المقابل إذا سألتك ما الذي يجعل في رأيك يوم العمل يوم سيئا ، ما أول شيء يخطر ببالك؟ أقدم فيما يلي بعض الاكتشافات من بحثي في إجابة عن هذين السؤالين: قد تفاجأ من هذه النتائج، وقد يبدو التقليل من أهمية الحالة العقلية ، وطريقة التفكير أمرا شديد الغرابة. إن التحدي الذي نواجهه جميعا يتمثل في أن تفكيرنا غير ملحوظ بالنسبة لنا معظم الوقت؛ فجميعنا قادرون على التفكير، وهذا نعتبره من المسلمات مثل التنفس. إذا أخبرك شخص ما بأنك تتنفس، فإنك قد تراه أحمق. فهذا أمر واضح جدا، أليس كذلك ؟ وفي هذه الحالة يكون الشيء موجودا أمامنا ولا ندركه، فالتفكير موجود أمامنا مباشرة ويؤثر في كل شيء من حولنا، ومع ذلك فهو غير ملحوظ بالنسبة لمعظمنا في كثير من الأحيان؛ ولهذا السبب نشهد مثل هذه النتائج. وما أريده هو إبراز طبيعة التفكير، وجعلك تدرك ما يحدث من حولك طوال الوقت، وبذلك تستطيع الاستفادة من دون أي جهد يذكر من جانبك. وقد لخص مارك توين الأمر عندما قال: عندما نحد نفسك منحازا لراي الغالبية، يكون الوقت قد حان للنروي والتفكير”. ما زال على الغالبية العظمى من الأشخاص أن يدركوا بشكل كامل أهمية الدور الذي يلعبه تفكيرهم كعامل محرك لأدائهم. إذن ,ما الأمور المترتبة علي كل ما سبق؟ عندما لا نرى دور التفكير أو نعتبره كعامل مؤقت في طريقة عملنا، فإننا نعوق أنفسنا دون أن نشعر من خلال ربط حياتنا بشيء آخر غير تفكيرنا ٠وهذا يدل على أننا لا نتحكم في طريقة تفكيرنا وشعورنا، ونضع أنفسنا دون قصد في موقع سلبي، يسمى عادة "وضع الضحية". أتمنى أن أوضح السبب في أن طريقة تفكيرنا وليس ما نفكر فيه هي المسئولة عن طبيعة الأيام التي نمر بها سواء كانت جيدة أ و سيئة. يتمتع كل منا بقدرة مطلقة على التأثير في طريقة تصرفنا (في أي مجال في حياتنا) أكثر مما يمكن تخيله. إن فهم حالات العقل يمثل القوة المثلى المؤثرة على عملنا بالكامل، ومع ذلك فهي العامل الأكثر إهمالاً واستحفافا به. لذلك ما الموقع الملائم للتحفيز بين كل هذا؟ إن التعريفات التقليدية للتحفيز الموجودة في قواميس أوكسفورد هي كما يلي: السبب أو الأسباب التي تدفعنا للتصرف أو التعامل بطريقة بعينها. الرغبة والاستعداد للقيام بشيء ما. هناك آلاف المواقع والكتب المتخصصة في التشجيع وإعطائنا جرعة من التحفيز أو الشغف؛ ولكن معظمها يعتمد على خرافة سائدة. الخرافة: التحفيز تنشئه أو تسببه قوى خارجية. قد تساعد المقارنة التالية على توضيح سبب الخطأ في ذلك، وأيضا السبب في أن ذلك خبر رائع. يتحدث الخبراء عادة حول نوعين من التحفيز: التحفيز الخارجي في مقابل التحفيز الداخلي.