بن: أكره التقدم في العمر بعد ظهيرة أحد الأيام تلقى أحد المعالجين مكالمة هاتفية من سيلفي، وهي امرأة في الثالثة والسبعين من عمرها تشعر بالقلق حيال زوجها بن, وكانت قد قرأت مقالاً حول الاكتئاب، وبدا المقال يصف زوجها. فعلى مدار الأشهر الستة الماضية، كان بن دائم الشكوى حيال شعوره بالتعب؛ ومع ذلك سمعته زوجته يتجول بسرعة في أنحاء غرفة المعيشة في الثالثة صباحا، غير قادر على النوم. بالإضافة إلى ذلك، قالت إنه لم يكن ودودا نحوها كعادته، وعادة ما كان منفعلاً وسلبيا. وكان قد توقف عن زيارة أصدقائه ولم يكن مهتما، فيما يبدو، بفعل أي شيء. وبمجرد أن فحصه طبيبه وقال إنه لا يعاني أية مشكلة طبية قد تفسر هذه الأعراض، اشتكى بن إلى زوجته قائلاً. أكره التقدم في العمر. إنني أبدو في حالة سيئة . طلب المعالج التحدث إلى الزوج عبر الهاتف، وتحدث إليه بن على مضض, وأخبر المعالج بألا يأخذ الأمر على محمل شخصي، ولكنه لا يعترف بـ أطباء الرءوس "ولا يريد أن يرى معالجا لأنه ليس مجنونا، إنه مجرد رجل مسن- إنك لن تكون سعيداً أيضا إذا كنت في الثامنة والسبعين من عمرك وتعاني الألم في كل مكان! . وقال إنه سوف يذهب إلى مقابلة واحدة فقط لإرضاء زوجته، ولكنه كان متأكدا من أن هذا لن يفيد. إن طريقة فهمنا لمشكلاتنا تؤثر على طريقة تكيفنا. لقد كان بن يعتقد أن مشكلات النوم، والإرهاق، والانفعال، وقلة الاهتمام بفعل الأمور جميعها تمثل أجزاء طبيعية من التقدم في السن, والتقدم في السن كان شيئا لا يستطيع بن تغييره؛ ولذلك لم يتوقع أن هناك شيئا قد يساعده على الشعور بالتحسن. في الاجتماع الأول، اندهش المعالج على الفور من الاختلاف في مظهر سيلفي وبن. لقد تأنقت سيلفي بعناية للاجتماع، حيث كانت ترتدي تنورة وردية اللون مع بلوزة زهرية، وقرطين، وحذاء جميعها متناسقة. وجلست معتدلة في كرسيها، ووجهت التحية إلى المعالج بابتسامة متوقعة، وعينين متحمستين، براقتين. وفي المقابل، جلس بن مسترخيا في كرسيه، وعلى الرغم من أنه كان أنيق الملبس، كانت لديه لحية خفيفة على الجانب الأيمن من ذقنه, وكانت عيناه ثقيلتين ومحاطتين بدائرتين سوداوين من الإرهاق. لقد وقف بصعوبة وببطء لتحية المعالج، قائلاً بصرامة: حسنا، سأجلس معك لمدة ساعة. وعندما بدأ المعالج توجيه الأسئلة إلى بن على مدار الدقائق الثلاثين التالية، بدأت تنكشف قصته ببطء. فمع كل سؤال، كان يتنهد بعمق ويرد بغلظة, فلقد عمل بن سائق شاحنة على مدار35عاما، وكان يوصل شحنات محلية على مدار ال14 عاما الأخيرة من تلك السنوات. وبعد تقاعده، كان يتقابل بانتظام مع ثلاثة أصدقاء متقاعدين للتحدث أو تناول وجبة أو مشاهدة بعض المباريات الرياضية, كما كان يحب إصلاح الأشياء، والعمل على مشروعات منزلية، وإصلاح دراجات أحفاده الثمانية الصغار وأصدقائهم. وكان يرى أولاده الثلاثة وأحفاده بصورة منتظمة، وكان يشعر بالفخر بوجود علاقة جيدة مع كل واحد منهم. قبل ثمانية عشر شهرا، أظهرت الفحوصات إصابة سيلفي بسرطان الثدي, وقد أكتشف المرض مبكرا، وتعافت بصورة جيدة بعد إجراء الجراحة والخضوع للعلاج الإشعاعي، ولم تظهر أية علامات أخرى للسرطان. لقد فاضت عينا بن بالدمع عندما تحدث عن مرضها: اعتقدت أنني سأفتقدها، ولم أكن أعرف ما يجب أن أفعله. وعندما قال هذا، نهضت سيلفي من كرسيها بسرعة، وبتت ذراع زوجها‘ وقالت: "ولكنني على ما يرام يا عزيزي- لقد أصبح كل شيء على ما يرام. بلع بن ريقه بصعوبة، وأومأ برأسه. وفي أثناء خضوع سيلفي للعلاج من السرطان، أصيب لوي أحد أعز أصدقاء بن بالمرض فجأة ومات, لقد كان صديقا له على مدار ١٨ عاما، وشعر بافتقاده بشدة. وشعر بالغضب من عدم ذهاب لوي إلى المستشفى في وقت مبكر؛ لأن العلاج المبكر كان من الممكن أن ينقذ حياته. وقالت سيلفي إن بن ركز جل اهتمامه على تتبع مواعيد علاجها من السرطان بعد وفاة لوي. وقالت سيلفي: أظن أن بن كان يعتقد أنه سيكون مسئولاً عن وفاتي إذا فاته أحد مواعيد العلاج. توقف بن عن رؤية أصدقائه وكرس نفسه للعناية بسيلفي. ثم تنهد زوجها وقال: بعد انتهاء علاج سيلفي، علمت أن الراحة ستكون مؤقتة فقط. فبقية حياتي سوف يملؤها المرض والموت. إنني أشعر بأنني نصف ميت بالفعل؛ هذه هي الحال. فما فائدتي على أية حال؟ إن الأحفاد يصلحون دراجاتهم بأنفسهم الآن. وأبنائي لديهم أصدقاؤهم، وسيلفي ستكون أفضل حالاً على الأرجح إذا لم أكن موجوداً. إنني لا أعرف ما الأسوأ - أن أموت أم أعيش وأترك وحدي؛ لأن جميع أصدقائي قد ماتوا .بعد سماع قصة بن واستعراض تقرير طبيبه الذي يظهر أنه لا يوجد سبب بدني لشعوره، كان واضحا للمعالج أن بن مكتئب. فقد كان يعاني أعراضا بدنية (الأرق، وفقدان الشهية، والإرهاق)، وتغيرات سلوكية (التوقف عن أنشطته المعتادة، وتجنب الأصدقاء)، وتغيرات مزاجية (الحزن، والانفعال، والشعور بالذنب) ، وأنماط التفكير هذه (السلبية، والنقد الذاتي، والتشاؤم) جميعها أعراض تصاحب الاكتئاب. وكما هي الحال دائما مع الاكتئاب، مر بن بعدد من حالات الفقدان والتوتر في السنتين السابقتين ( إصابة سيلفي بالسرطان، ووفاة لوي، وإحساسه بأن أبناءه، وأحفاده لم يعودوا بحاجة إليه).ورغم أن بن كان متشككا في أن العلاج يمكن أن يفيد، فإنه مع تشجيع سيلفي، وافق على الذهاب إلى ثلاث جلسات أبرى قبل أن يقرر إذا ما كان سيواصل الذهاب أم لا. فهم مشكلات بن خلال اجتماعهما الثاني، ساعد المعالج بن على فهم التغيرات التي مر بها خلال السنتين الماضيتين, ومن خلال استخدام النموذج خماسي الأجزاء الموجود في الشكل ١-٢ بالصفحة التالية، لاحظ بن أن عددا من التغيرات البيئية أو الأحداث الحياتية الرئيسية (إصابة سيلفي بالسرطان، ووفاة لوي) قد أدت إلى تغيرات سلوكية (انتهاء الوقت الاجتماعي المنتظم مع الأصدقاء، والزيارات الإضافية للمستشفى لعلاج سيلفي من السرطان). بالإضافة إلى ذلك بدأ في التفكير بصورة مختلفة حول نفسه وحياته ( 'جميع من أهتم بهم يموتون ، و أولادي وأحفادي لم يعودوا بحاجة إلي ), وبدأ يشعر بأنه في حال أسوأ من الناحيتين العاطفية (الانفعال، والحزن) والبدنية (إرهاق، ومزيد من مشكلات النوم) . لاحظ أن المناطق الخمس الموجودة في الشكل ٢-١ مترابطة, وتظهر خطوط الربط أن كل جزء مختلف من حياتنا يؤثر على جميع الأجزاء الأخرى. فعلى سبيل المثال، تؤثر التغيرات في سلوكنا على طريقة تفكيرنا وشعورنا (بدنيا وعاطفيا على حد سواء). ومن الممكن أن يغير سلوكنا أيضا بيئتنا وأحداث حياتنا. وبالمثل، تؤثر التغيرات في تفكيرنا على سلوكنا، وحالاتنا المزاجية، واستجاباتنا البدنية، ويمكن أن تؤدي إلى تغيرات في بيئتنا. وفهم كيفية تفاعل هذه الأجزاء الخمسة لحياتنا من الممكن أن يساعدنا على فهم مشكلاتنا. لقد استطاع بن أن يرى كيف أن كل جزء من هذه الأجزاء الخمسة لتجربته كان يؤثر على الأجزاء الأربعة الأخرى ،جاعلاً إياه يتعمق داخل حالته المزاجية الحزينة. فعلى سبيل المثال، لأنه كان يقول لنفسه: إن جميع أصدقائي سوف يموتون قريبا لأننا نتقدم في العمر (فكرة)، توقف بن عن الاتصال بهم هاتفيا (سلوك). وعندما أصبح أكثر عزلة عن أصدقائه، بدأ ليندا: حياتي كانت ستصبح رائعة لو لم تنتبني نوبات الهلع! أخبرني أحد أصدقائي بأن العلاج السلوكي الإدراكي قد يوقف نوبات الهلع. هل تعتقد أنه يساعدني؟ كانت المتصلة مباشرة جدا في سؤالها, وكان صوتها صارما وواثقا عندما سألت المعالج عن العلاج السلوكي الإدراكي. وكانت مباشرة كذلك عندما وصفت تجاربها الحديثة التي دفعتها للاتصال. اسمي ليندا. أبلغ من العمر ٢٩ عاما، وباستثناء خوفي من التحليق في الطائرات، لم أتعرض مطلقا لأية مشكلات لم أستطع التعامل معها بنفسي. إنني مشرفة تسويق لدى شركة دائما ما أحببت عملها - ولكن هذا تغير منذ شهرين, فمنذ شهرين ترقيت لمنصب مشرف إقليمي, والآن يتعين على السفر كثيرا، وأجد نفسي أتعرق بشدة كلما فكرت بشأن استقلال الطائرة. كنت أفكر في العودة إلى وظيفتي السابقة عندما أخبرني صديقي بالاتصال بك أولاً. فهل تستطيع مساعدتي؟ وصلت ليندا مبكرا إلى جلستها الأولى مع حقيبة مستنداتها ومذكرة، مستعدة لبدء تعلم ما يجب أن تفعله. لقد كانت خائفة من السفر طوال حياتها - وهو الخوف الذي تعتقد أنها اكتسبته من والدتها، التي دائما ما كانت تتجنب الطائرات. لقد بدأت نوبات هلع ليندا منذ ثمانية أشهر، قبل ترقيتها. وتذكرت ليندا أن نوبة هلعها الأولى قد حدثت في أحد المتاجر، عندما لاحظت قلبها يدق بقوة في أثناء تسوقها يوم السبت, فهي لا تستطيع فهم سبب حدوث هذا وتملكها الذعر. كانت هذه هي المرة الأولى التي تتعرق فيها من الخوف. في ذلك الوقت اعتقدت أنها تعاني أزمة قلبية؛ ولذلك ذهبت إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى, وبعد سلسلة من الفحوصات، أخبرها الطبيب بأنها لم تكن تعاني أزمة قلبية وأنها بصحة جيدة. ظلت ليندا تتعرض لنوبات الهلع مرة أو مرتين شهريا حتى ترقيتها مؤخرا. فمنذ ترقيتها، كان ينتابها الخوف عدة مرات في الأسبوع. كانت دقات قلبها تتسارع، وكانت تتعرق، وتعاني صعوبة في التنفس. وبالإضافة إلى الفترات التي كانت تستقل فيها الطائرة، كانت مشاعر الهلع تحدث أحيانا ’فجأة - حتى في المنزل. وكانت نوبة هلعها تستمر لبضع دقائق ثم تختفي بسرعة تماما كما حدثت بسرعة. وكانت تشعر بالتوتر لبضع ساعات بعد ذلك. إنني أدعم نفسي, ولدى أصدقاء جيدون وأسرة داعمة, ولا أشرب الكحوليات أو أتناول المخدرات. ودائما ما أعيش حياة جيدة. فلماذا يحدث هذا لي؟ . كانت تتمتع بحياة سعيدة، مجتهدة، ومتوازنة. وكانت صدمتها الرئيسية هي وفاة والدها قبل ذلك بعام. لقد كانت تفتقده بشدة، ومع ذلك وجدت العزاء في علاقاتها مع والدتها، وأخويها، الذين كانوا يعيشون بالقرب منها. وعلى الرغم من أن وظيفتها كانت تتطلب العمل الشاق، بدت ليندا مستمتعة بالضغط، رغم أنها كانت تقلق كثيرا حيال أدائها وآراء الآخرين فيها. لماذا كانت تعاني ليندا نوبات الهلع؟ حتى نهاية هذا الكتاب، سوف نتابع تقدم ليندا في تعلم فهم نوبات هلعها, ومن خلال تعلم المزيد عن الروابط فيما بين تفاعلاتها...