تتعلق شروط القياس النفسي ببعض المبادىء والأسس المرتبطة بعملية إجراء الاختبار، والإعداد للموقف الاختباري والفحص النفسي، كما أن هناك مباديء أساسية تتعلق بكيفية اجراء الاختبار والتي ينبغي على السيكولوجي الإلتزام بها والعمل على مراعاتها أثناء تطبيق الاختبار.
إجراءات الفحص النفسي:
يمكن تحديد دور الأخصائي النفسي، على مستوى الممارسة العملية، في ممارسة الفحص النفسي لتحديد امكانيات الفرد ومشكلاته، وقد يأخذ الفحص النفسي شكل تطبيق بعض الاختبارات واستخلاص نتائجها، أو شكل تشخيص حالة، إنطلاقاً من بعض الأعراض symptome الظاهرة والمميزة، أو قد يتخذ شكل دراسة شاملة للشخصية بمختلف أبعادها الذاتية والموضوعية، بقصد الكشف عن جوانبها الدينامية Dynainique التي تحركها وتعطيها إتجاهاً معيناً أو نمط سلوكية محددة.
ينطلق الفحص النفسي من المعرفة الشاملة لتصرفات ودينامية الشخص في إطار اجتماعي معين، أي دراسة الشخصية ضمن بيئتها أو ظروفها الاجتماعية ومستوى علاقاتها الإنسانية. والهدف من ذلك هو فهم شامل عن الشخص ووضعه، وتأثير العالم المحيط به على مأزمه Conflits وإشكالاته النفسية.
بتعبير آخر، أن أي مشكلة نفسية لا يمكن تقديرها من خلال درجة تأزمها على المستوى الذاتي فقط، بل لا بد من تحديد العوامل الموضوعية التي قد تخفف أو تمتد من حدة المشكلة.
فکل ظاهرة سلوكية نفسية تصب في النهاية في إطار اجتماعي وتنبع بدرجات متفاوتة من القوى الفاعلية في هذا الإطار... حيث الاجتماعي والنفساني، الذاتي والموضوعي يتبادلان التحديد"(1). أي عند بحث أي مشكلة، لا بد للأخصائي النفسي أن يبحث عن مختلف مستويات البعد الذاتي والموضوعي، وتفاعل هذه المستويات، والقوى المؤثرة في شخصية الفرد.
ويتحدد سوء التوافق عند الفرد من خلال تفاعل العوامل الذاتية والموضوعية، ضمن إطار اجتماعي معين يعيش فيه الفرد. ولهذا يتطلب الفحص النفسي دراسة رائية للشخصية، وتقدير امكاناتها، ونهم جوانبها الدينامية الفاعلة والمؤثرة، والكشف عن الصراعات والاشكالات النفسية، ويتم ذلك من خلال الفهم العميق لأبعادها الذاتية والموضوعية المختلفة، ونهم مستوياتها الواعية واللا واعية.
التمهيد للفحص النفسي
يمكننا أن نستعرض بعض الأمور الهامة في التمهيد للفحص النفسي:
1- تهيئة مواقف الفحص:
على الفاحص أن يعمل على وضعية الفحص وتهيئة الظروف المادية التي تساعد الفرد (المفحوص) بالتعبير عن نفسه، والإفصاح عن مشاعره وأفكاره، واظهار امكاناته وقدراته. ولهذا، لا يجوز ممارسة الفحص في مكان عام، لا يشعر الفرد فيه بالثقة والارتياح والجدية.
أن أول ما يجب الانتباه له هو أن يحسّ الفرد أنه في مكان مريح، غير مراقبه، يستطيع أن يعبر فيه عن ذاته دعما يشغله أو يقلقه. ولذلك، لا بد من وجود مكان هادیء أو مناسب لوضعية الفحص، من تهوية وإضاءة، والوان هادئة.
وهذا يعني الا تكون غرفة الفحص، مثقلة بدلالات معينة تثير انفعالات الفرد أو مقاومته مما يؤثر على مسار عملية الفحص، ويكون سلبا على استجابة المفحوص وعلى تفاعله في الموقف، لأن الخروج عن هذه الأمور قد تثير لدى المفحوص هوامات معينة ذات شحنة انفعاليه كبيرة، أو قد تثير فيه اتجاهات وجدانية، نفسية متناقضة([1])
2- استعداد الفاحص لاستقبال المفحوص:
وهذا الأمر يتطلب من الفاحص، قبل مباشرة الفحص، أن يكون على استعداد تام لاستقبال المفحوص بجدية. وهذا يعني أنه يكون قد أعد المواد التي يحتاجها للفحم (من روائز وغيرها)، وكذلك قد انتهى من قراءة التقارير التي تساعده في تحديد المشكلة.
فلا يجوز ترك المفحوص ينتظر، والفاحص ما يزال منهمكاً في بعض الأمور، من مواد أو قراءة بعض التفاصيل عن معطيات التقارير؛ إذ أن ذلك يثير مخاوف المفحوص ويزيد من قلقه، مما يخلق لديه وسائل دفاعية تجعله يقاوم عملية التفاعل، أو تدفع به الى الموت أو التحفظ في طرحه للمشكلة، وتداعيه للأفكار والمشاعر.
وكذلك على الفاحص أن يكون منتبهاً الى مظهره وسلوكه، فلا يكون مهملاً، أو متحفظة جامدة (مهيباً لأن ذلك يشعر المفحوص بالسلطوية)، أو إنفعالية، مما يربك المفحوص، لأنه يكون قلقة نفسية بشكل مسبق لموقف الفحص. على الفاحص أن يكون عادية قدر الإمكان.
على كُل، على الفاحص أن يكون مستعدة كلية لبدء عملية التفاعل حين استقبال المفحوص، وأن يشعره أنه متفرغ له ومستعد لسماعه والإصغاء إليه والتجاوب معه، على الفاحص أن ينتبه تماما للانطباع الذي تتركه تصرفاته. خلال المقابلة - على المفحوص لما لها من تأثير عليه وعلى ردود فعله أثناء الفحص. أي على الفاحص أن يقيم علاقة تفاعلية جيدة توحي بالثقة والطمأنينة وأن يكون طبيعية أو عادية في تصرفاته وممارسته للعمل.
3- بعد أن يتم اللقاء النفسي:
يتعين على السيكولوجي أن يعرف المفحوص عن معنى الفحص والغاية منه، دون تزييف، ولكن ضمن حدود احتمال المفحوص لهذه الصراحة؛ إذ أن غاية الفحص هر اكتشاف إمكانات الفرد وقدراته، وبالتالي، مساعدته للوصول إلى مستوى مناسب من التوافق النفسي والاجتماعي، مما يساعده على متابعة حياة مشبعة وفعالة.
شروط القياس النفسي
يحتل الاختبار النفسي (الرائز) Test مكانة هامة في الفحص النفسي، وهو يشكل أداة أساسية في ممارسة الأخصائي النفسي، أن الاختبار شروطا وقواعد ينبغي الالتزام بها أثناء التطبيق بغية الحفاظ على موضوعية الممارسة.
ولذلك، ينبغي على الفاحص أن يتبع الشروط الموضوعية لتطبيق الاختبار، ويهدف استخدام الاختبار الى الحصول على معلومات هامة عن شخصية المفحوص، إمكانياتها، قدراتها وديناميتها. وتعتبر هذه المعلومات معطيات أساسية بيني الفاحص على أساسها استنتاجاته وتشخيصه للحالة.
وهناك بعض الاعتبارات التي ينبغي على الفاحص أن يراعيها أثناء تطبيق الاختبار وهي:
١- المعرفة التامة بطبيعة كل اختبار، ومدى ملاءمته لقياس السمة التي تريد قياسها.
فهناك الكثير من الاختبارات المتشابهة التي تقيس الذكاء العام، بعضها لفظي والآخر عملي، بعضها فردي والآخر جمعي، ومنها أيضا ما يقيس الذكاء اللفظي، ومنها ما يقيس القدرة على التجريد، ومنها ما يقيس الأداء العملي... ولذلك يتعين على الأخصائي النفسي أن يكون ملما الأمة وافية بطبيعة الاختبارات للتأكد من صلاحية كل منها لقياس الظاهرة التي يريد قياسها وصلاحيتها لمستوى الفرد الذي سيطبق عليه من حيث مستوى سنه ومستوى تعليمه أو ثقافته وإطاره الاجتماعي - الحضاري.
۲- تختلف الاختبارات فيما بينها من حيث المدى التي تفرضها على استجابات المفحوص. فهناك اختبارات لا تسمع إلا بإجابات معينة: نعم، لا (الاستبيان)، وأخرى تفسح المجال للمفحوص أن يظهر الكثير مما لديه من نخيل وابتكار، مثل الاختبارات الاسقاطية (روشاخ)، وتفهم الموضوع. لذلك ينبغي على الفاحص التأني في اختيار الاختبار المناسب ومدى توافقه مع الظاهرة التي يريد دراستها أو قياسها.
نستنتج من ذلك، أنه ينبغي على الفاحص أن يلمّ كلياً بالاختبار وأن يعرف طبيعته، وحدوده، وأهدافه، وأوجه الصعوبة والسهولة فيه.
هوامش مرجعية:
(۱) مصطفى حجازي - الفحص النفساني - دار الطليعة - بيروت ۱۹۷۹ - ص ۱۷ - ۱۸.