يتعلق بهذا
مقدمة في حركة القياس النفسي:
يُعرف علم النفس بأنه «العلم الذي يهدف إلى وصف وشرح السلوك، فهو يسعي عن طريق الملاحظة الدقيقة والقياس والتجربة والممارسة الى تزويدنا بالمعرفة التي تساعد على فهم سلوك الإنسان، وأسباب هذا السلوك».
وعلم النفس بوصفه تكنولوجيا يهدف إلى التوصل الى طرق للتنبؤ عن السلوك وضبطه، فهو بذلك يسهم في تحقيق أهداف التعليم والصناعة والإدارة والصحة العقلية...
وعلم النفس بوصفه مهنة، فيمكن تعريفه عن طريق ما يقوم به الشخص الذي يتخذ علم النفس مهنة.. عن طريق مساعدة شخص له مشكلات معينة، سواء كان هذا الشخص فردا مريضاً أو سوياً، أو مؤسسة أو جماعة، وذلك بغرض تحقيق أهداف هذا الشخص، وهو في سبيل ذلك، يستخدم الطرق والأدوات والأساليب التي تقدمها «التقنيات النفسية» ، من تشخیص وتنبؤ وعلاج.
من هو الأخصائي النفسي الإكلينيكي؟
والأخصائي النفسي الإكلينيكي هو الذي يستخدم الأسس والتقنيات والطرق والإجراءات السيكولوجية، والذي يتعاون كلما إقتضى الأمر ذلك، مع غيره من الإخصائيين في الفريق العيادي مثل الطبيب والأخصائي الإجتماعي، كل في حدود إعداده وفي إطار من التفاعل الإيجابي، بقصد فهم دینامیات شخصية الفرد وتشخيص مشكلاته والتنبؤ عن إحتمالات تطور حالته ومدى استجابته لمختلف أنواع العلاج ثم العمل على الوصول بالفرد إلى أقصى توافق اجتماعي - نفسي ممكن.
ما هي حركة القياس النفسي؟
وتعتبر حركة القياس النفسي Psychométrie إحدى المنابع الرئيسية لعلم النفس الإكلينيكي أو القياسي.
ويدين القياس النفسي بوصفه أداة من أدوات علم النفسي الإكلينيكي الي «جالتون» الذي كان من أوائل من حاولوا تطبيق أسس التطور في دراسة الأفراد.
إن اهتمام «جالتون» بدراسة الفروق الفردية يمثل أول حركة سيكولوجية نظامية نحو الاهتمام بدراسة تفرد السلوك..
إلى أن أصبح الفرد مادة مناسبة للدراسة السيكولوجية، وقد أدى الاهتمام بدراسة الفروق الفردية إلى الاهتمام بدراسة السلوك المنحرف عن المتوسط في التوزيع الاعتدالي، ومن ثم إلى دراسة الشواذ والمرضى وطرق العناية بهم.
كما أدى الاهتمام بدراسة الفرد الى دراسة التفاعل بين مختلف العوامل «الداخلية» و «الخارجية» وعوامل التنشئة والنمو وعلاقاته بالآخرين، وغيرها من العوامل التي تسهم في تشكيل نمطه الخاص.
"كاتل" ومصطلح الإختبار العقلي:
وقد كان «كاتل» ، أول من استخدم مصطلح «الاختبار العقلي» عام 1890. وكان كاتل يلّح على ضرورة تقنين إجراءات تطبيق الإختبار وإعداد جداوله المعيارية. وكان هو و«ثوراندیك» و «ودورث» من الرواد الأوائل في دعم الاتجاه الجديد في علم النفس وهو العناية بالتحليل الإحصائي في دراسة الفروق الفردية - وكانت معظم البحوث تتركز حول: «زمن الرجع» وحول الوظائف الحسية - الحركية البسيطة، فتعد لقياسها إختبارات خاصة بها، وذلك على أساس الافتراض بأن العمليات العقلية العليا يمكن فهمها عن طريق تحليلها إلى مكوناتها الأولية الحسية – الحركية.
"بيئية" والحاجة إلى قياس الذكاء:
وكان «بيئيه» أول من أشار عام 1895 إلى الحاجة في قياس الذكاء إلى إعداد إختبارات للعمليات العقلية الأكثر تعقيدة من العمليات الحسية - الحركية. وفي عام 1904 عينت وزارة التربية الفرنسية لجنة، من بينها بيئيه، لتقصي أسباب التأخر الدراسي. وقد نشر «بينيه» مع «سپمون» أول مقياس منهجي لقياس الذكاء عام 1908 وكان يتكون من 30 سؤالاً مرتبة حسبها صعوبتها. وفي عام 1908 عدّل المقياس باستخدام مفهوم «العمر العقلي»، ثم عدّل مرة ثانية عام 1911، ثم أجري تعديل من قبل «ترمان» عام 1916 في جامعة ستانفورد، والتي استخدم فيها مفهوم «نسبة الذكاء». وقد أعيد تعديله بالإشتراك مع «ميريل»، الأولى، عام 1937، والثانية، عام 1990.
تطور مفردات وعلم الإختبار النفسي:
لقد ساعدت هذه المحاولات على ظهور وتطور وصياغة مفردات الاختبار صياغة موضوعية، وعلى تحديد مفهوم الذكاء، وكذلك تحديد نسبة الذكاء عن الفرد.
لقد ساعدت محاولات "بيئيه" على ظهور وتطور العديد من اختبارات الذكاء واختبارات القدرات الخاصة، والاستعدادات الى زيادة الاهتمام باختبارات الميول والاتجاهات والقيم والتحصيل...
وكذلك ظهرت اختبارات الأطفال واختبارات الشخصية.. وفي مجال الشخصية، انتشر اختبار «بقع الحبر»، (روشاح) عام 1924، كما أعد «موراي» اختباره الإسقاطي «تفهم الموضوع».
ومن ثم ظهر عدد كبير من هذه الاختبارات وانتشر إستخدامها في المدارس لتصنيف التلاميذ وتوجيههم، وفي الصناعة والتوجيه، وفي العيادات والمستشفيات للتشخيص.
كما بدأ الإهتمام يتزايد، في النصف الأخير من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بالإنسان بوصفه كائناً دينامياً، كما بدأ يتزايد الوعي بدور العوامل النفسية في السيكوباثولوجية. وقد أخذ الأخصائي النفسي الإكلينيکی يواجه مشكلات الفرد ككل في تفاعلاته مع بيئته ومع الآخرين وفي تأثره بماضيه وحاضره وطموحاته للمستقبل.
وفي هذه الحال، يصعب أن يتحقق الفهم الشامل لمساعدة الفرد في إطار أرقام يحصل عليها من اختبارات الذكاء وغيرها من الإختبارات، مما دفع السيكولوجي الى الاهتمام بفهم السلوك الإنساني السوي واللاسوي في ضوء الدوافع، والحاجات، والنزوات... ويتمثل هذا الاتجاه الدينامي في عدد من المدارس أهمها «التحليل النفسي» الفرويدي، وكان «فروید» قد بنى في ضوء مكتشفاته مع المرضى نظرية «التحليل النفسي» التي تولي الدوافع اللاشعورية اهتماماً كبيراً .
إسهام التحليل النفسي في تطور علم النفس:
ولعل إسهام التحليل النفسي في تطوير علم النفس وعلم النفس العيادي خاصة يتمثل في تأكيد الأسباب النفسية الكثير من اضطرابات الشخصية، كما يتمثل في تقديم نظرية دينامية شمولية لفهم الشخصية الإنسانية، وطريقة لدراسة العمليات النفسية وللعلاج.
فضلا عن تأثير التحليل النفسي في إعداد وتفسير بعض الاختبارات النفسية، وبخاصة الأساليب الإسقاطية. وقد قدم التحليل النفسي آفاقا ومفاهيم جديدة مثل: اللاوعي، خبرات الطفولة، بنية الجهاز النفسي (الهو، الأنا، الأنا الأعلى) ودور النزوات الجنسية ومختلف آواليات حلّ الصراع... في فهم المكنونات الداخلية للفرد.
وكان من نتائج تلك العوامل أن إزداد عدد الأخصائيين النفسيين العياديين في مؤسسات ضعاف العقول، وفي المدارس وفي المستشفيات العقلية، وعيادات توجيه الطفل، وغيرها من المؤسسات التي تعمل على حل مختلف المشكلات النفسية التي تواجه الإنسان.
ما هي القياسات النفسية ووسائلها؟
- القياسات النفسية Psychométrie طرق تسعى الى فهم ومعرفة شخصية الفرد أومعرفة الإنسان لبعض الجوانب من شخصيته وسلوکه وقدراته العقلية، وذلك من خلال الدلالات الكمية المعبرة عنها، بالإضافة الى التحليل الكيفي لنتائج الاختبار.
وقد سُميت الوسائل ب «المقاييس النفسية» وذلك إشارة إلى قدرتها على تحديد الظواهر النفسية، وعلى إعطاء صورة بيانية كمية عنها.
وقد استعملت هذه المقاييس بهدف تحديد مدى تحصيل الفرد في الدراسة، أو بهدف نوعية الإستعداد عنده بالنسبة لقدرات معينة، أو تحديد بعض الصفات في شخصيته... وبذلك أصبحت عملية القياس النفسي نوعا من الإختبار يخضع له الفرد وتكون نتيجة تقوية لقدراته العقلية أو تقويما لأوجه شخصيته المختلفة.
وعلى هذا الأساس، عرفت هذه المقاييس ب «الإختبارات النفسية». هذه الإختبارات أو «الروائز»، هدفها تفسیر و توضیح سلوك الإنسان وشخصيته.. فمنها ما خصٍّص لقياس قدراته العقلية.. ومنها للكشف عن الجوانب المختلفة في شخصيته.
وغير أن الروائز أو الإختبارات ترتبط بشروط معينة بالنسبة لكيفية إستعمالها.. وبالنسبة التكوين هيكليتها الأساسية، وإعدادها للهدف المنشود، وتسمى هذه الشروط بالتقنيات.