لا فوائد تذكر على الإطلاق للاعتذار لشخص لا يرغب بحق في سماع كلمة واحدة أخرى منك.
كانت هناك شبهات تحوم حول علاقة امرأة تدعى ليزا مع زوج صديقة لها، تدعى ’سيلينا ؛ التي كانت صريحة مع ’ليزا ، وأخبرتها بأنها لا تود أن تربطها بها أية علاقة بعد الآن. وبالفعل، صرفت ’سيلينا ’ليزا عن رأسها وفكرها، بقدر ما استطاعت، وحاولت مع زوجها إصلاح زواجهما بعد أن انتشرت رائحة هذه العلاقة.
وبعدها بعدة سنوات، وبينما كانت ليزا تخضع لبرنامج الاثنتي عشرة خطوة العلاجي في مجموعة الكحوليين المجهولين، شجعها راعي البرنامج على تفقد أفعالها السابقة؛ إذ ربما ألحقت ضررا بشخص ما، ونصحها بأن تتصل بهذا الشخص هاتفا، وتصلح أخطاءها بشكل مباشر. وبالفعل حمدلت ليزا على رقم هاتف سيلينا من أحد المعارف المشتركين بينهما، وتركت لها رسالة صوتية تخبرها فيها بأن وجود شبهة حول علاقة لها بزوجها في الماضي كان أسوأ خطأ اقترفته في حياتها على الإطلاق، وأنها تود مقابلتها لتتناولا القهوة متا كي تصلح الأمر، وتروي لها ما حدث من جانبها.
وقد أعاد سماع صوت ليزا على الهاتف فتح جرح وأيقظ طلبها في داخلها كل مشاعرها المضطربة التي عطت جاهدة على تبديدها. وهاتفتها ليزا مرة ثانية، تاركه لها الرسالة نفسها، وأضافت قائلة: أظنك إن عرفت ما جرى من جانبي، فستسامحينني. ولما قررت سيلينا ألا تجيب عن رسائل ليزا الصوتية، وهو قرار صائب، أرسلت إليها ليزا خطابا يشرح ما ورد في الرسائل الصوتية تقريبا، لكن سيلينا ألقت به دون فتحه في سلة القمامة؛ فقد شعرت بأن إصرار ليزا على دخول حياتها مجددا تعد آخر.
كانت ليزا تحتاج بحق إلى مسامحة نفسها، لكن لم يكن يجب أن تتضمن عملية الصفح الذاتي لها الاتصال ب سيلينا؛ فالغرض من الاعتذار هو تهدئة الطرف المجروح وطمأنته، لا تأجيج مشاعره، وملاحقته نتيجة ما لديك من دافع إلى التواصل معه، وتبرير موقفك، وخفض مستوى شعورك بالذنب، أو تعزيز عملية تعافيك. وقد كانت الخطوة التي تتبعها ليزا في برنامج مجموعة الكحوليين المجهولين تشجع على التكفير عن الأخطاء إن كانت فقط لن تؤذي الطرف المجروح، أو أي أطراف أخرى، لكن ليس بمقدور الجميع معرفة الفارق بين الأمرين. المزيد من الاعتذارات الواهية والمبالغ فيها التي تدمر العلاقات تماما
قالت لي ابنة أختي: كم كنت أتمنى لو كان بإمكانك أن تستمعي إلى تسجيل صوتي لزميلتي القديمة، التي تعتذر باستمرار عن أشياء عابرة لا تحتاج إلى اعتذار؛ فتجبر الطرف الآخر في المحادثة على قول أشياء من قبيل لا، ليس هناك داع للاعتذار، لا بأس، بدلاً من التحدث بشأن أي شيء آخر يريده .
إذا كان هناك بعض الأشخاص لا يستطيعون التفوه بعبارة: أنا آسف، فهناك آخرون - معظمهم من النشاء - يعتذرون بإفراط. ولقد تربت نشاء جيلي على الشعور بالذنب إن لم يستطعن أن يكن في خدمة الآخرين من الناحية العاطفية؛ لذلك ربما نكون نحن النساء سريعات الشعور بالمسئولية تجاه كل شيء. وكما تقول الممثلة الكوميدية، والكاتبة إيمي بولر : ’تحتاج المرأة إلى سنوات للتخلص مما تعلمت أن تتأسف لأجله ولدى صديقة في كاليفورنيا تعتذر كثيرا جدا لدرجة أنني - في قرارة نفسي - أود ركلها. وفي أخر مرة تقابلنا في مطعم مع أصدقاء آخرين، اعتذرت خمس مرات (نعم، لقد أحصيت عدد المرات التي اعتذرت فيها) قبل أن يأتي لنا النادل بالمقبلات.
وكانت اعتذارات صديقتي على النحو التالي: يا إلهي! أنا آسفة، هل كنت تريدين الجلوس إلى جوار النافذة؟ ، و: أوه، لقد قاطعتك، أنا أسفة، تابعي من فضلك، و: يا إلهي! هل هذا طبقك؟ أنا أسفة، و: يا إلهي أنا أسفة، هل كنت على وشك أن تطلبي الطعام؟ ، وحين كنا نسير على رصيف المشاة الضيق، كثيرا ما كنا نصطدم معا، لأجد صديقتي تعتذر مرة أخرى، قائلة: يا إلهي! أنا أسفة، على الرغم من أنني أنا من صدمها؛ حيث كنت أنا الأقل خفة في الحركة. أنا متأكدة أنني لو كنت قد اصطدمت بها لتسقط عن الرصيف، وتطرح أرضا، لكانت ستنظر إلى، وهي منبطحة، وتقول لي: يا إلهي! أنا آسفة’’.
ربما كنت أشعر بالحنق من صديقتي؛ لأنني فتاة حادة المزاج من نيويورك،أما هي فمن أهل الجنوب الذين تربوا على الأخلاق الحميدة؛ حيث كانت تبقي بعض الطعام في طبقها بعد كل وجبة كما توصي قواعد الذوق. وكانت تنطق كل اعتذار من اعتذاراتها بطريقة مهذبة ومتعمدة؛ فتظن أنها تخرجت في مدرسة آداب السلوكيات والاعتذار، وهي ملحوظة لم أستطع منع نفسي من إخبارها بها؛ حيث إن صداقتنا بدأت منذ المرحلة الجامعية، وهي تعلم كم أحبها. ويعجب البعض بذوقها وأخلاقياتها، لكن اعتذاراتها كثيرة للغاية.
تتعرض أيضا أكثر النساء تأييدا لحقوق المرأة لهذه المشكلة؛ فقد كتبت الأديبة النسائية ماجي ويلسون : ' كان على تدريب نفسي، على مر السنوات، على محو الاعتذارات من كل رسالة إلكترونية أكتبها تتعلق بالعمل، وإلا كانت كل واحدة منها ستبدأ بعبارة أنا أسفة على التأخير ، أو أنا آسفة على خلط الأمور ، أو أنا أسفة على أي شيء ٠
احترس من المبالغة في تقديم الاعتذارات عديمة القيمة، وادخر اعتذاراتك لتقديمها في المواقف التي تستحق. ماذا عن المبالغة في الاعتذار؟
ما الدافع وراء المبالغة في الاعتذار؟ لا يمكننا تحديد سبب بعينه، لكنه قد يكون ناتجا عن تدني مستوى الثقة بالنفس، أو الشعور بعدم الاستحقاق، أو رغبة لا شعورية في تجنب أية احتمالية للتعرض للنقد، أو الرفض، حتى قبل أن تحدث، أو رغبة في استرضاء الآخرين وإسعادهم، أو شعور دفين بالخزي، أو رغبة في إظهار كم أنت حسن الأخلاق، أو قد لا تكون عبارة: أنا آسف سوى لازمة لفظية لدى الشخص، أو سمة أنثوية تنم عن التواضع، تكونت منذ زمن طويل، وأصبحت تصدر الآن بشكل تلقائي.
ليس من الضروري أن تعرف السبب وراء مشكلة ما كي تصلحها؛ فإذا كنت تبالغ في الاعتذار، فلتقلل من اعتذاراتك؛ على سبيل المثال، إذا نسيت إعادة وعاء السلطة لزميلتك، فلا تعتذري عدة مرات، كأنك دعست قطتها. وتخلق المبالغة في الاعتذار مسافة في العلاقات، كما تعرقل سلاسة سير المحادثة؛ وهنا سيزعج أصدقاءك، ويصعب عليهم أيضا الاستماع إليك عندما تقدم إليهم اعتذارا مستحقا.
الشعور المبالغ فيه بتأنيب الضمير يتضمن جزء من الاعتذار الحقيقي إظهار التعاطف والندم، وإذا لم يشتمل اعتذارك على هذه المشاعر الصادقة، فقد يبدو اعتذارا أليا وغير صادق، لكنه من...