يتعلق بهذا
قد يتطلب خوض محادثة بهدف الاعتذار عن شيء فعلناه في الماضي، ونتمنى لو كنا قد فعلناه بطريقة مختلفة - يتطلب قدرا هائلاً من الشجاعة. فربما لا نود أن نكون متطفلين، أو أننا قلقون بشأن كيف سيقابل اعتذارنا، وماذا سيحدث بعد ذلك، وإذا لم يذكر الطرف الآخر الموضوع، فربما نفترض أ علينا ألا نفعل أيضا، لكن كما توضح قصة مارجريت، من الأفضل أن نترك الباب مفتوحا أمام مناقشة أفعالنا السابقة التي نندم عليها الآن.
لدى "مارجريت" ابنة تدعى "إلينور"؛ وهي أرملة، توفي ابنها الثاني‘ "كريستيان" ، عن عمر ستة عشر يوما؛ إذ لم يغادر المستشفى منذ ولادته.
وقد كانت مارجريت متعاونة جدا من الناحية العملية؛ حيث كانت تعتني بابن إلينور ذي الأعوام الثلاثة، وتنجز أعمال المنزل طيلة الأسبوعين اللذين أما على الجانب العاطفي، فلم يكن لـ مارجريت أي دور، وقد كانت تتعامل مع صعوبات الحياة بـ "سلاسة" وكانت حكمتها المفضلة لا تقلق، وتقدم بخطى ثابتة . وكانت مارجريت تحب ابنتها بدرجة هائلة، لكنها لم تكن ترغب في أن يغمر الحزن ابنتها، ويتملك منها، كما أرادت أن تتجنب ألمها الدفين, الذي كانت تشعر به؛ فعجزت عن التعبير عن مدى حزنها، أو عن السؤال عن حال ابنتها بعد هذه الخسارة الفادحة؛ وذلك كي تحمي نفسها وابنتها من الألم، فكانت في المرات القليلة التي ترى فيها ابنتها تبكي، أو مكتئبة، تقول لها أشياء من قبيل: ابنك يحتاج إليك، كوني قوية من أجله.
وبعدها بعقد كامل، ولد ابن زميل "مارجريت" في العمل – "خورخيه" - ميثا، وطبعا أيقظ الحدث حزن مارجريت الدفين لفقدانها حفيدها كريستيان، وذكرها بالحياة التي لم يحظ بها قط. وحين لاحظت الكم الهائل من الحب الذي تلقاه خورخيه وترحيبه بالاهتمام الذي أبداه الآخرون تجاهه، تحرك شيء ما في نفسها، وسألت نفسها للمرة الأولى إن كانت قد ساندت ابنتها على أفضل نحو في فترة حزنها لموت "كريستيان" المأساوي.
وبعدها بوقت قصير قرأت مارجريت مقالاً عن الموت المفاجئ في الصفحة الأولى للصحيفة المحلية؛ ففوجئت بنفسها تستجمع شجاعتها، وتسأل "إلينور" إن كانت قد قرأت المقال، كما قالت لها إنها كانت تفكر في كريستيان طوال الوقت، وتابعت قائلة إنها ندمت لأنها لم تظهر مشاعرها مطلقا؛ لأنها لم تكن تعرف ماذا تقول، ولأنها كانت خائفة من أن تجعل حال ابنتها أكثر سوءا. كذلك قالت لابنتها إنها آسفة؛ لأنها لم تفسح المجال بينهما للحديث بشأن مثل هذه المسألة بالغة الأهمية، والحدث الأسوأ الذي جرى لهما في حياتهما.
وكان رد إلينور في البداية متوقعا؛ فقد قالت لأمها بفتور: لم يكن هناك ما يمكنك فعله؛ فليس ما جرى بالشيء الذي يمكن إصلاحه، لا تقلقي؛ فقد كانت إلينور تشبه أمها إلى حد بعيد.
و كثيرا ما يكون الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في الاعتذار، هو ما يجري بعد تقديمه؛ فلم تفتح كلتاهما الموضوع ثانية، لكن مارجريت أخبرتني بأنها بعد أن تلاشى شعورها الأولي بالارتباك، شعرت بتحسن بعد أن تحدثت عما يجيش به صدرها. وبعدها بأشهر، مع اقتراب الذكرى السنوية لوفاة كريستيان ، شعرت برغبة في زيارة قبره، واصطحاب بعض الزهور‘ ولم تكن قد زارت القبر منذ الجنازة. وأخبرت إلينور بشكل عابر بأنها تريد الذهاب؛ فأجابتها بنبرة جافة بأنها قد خططت بالفعل للذهاب إلى هناك، وأنه بإمكانهما الذهاب معا إن أرادت مارجريت أن تذهب معها في سيارتها .
لم تعرف "مارجريت" أن "إلينور" تزور القبر موتين في العام طيلة السنوات العشر الماضية، إلا وهما في الطريق. ولما وقفتا أمام قبر كريستيان الصغير، فجأة أجهشت "مارجريت" بالبكاء، وقد أدهشها تماما تدفق عواطفها بهذا الشكل؛ لأنها لم تبك لوفاة كريستيان مطلقا، ولا لأي شيء آخر تقريبا. وما هو أكثر إدهاشا أن إلينور قامت بلف ذراعيها حول أمها، وراحتا تبكيان معا.
بدا الاعتذار في حالة مارجريت مخاطرة كبيرة؛ فلقد نشأت في عائلة كانت البهجة فيها أحد المشاعر القليلة المسموح بها، وكان التحلي بالكفاءة، والاستقلالية (بمعنى عدم الاحتياج إلى أحد على الإطلاق) من الأمور المستحبة. وكان اعتذارها يتطلب منها إعلان ضعفها، والقفز إلى المجهول بينما لم يكن لديها نموذج نقتدي به في هذه المسألة؛ لذلك احتاج منها سلك مسلك جديد إلى قدر عظيم من الشجاعة.