نقدم أبسط طريقة اعتذار بقول أنا آسف - وهي الأسهل في قولها - عندما لا يكون أي من الأطراف قد اقترف خطأ تجاه الآخر؛ ومن ثم، فإننا لا ننطق بهاتين الكلمتين من قبيل الاعتذار، لكن بالأحرى كنوع من التقمص العاطفي لألم الطرف الآخر، (كأنك تقول له من خلالها: أنا آسف جدا لمرورك بكل هذا )، أو نقولها في موقف تسبب للطرف الآخر في الضيق، (فتكون بمنزلة قولك: أنا آسف لأنني تأخرت، لكن حادث سير على الطريق السريع تسبب في تعطل الحركة المرورية) . وهنا تعد عبارة أنا أسف بمنزلة اعتراف بأن الطرف الآخر قد شعر بالانزعاج، ومر بوقت صعب، ومن ثم فإننا نرغب فى إعلامه بأننا نهتم بأمره.
ويتطلب قول عبارة أنا آسف في كثير من المواقف القليل من الجهد نسبيا، لكن عدم تقديمها ليس بالأمر البسيط حتى نغفل عنه؛ فالحياة صعبة، ويمكن لأبسط التعاملات مع الغرباء، ولو لحظات وجيزة، أن تنعش يومك، أو تفسده عليك. و لا يعني هذا أن تنتابك نوبة اكتئاب شديدة؛ لأن سيدة في متجر البقالة صدمتك بعربة مشترياتها، وهرعت بعيدا ربما دون أن تنظر وراءها . وقد تفترض أنها لم تعتذر لك؛ لأنها لا تكترث لذلك، أو بدلاً من ذلك، أنها كانت مشغولة البال جدا، أو كانت تشعر بإحراج شديد، لدرجة أنها لم تستطع التحدث إليك وجها لوجه. لكن أيا ما كانت أسبابها، فإن الموقف مزعج، وسيظل الشعور بالانزعاج داخلك. وأحيانا يصدمنا عدم تقديم الطرف الآخر اعتذارا، عندما يتعين عليه ذلك، صدمه أكبر من تلك الصدمة التي يتسبب فيها الفعل الذي يستوجب الاعتذار.
الانتظار وقتا طويلاً في غرفة الفحص عندما تهمك العلاقة التي تجمعك بشخص ما، يمكن لعدم النطق بعبارة أنا آسف قطع التواصل، حتى عندما يكون واضحا لكلا الطرفين أنه لا أحد مسئول عن التصرف السيئ الذي .جرى؛ وهو ما حدث مثلاً مع إحدى المترددات على عيادتي، وتدعى "يولاندا" ، التي جلست على طاولة الفحص الباردة، مرتديه رداء المستشفى الخفيف، بانتظار الطبيبة التي تأخرت قرابة الساعة.
وأخبرتني "يولاندا" ، وهي مستاءة بشكل واضح، قائلة: وأخيرا أتت الطبيبة،ولم تقل شيئا، ولا كلمة اعتذار بسيطة؛ فشعرت بأنها لا تقدرني كإنسانة، وغضبت بعدها من نفسي؛ لأنني مفرطة الحساسية هكذا إن تأنيب الذات عند الشعور ب "فرط الحساسية" طريقة شائعة لدى النساء، على وجه الخصوص، لسلب أنفسهن الحق المشروع في الشعور بالغضب والجرح. فإذا كنت تتردد على غرف الفحوص الطبية، فإنك تعلم أن المرضى يكونون حساسين، ولا تعني حقيقة شعور البعض بأنهم أكثر حساسيه من غيرهم في مواقف معينة، أنهم ضعاف أو ذوو قيمة أقل، بأي شكل من الأشكال.
لم تأخذ "يولاندا" مسألة الانتظار طويلاً على محمل شخصي، ولم تكن تشك في أن طبيبتها كانت مختبئة، تلعب ألعاب الفيديو، أو أنها كانت مشغولة بإرسال رسائل نصية إلى صديقاتها، لكنها ببساطة أرادت أن تسمع عبارة أنا آسفة لأم انتظرت طويلاً؛ فقد احتاج مريضي السابق إلى وقت أطول من الذي حددته. فكان عدم قيام طبيبة "يولاندا" ولو بالتعليق على تأخرها بمنزلة شرخ في علاقتها بشخص تعتمد عليه بدرجة كبيرة، وكان مجرد كلمة أنا آسفة ستشعرها باحترام طبيبتها لها، واهتمامها بأمرها، وبأن لها قيمة.