لقد أصبحت رجل مبيعات عن طريق المصادفة.

قبل أن أنتهي من دراستي في المرحلة الثانوية، حضرت حفلاً موسيقياً لفريق الروك أند رول الرائع، وايت سنيك، في صالة عرض النصب التذكاري للمحاربين القدامى في مدينة كولومبوس، بولاية أوهايو. لقد كنت في السابعة عشرة من عمري، وقد انبهرت بالطريقة التي استجاب بها بعض الجمهور للمغني الرئيسي ديفيد كفردايل ، فاتصلت بأخي الأكبر ’مايك بعد العرض، وقلت له يجب أن نشكل فرقة موسيقية لعزف الروك أند رول على الفور.

وأبلت فرقتنا الصغيرة بلاء حسناً، وفي خلال بضع سنوات، كنا نقدم عروضاً في أفضل النوادي في كولومبوس- وفي سن الحادية والعشرين كنت أبحث عن النجومية، فذهبت إلى لوس أنجلوس عازماً أن أصبح المغني الرئيسي في فرقة هارد روك جديدة، ولكنني احتجت إلى وظيفة بالنهار لتلبية احتياجات المعيشة. وبما أنني قد عملت في السابق في شركة عائلتي للتوظيف المؤقت كوكيل توظيف، فقد حصلت على وظيفة للعمل في شركة توفر العمالة المؤقتة لكل أنواع الشركات في لوس أنجلوس.

وبعد أن عملت في شركة التوظيف عدة أشهر، سافر المدير الذي عينني إلى نيويورك لظروف عائلية طارئة، وانتهت بي الحال مع مدير جديد، وهو آخر شيء قد يرغب فيه أو يحتاج إليه أي شخص. وفي خلال الأسابيع الأولى تجاهلني المدير الجديد تماما، وكان مكتبي صغيرا، حيث كنت أجري مقابلات مع المرشحين للعمل في المستودعات، وقد كان شعري يتدلى حتى خصري، ولم أرقه له على الإطلاق في الغالب، فلم أبد حتما شخصا قادرا على مساعدته على تطوير الفرع الذي كان مسئولاً عنه الآن.

ثم في يوم من الأيام اقترب مني، وسألني؛ ما الذي يقوم به مندوبو المبيعات؟ . فلم أفهم السؤال، ورددت عليه بإجابة سخيفة؛ حيث أخبرته بأنهم يزورون الشركات ويعقدون الصفقات.

وبنفاد صبر أعاد صياغة سؤاله قائلاً: ما الذي يقوم به مندوبو المبيعات الذين يعملون لدينا في الشركة؟

وفجأة فهمت المغزى من سؤاله. لقد كان يعتقد أن مندوبي المبيعات الثلاثة في شركتنا لا يقومون بعمل كافر، وقد كان محقاً في هذا، لكنني لم أتفوه بالكثير؛ لأنني لم أرد أن أشي بزملائي في العمل. ولم أكن أعرف هذا في حينها، ولكن خلال شهر كان سيغادر الشركة مندوبو المبيعات الثلاثة هؤلاء.

وأنا على يقين بأن مديري الجديد أبقاني في العمل؛ لأنه كان مدركا أنني كنت مجتهدا في عملي، فلم أكن أحضر طلبيات فقط، بل كنت أبيع أيضاً، وأكسب عملاء جدداً، على الرغم من أنني لم أكن لأسمي ما كنت أقوم به بأنه مبيعات على الإطلاق.

وبعدما طرد مديري فريق المبيعات كله لعدم رغبته في الخروج والبيع، تحدث معي مرة أخرى، ولكن هذه المرة أعطاني ورقة تحمل أسماء بعض عملائنا، وسألني: "لمن هؤلاء العملاء؟". فأجبته قائلاً: هم عملائي.

ثم سألني: كيف تسنى لك الحصول على هؤلاء العملاء؟ ، وكانت نبرته انتقادية إلى حد ما، وكنت أعرف أنه كان يقصد كيف يمكن لشخص مثلك أن يحصل على هؤلاء العملاء؟ .

أجبته قائلاً: لقد أخذت الهاتف، وبدأت الاتصال بالناس؛ لكي أرى إذا كان يمكنني مساعدتهم، وبعضهم قال نعم، فقمت بزيارتهم، وبعضهم أعطاني تلك  لقد بدأت مسيرتي المهنية وأنا أعمل في مشاريع صغيرة، قمت بالشيء الذي تعلمته، وهو الجمع بين أكثر من وظيفة في الوقت نفسه؛ فعندما لم أكن أجري مقابلات للمرشحين، كنت أكلم الشركات التي تحتاج إلى عمالة مؤقتة؛ لأرى ما إذا كان من الممكن أن نقدم إليها مساعدة.

لقد ظن مديري الجديد أنه قد وجد مندوب المبيعات الجديد المنشود: أنا، ولكنني لم أكن مهتماً. في الحقيقة لقد رفضت أن أدخل مجال المبيعات، معتقداً أن المبيعات كانت شيئا تقوم به لشخص ما، وليس من أجله، أو معه، وبالتأكيد، فهذا لن يفيد الطرف الذي يباع له.

ولكنني وجدت نفسي أمام حائط سد، فمديري الجديد هددني بأنه سوف يطردني من العمل إذا لم أقبل العمل في المبيعات الخارجية. وقد كنت قلقاً من أنني لن أجد عملاً آخر إذا تم فصلي من العمل، وخائفاً من فكرة الاضطرار إلى العودة إلى كولومبوس، فقبلت على مضض وظيفة مسئول عن حسابات العملاء.

ولحسن الحظ كان مديري معلماً ومدرباً عظيماً، فقد ذهب معي في زيارات المبيعات إلى العملاء، وذهبت معه في زياراته، وسرعان ما رأيت أنه لم يكن هناك شيء مخادع، أو يحقق منقعة شخصية في أي ما كان يقوم به. لقد كان كل شيء متعلقاً بإيجاد طريقة لمساعدة العميل، وبمجرد أن اكتشفت أن مجال المبيعات متعلق بمساعدة الناس على الحصول على النتائج التي لم يكونوا ليحققوها دون مساعدتي، بدأت أحب اللعبة. ومعاً قمنا بزيادة عدد ساعات الإنتاج من ٢٠٠٠ ساعة إلى ٢٢ ألف ساعة في الأسبوع في الفرع، حتى أصبح واحداً من أسرع فروع الشركة نموا وأفضلها في الولايات المتحدة.

لقد علمت في مجال المبيعات، وكنت قائد فرقة لموسيقى الروك حتى عام ١٩٩٢. وعندما أصبت بنوبة صرع كبرى بينما كنت أصعد سلم شقتي في منطقة برينتوود انتهى بي الأمر عائدا إلى كولومبوس، حيث عزفت عدة سنوات أخرى، ولكن الموسيقى الغاضبة الحزينة الصاخبة التي قدمتها كل من فرقتي نيرفانا وبيرل جام قتلت في داخلي حب موسيقى الروك الاعتيادية التي قدمها المغنون أصحاب الشعر الطويل.

وعلى الرغم من أن مسيرتي المهنية في العمل في فرقة غنائية لموسيقى الروك كانت على وشك الانتهاء، كانت مهنتي في مجال المبيعات على وشك البدء، وكنت متردداً في البداية في العمل بها، وتبين أنني أحب المبيعات أيضاً؛ لأنها سمحت لي بأن أكون مبدعاً، وأساعد على حل مشكلات حقيقية في مجال الأعمال.

و بمجرد إدراكي أن مستقبلي يكمن في مجال المبيعات، بدأت دراسة المجال بجدية، وفي البداية درست لكي أصبح مندوب مبيعات أكثر احترافاً ونجاحاً.
وبعد ذلك درست لكي أصبح قائداً أكثر تأثيراً وفاعلية لفرق المبيعات، والآن أنا أدرس لكي أساعد قادة المبيعات الآخرين على تحسين أداء فرق المبيعات الخاصة بهم، وحتى وقت كتابة هذا الكتاب قمت بدراسة المبيعات لأكثر من عقدين ونصف العقد.

وعلى مدار السنوات، قرأت مئات الكتب عن المبيعات، واستعرضت كل المفاهيم الأساسية والإستراتيجيات والوسائل والتقنيات في هذا المجال، وذلك غالباً من خلال التواصل مع الأشخاص الذين توصلوا إلى هذه المفاهيم والإستراتيجيات. وقد سنحت لي الفرصة أيضاً بأن أطبق تلك الأفكار على أرض الواقع بنفسي، وفي السياق الأوسع نطاقاً من خلال المؤسسات العاملة في مجال المبيعات.

ومنذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها، كنت دائم البحث عن إجابة لسؤال واحد محوري، وهو: لماذا هناك عدد قليل من مندوبي المبيعات ممن يحققون نجاحاً باهره اً ويتفوقون في الأداء باستمرار على أقرانهم؟ وهم بالفعل يتفوقون‘ ونرى جميعاً ذلك؛ فنحن جميعاً نعرف أن مندوبي المبيعات الذين يقدمون أداء متميزا، يبيعون سلعاً مغالى في قدر سعرها، لا تتوقع أن يقوم أي أحد بشرائها، بينما يفشل الآخرون في بيع سلع رائجة في أسواق رائجة. وفي هذه اللحظة ثمة أشخاص في شركات كبرى، مثل جوجل وأبل لا يحققون نسبة المبيعات المطلوبة، وهناك عدد لا حصر له ممن يبيعون أجهزة صناعية مملة، يحققون أرقاماً خيالية على الرغم من أنك لم تسمع بهم من قبل، ولا وبشركاتهم ومنتجاتهم.

ولذلك أسأل مجدداً: لماذا هناك عدد قليل من مندوبي المبيعات ممن يحققون نجاحاً باهراً ويتفوقون في الأداء باستمرار على أقرانهم؟ الإجابة ليست كما قد تتوقع، فالنجاح في المبيعات لا يرتبط بموقف معين.

وبعبارة أخرى، إنه لا يعتمد على المنتج الذي تبيعه، ولا حسابات عملائك، ولا منطقتك، وكذلك هو لا يعتمد على أسلوب البيع الذي تستخدمه، أو على المديرين التنفيذيين للمبيعات في شركتك. وبالطبع من الجيد أن تكون لديك منتجات عالية الجودة، وحسابات تتزايد باستمرار، وأسواق لم تخترق بعد، ومن المهم أيضاً أن تملك أسلوب بيع فعالاً، وقائدا ذكياً، يمكنك أن تعتمد عليه. وفي كل موقف رأيته في حياتي كان هناك مندوبو مبيعات ناجحون، وأخرون غير ناجحين- وللإجابة عن سؤالي بشكل صحيح، يجب أن تفهم مجددا أنه في مجالالمبيعات ليست العبرة بالموقف، ولكنها بالشخص ؛ فالنجاح في المبيعات يكمنفي داخلك أنت ، فأنت من يمسك الهاتف، ويتصل بالعملاء المحتملين، وتعرض عليهم أفكاراً أخرى جديدة، حتى إن تم رفضك عشرات المرات من قبل، وأنت من تقابل العميل وجه  الوجه، وتقدم إليه قيمة. وكذلك أنت من تحشد الدعم المطلوب؛ لكي تضمن أن يكون العميل قد استوعب وفهم تلك القيمة.

ففي معادلة النجاح في مجال المبيعات أنت وحدك العنصر الأهم.