كما هي الحال مع كثير من قدراتك، هناك مساهمان رئيسيان في تنمية المهارات التنفيذية: التكوين البيولوجي واكتساب الخبرات. فيما يتعلق بالعامل المساهم البيولوجي أو العصبي، تكون قدرات المهارات التنفيذية فطرية بشكل أساسي، حيث تمثل جزءا من برمجة المخ عند الميلاد؛ وهذا هو الأسلوب الذي نكتسب به اللغة. بالطبع عند الميلاد، تتواجد المهارات التنفيذية، مثل اللغة، كقدرات كامنة فقط؛ وهذا يعني أن مخك بداخله الأدوات العصبية الأساسية لتطوير هذه المهارات، لكن لاحقا تدخل في الصورة عدة عوامل، تؤثر في كيفية تطور هذه المهارات.

على سبيل المثال، أي نوع من الصدمات الكبرى أو الأضرار البدنية للمخ، خصوصاً المرتبطة بالفصوص الأمامية، سيؤثر سلبا على تنمية المهارة التنفيذية. والجينات أيضا تلعب دورا رئيسياً، وتبعا لذلك فالجينات التي ورثتها من أبويك قد أثرت على الأرجح في هذه المهارات. فإذا لم يكن لديك حسن تنظيم، أو إدارة للوقت، أو تركيز، أو مهارات أخرى في مرحلة تنشئتك، فمن المرجح أن هذه المشكلات ستستمر معك حتى البلوغ. وفيما يتعلق بالبيئة فأي شيء سام على المستوى البيولوجي أو الجسدي تتعرض له خلال طفولتك، يمكن أن يؤثر أيضاً على تطور مهاراتك التنفيذية.

والسموم البيئية يمكن أن تشمل أي شيء بدءا من التعرض للرصاص وحتى إساءة معاملة الأطفال، كذلك فإن دخل الأسرة المنخفض والظروف الاقتصادية المتدنية، كما بينت العديد من الدراسات، يؤثران سلبا على تطور المخ والمهارات التنفيذية عند الأطفال. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي هذه الظروف الاقتصادية إلى قلة تفاعل الآباء مع الأطفال، وتضاؤل الاستجابة لشكاواهم، ووجود آباء وأمهات أكثر عنفاً، ما يؤدي إلى زيادة الضغط العصبي على الطفل. و من المعروف أن الضغط العصبي يعوق تطور المهارات التنفيذية بالإضافة إلى تقليل استخدام المهارات التنفيذية التي يمتلكها بالفعل أي طفل (أو شخص بالغ) . و اكتئاب الأمهات يسهم أيضا بنصيب في مشكلات التفاعل، ويشكل عامل ضغط إضافياً على كل من الأم والطفل. العنصر الثالث في ثالوث التردي هو التحصيل العلمي المنخفض. وبينما يمكن لكل من هذه العوامل على حدة أن يؤثر سلبا على تطور المخ عند الأطفال، فإن اجتماعها معا يمكن أن يؤدي إلى حالة من الضغط العصبي المستمر على الطفل والأم بالإضافة إلى إحاطة الطفل ببيئة خالية من المحفزات. وكل من هاتين الحالتين، مرتبط بضعف تطور المهارات التنفيذية. ومع جهاز عصبي طبيعي إلى حد معقول، وحد أدنى من العوامل البيئية السلبية فإن تطور المخ ينبغي أن يتقدم تبعا لما هو معد. واليك كيف يسير

١لأمر.٠

علم الأعصاب: النمو والتطور + اكتساب الخبرات = المهارات التنفيذية عند الميلاد يزن مخك حوالي ٣٧٠ جراماً، وبمناهزة البلوغ يزيد وزن المخ إلى حوالي ١٣٦٠ جراماً. وفي هذا الصدد، هناك عدد من التغيرات يفسر هذه الزيادة في الوزن والحجم؛ أولا عند الميلاد يكون لديك ٠ ٩/ من الخلايا العصبية التي ستحتاج إليها كإنسان بالغ. وعلى الرغم من ذلك، بمرور الوقت ومع اكتساب الخبرات، فإن هذه الخلايا العصبية سينمو حجمها. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخلايا العصبية يجب أن تتواصل لتكون قادرا على التفكير، والشعور، والحركة. فلكي تتحدث إلى شخص آخر ، تطور الخلايا العصبية فروعاً تسمح لها بإرسال معلومات من خلايا أخرى واستقبالها. وهذه الفروع التي تسمى محاور وشجيرات الخلية العصبية، تنمو بسرعة خصوصا خلال سنوات الرضاعة والطفولة. والمحاور والشجيرات العصبية ترتبط ببعضها من خلال الوصلات العصبية. وهذه الوصلات العصبية، جنبا إلى جنب مع ما يصاحبها من المحاور والشجيرات العصبية تكون شبكة التوصيلات التي تسمح لمخاخنا بأن ترسل وتستقبل المعلومات. وفي الطفل حديث الميلاد، كل خلية عصبية ترسل إشارات كهربائية عبر ما يقارب ٢٥٠٠ وصلة عصبية. وخلال السنوات الثلاث التالية أو نحو ذلك، يزداد هذا العدد إلى حوالي ١٥٠٠٠ وصلة عصبية- وهناك مكون رئيسي آخر في هذه المراحل المبكرة للنمو، هو تكوين مادة أساسية تسمى المايلين؛ والذي هو غلاف دهني يحيط بالمحور العصبي، وهو بمثابة النسيج الذي ينقل إشارة من خلية عصبية لآخرى. والمايلين يحمي الفروع التي تحمل النبضات العصبية؛ ما يجعل المحادثات بين الخلايا العصبية أسرع وأكثر كفاءة على نحو متزايد.

وعملية تكون المايلين تستمر بشكل جيد في المراحل الاولى للبلوغ، وهي المسئولة عن تطور ما يسمى غالبا بالمادة البيضاء للمخ. وهذه المادة البيضاء تتكون من حزم من المحاور العصبية التي تتصل بمناطق مختلفة من المخ وتسمح لها بالتواصل فيما بينها.

ثم هناك ما يسمى بالمادة الرمادية. وهذا المصطلح غالبا ما يستخدم كناية عن الجزء الخاص بالتعلم والتفكير في المخ نفسه. وتسمى بالمادة الرمادية؛ لأنها بالفعل تبدو رمادية من حيث اللون، لكن الفارق المهم بين المادتين الرمادية والبيضاء هو أن المادة الرمادية مكونة من خلايا عصبية، أو عصبونات، بالإضافة إلى الروابط بينهم التي ناقشناها سلفاً، أي الوصلات العصبية. وتطور هذا النوع من مواد المخ يكون أكثر تعقيدا.

في حوالي الشهر الخامس من الحمل، يقدر عدد الخلايا العصبية التي يحتويها مخ الجنين بنحو ١٠٠ بليون خلية، وهذا يقارب، عند المقارنة، ما يحتويه مخ الشخص البالغ العادي. بالرغم من ذلك، ففي الطفولة المبكرة، يتخطى العدد الكلي للوصلات العصبية في المخ (حوالي كوادريليون) يتخطى بكثير العدد الذي سيحتويه مخ الشخص البالغ بكثير. وإذا ما تواصل نمو الخلايا العصبية ومادة الدماغ في هذه المرحلة بهذه الوتيرة، فإن مخك كشخص بالغ سيكون حجمه ضخما. وبدلاً من ذلك تحدث ظاهرة مختلفة؛ فالزيادة في المادة الرمادية، و الخلايا العصبية، وبالتحديد الوصلات العصبية، تصل إلى ذروتها قبل سن الخامسة، ويتبع ذلك نقصان أو تشذيب تدريجي للروابط العصبية. والزيادة الأولية في هذه الأنسجة الموصلة، تحديدا الوصلات العصبية، تحدث خلال فترة من التعليم السريع واكتساب الخبرات في الطفولة المبكرة. و أبحاث المخ الحديثة تقترح أنه بينما يصبح هذا التعلم وتطور المهارة أكثر كفاءة، فأية زيادة إضافية في المادة الرمادية يمكن أن تقوض من التعلم.

مع التشذيب، وأنت طفل، تكون قد دعمت مهاراتك العقلية، وروابط المادة الرمادية التي لم تعد هناك حاجة لها أو لم تعد تستخدم يتم إهمالها. وهناك أيضاً طفرة رئيسية في عدد الوصلات العصبية قبل المراهقة مباشرة. ويتبع ذلك مرة أخرى عملية تشذيب تمتد عبر المراهقة حتى بداية سن الرشد، وتنتهي عند سن الخامسة والعشرين تقريباً، ويحدث قدر كبير من عملية سرعة النمو هذه في الفصوص الأمامية للمخ. يجمع العلماء الآن على أن أنظمة المنطقة الأمامية من المخ تلعب دورا رئيساً - وإن لم يكن مقصورا عليها “ في تطوير مهاراتك التنفيذية. لذلك بمقدورنا القول إن هذه المناطق، والتي تشمل القشرة الجبهية والأمام جبهية للمخ، جنبا إلى جنب مع الروابط الموصلة للمناطق المجاورة، تكون بقدر كبير القاعدة المخية التي تعتمد عليها المهارات التنفيذية.

والأمر المهم الذي يجب تذكره من بين كل هذه المعلومات هو أنه عبر مراحل الطفولة والمراهقة وحتى سنوات بداية الرشد، فإن مخك مهيأ للتعلم، وفي أثناء ممارستك واكتسابك مهارات جديدة تتكون الممرات العصبية التي تشكل الأساس لهذه المهارات. ومن خلال هذا الوصف، تكون أدركت على الأرجح أن التوقيت المثالي لتعلم مهارات جديدة يمتد من سنوات الطفولة المبكرة وحتى سنوات الشباب الأولى.

وهذا لا يعني أننا كبالغين نفقد القدرة على تعلم مهارات جديدة، بل على النقيض تماماً؛ فخلال مرحلة البلوغ تكون لدينا القدرة على مواصلة التعلم والتغير. و لكن فيما يتعلق بالمهارات التنفيذية، فإن تطور المخ وتغيره يحدثان في أواسط العشرينات من العمر. وبالنسبة لمعظمنا، لا تحدث تغيرات مهمة في المهارات الجديدة بعد هذه الفترة. والنتيجة النهائية لهذه الفترة من التعلم ستبدو واضحة لك بعد أن تكمل استبيان المهارات التنفيذية لاحقاً في هذا الفصل وتحدد نقاط قوتك ونقاط ضعفك.

و بالاستناد إلى خبرتنا السريرية، فبعد أن ينتهي البالغون من إكمال الاستبيان، لو سألناهم منذ متى وهذا هو نموذج مهاراتهم التنفيذية، يردون غالبا بإجابات متشابهة من نوع لأطول فترة يمكنني تذكرها ، أو دائما ، أو يبدو أن تلك هي الحال دائما . وبالاستناد إلى ما نعرفه عن تطور المخ، فهذا الكلام يبدو منطقياً؛ لأن المناطق المتصلة بالمهارات التنفيذية في المخ لا تمر بأي تغير يذكر بعد سن الخامسة والعشرين.

لكن لنفترض أنك، كشخص بالغ، تود أن تغير واحدة أو أكثر من مهاراتك التنفيذية، أو تحسن جانبا حددته كنقطة ضعف وكعقبة في عملك أو في حياتك الخاصة. وما دامت مناطق المخ التي تشكل الأساس للمهارات التنفيذية لم تعد تخضع لأي تغير مؤثر، فهل من الممكن لك أن تغير واحدة من مهاراتك التنفيذية؟ والإجابة هي نعم بشكل مؤكد. في الفصل الرابع نشرح كيف أن مقدرتك المستمرة على التعلم تمكنك من فعل ذلك. فمن الممكن ليس فقط تغيير السلوكيات المرتبطة بهذه المهارة التنفيذية، لكن هناك تغيرات رئيسية في المخ أيضا تحدث نتيجة لجهودك. بالتحديد، فإن تكون المايلين عبر ممرات المحاور العصبية سيزداد مع تعلم مهارات جديدة، وبذلك يمكننا القول إنه في عالم المهارات التنفيذية يمكن للكلب العجوز أن يتعلم حيلا جديدة.

وبالرغم من ذلك، وكما يتضمن القول المأثور، فإن تغيير مهارة شخص بالغ سيتطلب جهدا أكبر. وإذا ما كنت مستعداً لذلك، فالخبر السار أنك عندما تبدأ العمل وتستمر في التدريب بينما يمر الوقت، فإن المهارة لن تزداد رسوخا فقط، ولكن أيضا سيحدث تضاؤل ملحوظ في الجهد المطلوب لإنجازها. والتضاؤل في الجهد المطلوب يحدث على كل من المستويين العصبي - التغيرات الرئيسية في المخ تؤدي إلى رفع كفاءة نقل النبضات العصبية - والمستوى السلوكي. في الفصل القادم، وبعد أن تنهي مواصفات المهارات التنفيذية الخاصة بك، سنصحبك عبر خطوات عملية التغيير. وسنخبرك أين تكمن المزالق في هذه العملية، وسنعطيك بعض الإستراتيجيات لجعل عملية التغيير أسهل، بالإضافة إلى بعض الأنشطة لمساعدتك على الحفاظ على الجهد والطاقة المطلوبين.