مرة أخرى كانت "جنجر" في موقف حرج؛ فهي لم تكرس وقتا كافيا لتضع اللمسات النهائية على العرض الذي كان مقررا أن تقدمه غدا لعميل محتمل مهم من عملاء التسويق، والان، الساعة الخامسة إلا الربع، وعليها أن تأتي بابنها من تمرين كرة القدم في خلال خمس عشرة دقيقة، وكان يقترض أن تعرض "جنجر" برنامج الباوربوينت أمام مشرفتها قبل أن تغادر العمل، ولديها ربما حوالي خمس وأربعين دقيقة من العمل لتنجزه على البرنامج؛ لذا فقد مرت على مكتب مشرفتها لتخبرها بالأنباء السيئة: "كيري، أنا أعلم أنك تريدين أن تري ما انتهيت إليه قبل أن أغادر، لكن تمرين كرة القدم الخاص بكيفين ينتهي في الخامسة، وأنا لا أستطيع أن أتركه منتظرا. هل بمقدوري أن أقدم لك العمل بحلول التاسعة هذه الليلة؟''. لكن "كيري" لم تحاول حتى أن تخفي استياءها فقالت: ”جنجر، هذا يحدث طوال الوقت، وعليك أن تعرفي كيف تنظمين وقتك بشكل أفضل، وهذا لا يؤثر على عملك فحسب، ولكنه يؤثر على عملي أنا أيضا. أنا شخص يعمل في الصباح، وبحلول التاسعة أتهيأ للنوم ".

اعتذرت "جنجر" بأفضل طريقة ممكنة، وجمعت في عجلة أشياءها، واندفعت خارج المكتب، وهي تهاتف ابنها "كيفين" لتخبره بأنها ستتأخر عنه عدة دقائق. وبينما كانت تقود سيارتها عبر المدينة في الطريق لمدرسة ابنها، كانت تحاول التفكير فيما يجب عليها أن تفعله أيضا هذا المساء. ماذا لديها للعشاء؟ ثم تذكرت أنها لم تخرج حاوية الطعام من المجمد، وتساءلت هل ستمانع عائلتها قضاء ليلة أخرى مع الوجبات السريعة عوضا عن ذلك.

دخلت "جنجر" المدرسة، وهناك كان "كيفين" في حال بائسة، فقد كان آخر طالب ينتظر أحدا ليوصله للمنزل. فألقى حقيبة ظهره على المقعد الخلفي، وجلس في الأمام وهو يتساءل في غضب: " كيف أكون دائما أخر طفل يتم أخذه للمنزل؟".

فاعتذرت "جنجر" له، ثم حاولت تغيير الموضوع.

سألته: "ما الواجبات التي لديك؟" - ف هز "كيفين" كتفيه مجيبا:"لقد انتهيت من معظم الواجبات في المدرسة. وقد منحتنا السيدة كلارك أسبوعا إضافياً لإنهاء بحث الدراسات الاجتماعية". تساءلت "جنجر" عما إذا كان الأمر كذلك فعلا؛ ففي أخر مرة أخبرها "كيفين" بموعد نهائي ممتد، اتضح أنه اختلق الأمر برمته؛ لأنه تخلف عن أداء الواجب ولم يرد أن يعترف بذلك. تجهم وجه "جنجر" عند تذكرها هذه الحادثة، ثم فكرت، في أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتبين لها فيها أن الأبناء في النهاية يشبهون آباءهم.

دخلت "جنجر" أحد محلات دجاج كنتاكي وطلبت عشاء. هذا سيفي بالغرض - فأخذت تلوم نفسها فكرت في ذلك، ولاحظت بارتياح أن "كيفين" لم يتذمر . وعندما عادا للمنزل ناولت "جنجر" حقيبة العشاء "كيفين" وطلبت منه أن يأخذها للداخل، بينما حملت هي حقيبة الحاسوب. وبينما كانت ترفع الحقيبة من على المقعد الخلفي، أحست بأن الحقيبة خفيفة بشكل مفزع. فأخذت تلوم نفسها بينما تفتح الحقيبة وتتطلع بداخلها. نعم بالتأكيد، الملفان اللذان كانت بحاجة إليهما كانا موجودين، لكن الحاسوب المحمول لم يكن معها . الآن ماذا عليها أن تفعل ؟ وعندما دخلت المنزل، كانت الدموع تترقرق في عينيها. وزوجها الذي دخل لتوه المنزل وكان يخلع معطفه - نظر إليها وتساءل: '' الآن ماذا؟”، خمنت ”جنجر” أن يومه بالعمل كان مرهقا كيومها.

فأخبرته بما حدث، فسألها :”إذن عليك أن تعودي للمكتب لإحضار الحاسوب!، ألا ترين أنك تنسين كثيرا من الأشياء مؤخرا؟''.

”أوه، وأنت السيد الكامل!. حسب ما أتذكر، فقد قمنا بإلغاء بطاقة الائتمان الخاصة بنا لأنك فقدتها في رحلة عملك الأخيرة. والأرجح أنك حتى لم تفقدها، بل ربما كانت في مكان ما أسفل حقيبة أوراقك التي لا تنظمها أبدا''.

وبينما كانت هذه المحادثة مستمرة، نزلت ابنتهما "كيم" وفهمت ما تدور حوله المحادثة. ”أمي! هل نسيت أنك كنت ستساعدينني في المشروع الذي أقوم به والخاص بمادة التربية المدنية؟ لقد وعدتني بأنني يمكنني أن أسجل معك مقابلة الليلة، ومن المفروض أن أسلم المشروع يوم الجمعة، وإذا لم أسجله الليلة فلن أكون قادرة على إنهائه في الموعد المحدد".

تأوهت "جنجر "قائلة: " حسنا يا أعزائي. دعونا نضع العشاء على المائدة وسنحاول أن ننظم هذا الأمر". فتحت أبواب الخزانة وأخرجت الأطباق، بينما اتجه زوجها للتلفاز ليشغل قناة إيه إس بي إن ليتابع أخبار الأمس الرياضية، فقالت في نفسها: "هل سيضيرك أن تساعد في إعداد المائدة". وبينما تجمع الفضيات والمناديل الورقية، تجلى لها أن حياتها تسير على هذا المنوال منذ مدة: إما أن اليوم ليس به عدد ساعات كاف لكي تؤدي كل ما عليها أن تؤديه، وإما أنها ليست لديها فكرة عن كيفية استغلال الوقت المتاح لها. كانت تشعر بعصبية شديدة، وشعرت بأنها ستفتك بأول شخص يحاول أن ينتقدها - هناك شيء ما لا بد أن يتغير.
هل يبدو شيء من هذا مألوفا؟ كلنا مرت علينا أيام كهذه. وبدون شك يمكنك أن تضفي طابعك الشخصي على هذا السيناريو وتضيف أمورا لقائمة الضغوط. وربما استنتجنا أن هذه هي الحياة في القرن الحادي والعشرين، وليس بمقدورنا أن نفعل شيئا حيال هذا الأمر. كن قويا، ابتسم وتحمل، اصمد في مكانك، خذ نفسا عميقا، عد حتى رقم عشرة - كلها عبارات تعطينا، والآخرين، نصائح صغيرة تجعلنا جميعا نشعر بأننا أفضل. ولكن، بشكل ما، ذلك لا يحدث أبدا.

هذا “ بطبيعة الحال “ بعض التبرير لأعصابنا المنهارة. فالحياة صارت أكثر إرهاقا وتعقيدا من ذي قبل، والوظائف التي يشغلها الناس تجبرهم على العمل بسرعة وجهد أكبر من ذي قبل، وأعداد متزايدة من الوظائف تتضمن العمل لعدد ساعات غير محدد وعن بعد. ربما أن هذا يجعل الأمور أسهل بالتواجد في المنزل عند عودة الأطفال من المدرسة، لكنه سيلغي التمييز بين الحياة المنزلية والحياة العملية بطريقة ستجعلنا نشعر بعدم وجود وقت للتوقف عن العمل. ونحن نحاول بشكل مستمر أن نقوم بمهام متعددة برغم وجود دليل مقنع على أن أدمغتنا لا تستطيع القيام بذلك. والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي تقدم تدخلات إضافية في الحياة العائلية، لذلك حتى عندما تجتمع العائلة، فنحن نشعر بأننا مشتتون بسبب الهواتف الذكية، فيسبوك، الرسائل النصية وتويتر.

ما أثر كل ذلك علينا؟ كم من الأمور التالية تنطبق عليك أو على أناس تعيش أو تعمل معهم؟

٠ مسئوليات وظيفية أكثر بكثير من أن تنفذ في يوم عمل من ثماني ساعات.

  • نزاعات الحياة المنزلية “ العملية، حيث تتداخل متطلبات المجالين مع بعضها.
  • السخط على عملنا لأن إجادة العمل تأتي على حساب حياتنا الخاصة، ومن ثم نشعر بالذنب؛ لأننا لا نتعامل مع كلا النطاقين بالطريقة التي ينبغي علينا اتباعه
  • إغراء التكنولوجيا والعالم المتصل بالإنترنت على مدار أربع وعشرين ساعة طوال الأسبوع، حيث لا يمكننا أن ننفصل عنه، ومن ثم فنحن نستخدم التكنولوجيا نفسها لمحاولة الهرب.
  • الخلافات بين الزوجين لأن ضغوط العمل - المنزل التي يعانيان منها، تنتهي بهما إلى أن يلوم كل منهما الآخر على عدم القيام بدوره لتسير أمور الحياة المنزلية بسلاسة.
  • الخلافات بين الآباء والأبناء، لأن الأبناء لا يدركون أن هناك مستقبلا سيواجهونه وهم غير مستعدين له كما يجب.

٠ جدول يومي يتطلب منا تلبية العديد من متطلبات المنزل، والعمل، والعائلة في آنً واحد؛ والتي تحتاج إلي يوم يتكون من ست وثلاثين ساعة لإتمامها وجدول بيانات ثلاثي الأبعاد لمتابعتها.

كل هذه الأشياء تتحدانا لأننا ننهك ذلك الجزء من مخنا المصمم للتعامل مع الأمور .المعقدة. وهناك مجموعة من المهارات تسمى المهارات التنفيذية، وهي توجد مجتمعة داخل القشرة الجبهية (جزء المخ الذي يقع مباشرة خلف الجبهة)؛ وهي مهارات مصممة لإدارة مهام الحياة اليومية ربما سمعت بها، من الممكن أنك قرأت أحد كتبنا الأخرى مثل Smart but Scattered ، حيث وصفنا المهارات التنفيذية عند الأطفال، أو رأيت قصصا في الصحف العامة ما أثار فضولك. تسمى المهارات التنفيذية بهذا الاسم؛ لكونها المهارات المطلوبة لتنفذ المهام.

وهي تشكل مجموعة متنوعة تشمل أمورا مثل بدء مهمة ما، التركين المستمر، التخطيط، التنظيم، إدارة الوقت، تنظيم العواطف السيطرة على الانفعالات؛ وأموراً أخرى (انظر المربع التالي)، لكن الشيء المشترك بين هذه المهارات هو أنه كلما عملت هذه المهارات بشكل أفضل، أصبحنا قادرين بشكل أفضل على إنجاز مهامنا اليومية، وتطوير خطة لتحقيق أهدافنا الحياتية المرضية لنا.

وعلى النقيض، كلما ضعفت هذه المهارات، زادت احتمالية أن نعاني كل أنواع المتطلبات الموضوعة على عاتقنا بشكل روتيني بسبب العمل أو المنزل أو الحياة العائلية.

جنجر تعاني بشكل واضح العديد من نقاط الضعف في مهاراتها التنفيذية، والتي تشمل الذاكرة العاملة، و إدارة الوقت، وضبط عواطفها. ويبدو أن زوجها ربما كانت لديه أيضاً مجموعة من نقاط الضعف الخاصة به، مثل عدم التنظيم، وما وراء المعرفة (المهارة التي تسمح لك برؤية الصورة الكبيرة، مثل إمكانية أن تساعد على إعداد المائدة للعشاء). و كيفين مثل أمه، يبدو أن لديه مهارات إدارة وقت ضعيفة، وربما مهارات تخطيط ضعيفة كذلك. على الجانب الآخر، ربما تكون أخته جيدة في العديد من تلك المهارات، لكنها تشعر بالإحباط لأن من حولها يصارعون لإتقان بعض من هذه المهارات التي تبدو طبيعية بالنسبة لها.

ما فعله القرن الحادي والعشرون هو إضافة متطلبات يصارعون مهامنا التنفيذية بشكل لم يسبق له مثيل - التعقيدات التي نطالب بمعالجتها، الأشياء التي نحتاج لأن نتذكرها لكي يمر اليوم، والمهام والالتزامات التي تتجاذبنا في اتجاهات مختلفة في اللحظة نفسها تجاوز ما يمكن لفصنا الجبهي أن يديره بشكل مريح. نحن نضحك ونقول إننا نستطيع أن نؤدي العديد من المهام في آن واحد وإننا نقضي يومنا بهذه الكيفية، لكن الأبحاث أثبتت أن المخ في الحقيقة لا يستطيع القيام بمهام متعددة في آن واحد، ومحاولاتنا للقيام بذلك تقلل من كفاءة العمل، وتزيد من احتمالية الخطأ والسهو “ والمؤسف أن هذه ليست الإجابة.

ما الإجابة؟ نعتقد أن فهم المهارات التنفيذية، ومعرفة كيفية استخدامها وكيفية تحسينها، هما مفتاح النجاة في حياتنا المعاصرة، وربما حتى الازدهار فيها.

ربما تكون متحمسا لبدء المسار المؤدي إلى تحسين الذات الذي أشرنا إليه في الفصل الأول، لكن أولا نود أن نساعدك على فهم عملية التغيير. في هذا الفصل، نحن نلخص عملية تطور المخ التي تساعد على إظهار المهارات التنفيذية وتقويتها. وسترى أنه بالرغم من أن الوقت المثالي لتنمية هذه المهارات يكون عند الصغر، فإن المخ عضو قابل للتكيف على مدار حياتنا، وكلنا لدينا الإمكانية لتنمية هذه المهارات وتقويتها. في النصف الثاني من هذا الفصل ستكون لديك الفرصة لتقييم نقاط القوة ونقاط الضعف في مهاراتك التنفيذية، والتي ستزودك بالمعلومات التي تحتاج إليها للسعي في مسارك نحو التطور. ولأن تغيير السلوك يمثل تحديا، سنقدم لك الكثير من الأفكار عن كيفية تهيئة حياتك وبيئتك لتجعل عملية التغيير والتكيف أسهل. وفي كلتا الحالتين، ستكون متحكما في عملية نعتقد أنها ستساعدك على تحسين جودة حياتك، والتقليل من مستوى الضغوط الواقعة عليك.