مقدمة
عندما يسيء الطفل التصرف طوال الوقت، فمن السهل حينها أن تعتقد أنه الوحيد الذي يتصرف على هذا النحو، أو أنه أسوأ طفل. وبطبيعة الحال، يلوم الآباء أنفسهم على ما لاحظوه من تصرفات أطفالهم، ويتساءلون قائلين:
لماذا لا يمكنني السيطرة على أطفالي؟ ، ويشعرون بأنهم وحدهم من يعانون هذا الأمر.
أنت لست وحدك، وسلوك طفلك ليس هو السلوك الأسوأ بين كل الأطفال، فقد أظهرت الدراسات الأخيرة أن ما يقرب من ٥% إلى ٨% من الأطفال في أي مكان في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون مشكلة كبيرة بسبب سلوكهم المضطرب المعارض والمتمرد، وتشمل هذه الأرقام الأطفال ذوي السلوك السيئ، بدرجة تكفي لتشخيص حالتهم بأنها اضطراب سلوكي فقط, إلا أن هناك نسبة من الأطفال تزيد على هذا العدد يمكن القول إن التعامل معهم أمر صعب (على الرغم من أن آباءهم يرون أن التعامل معهم مستحيل ).
وكما تعلمون يقيئا، فإن هؤلاء الأطفال يدفعون آباءهم إلى الجنون، وأحيانا ما يفعل ذلك بعض البالغين والأطفال الآخرين أيضا، حيث يرفض هؤلاء الأطفال ما يطلبه منهم البالغون، أو ما يتوقعونه منهم، بما يفعلونه من مشاكسات وتمرد، وخرق القوانين العامة، ونتيجة لذلك، فهم لا يتأقلمون ولا ينسجمون بسرعة مع الآخرين. والطريقة التي يتصرفون بها قد تقف عائقا في طريق تحقيقهم النجاح في المدرسة، والتمتع بحياة اجتماعية طبيعية، بل الأسوأ من ذلك أن سلوكهم قد يؤثر سلبا في علاقة الأطفال بآبائهم، وتضعف الترابط الذي يحتاج إليه كل الأطفال؛ ليعيشوا حياة سعيدة وصحية عندما يبلغون.
إنني أعرف أن هذا الوضع يثبط معنويات الآباء، ويضر أبناءهم، حيث إنني استشرت آلاف الآباء الذين وجدوا أنفسهم يكافحون مع أبنائهم أو بناتهم (وغالبا مع الذكور منهم) . وإذا تمكنت من ترتيب موعد مع أحد هؤلاء الآباء، فستدرك أن العديد من الآباء اللطفاء يواجهون المشكلة نفسها التي تواجهها:
كفاحا متكررا لسلوك الطفل المتمرد، والشعور بفقدان السيطرة على أطفالك. هو الطريقة التي أقدم إليك من خلالها دعم الآباء الآخرين،
وتجربتهم، وحكمتهم، فقد قمت بتدريب الآباء لما يزيد على ٣٦ عاما مع زملائي في كلية الطب بويسكونسن في مدينة ميلواكي، ثم بعد ذلك في المركز الطبي الخاص بجامعة ماساتشوستس في مدينة وورسستر، ثم في الجامعة
الطبية بولاية كارولينا الجنوبية، وكنت أدربهم وحدهم، وفي مجموعات، بطريقة تساعد الأطفال على تقويم سلوكهم، وعلى التعايش بطريقة أفضل في عالمهم، فالحصول على تعليقات من الآباء على ما يصلح فعله وما لا يصلح يساعدنا
على توسيع برنامجنا وتحسينه؛ لذلك ما ستقرؤه في هذا الكتاب في الحقيقة هو نتاج تجارب أشخاص عاديين مثلك. ولن تجد بين طيات إجاباتي عن الأسئلة التي يتداولها الآباء عبر السنوات فقط، ولكن ستجد أيضا قصصا تتعلق بطريقة تعامل الآباء وأطفالهم مع المواقف الصعبة بشكل فعال. وأظن أنك ستعجب بإبداعهم، كما أعجبت أنا.
إن الإبداع والقدرة على التكيف شيء أساسي في تربية الطفل، لكن لا يمكن مقارنتهما بمبدأ الاتساق؛ إذ يعتبر الاتساق في الطريقة التي تعامل بها أطفالك، وتسن بها القوانين، وتنقل بها التوقعات، وتولي بها الاهتمام لأمر ما، وتشجع بها السلوك الجيد، وتفرض بها العقوبات على سوء السلوك، هو مفتاح تقويم سلوك أطفالك، وهو من ثم حجر الأساس في هذا الكتاب؛ فالأطفال ذوو الطبع المتمرد يحاولون دائما أن يختبروا نفاد صبرك، وربما البشر فقط هم من يصابون بالتعب، فلا يتمكنون من فرض القوانين في بعض الأحيان، ويصابون باليأس في قدرتهم على السيطرة، فلا يتمكنون من وضع قواعد السلوك بوضوح وإنصاف، ويصابون بخيبة الأمل، فلا يستطيعون منع الصراع من التصاعد. لقد أدى كل ذلك إلى ما سميته التربية العشوائية للأطفال ، وهو ما يجعل طفلك أكثر تمرداً، فالاتساق في التصرفات هو وسيلة كسر هذا النمط، وقد يتطلب منك هذا أن تبذل الكثير من الجهد.
لماذا يجب أن يقع عبء التغيير عليك، في حين أن طفلك هو من يسيء التصرف؟ في البداية لا يستطيع طفلك أن يتغير إن لم تتغير أنت أولاً، فهو يحتاج إلى من يساعده، وأنت خير من يقوم بذلك. ثانيا إن السبب الرئيسي لإصابتك بالإحباط هو عدم قدرتك على تغيير طفلك، فلتحاول فربما تستطيع. وقد يشعر معظم الآباء بالراحة عند قيامهم ببعض الأفعال في الجزء الذي يحكمون فيه سيطرتهم، مثل سلوكهم. ثالثا إنك ستجني الكثير من المنافع بقيامك بهذه التغييرات، فلقد شهد نحو ٠ ٨% من الآباء، ممن اتبعوا برنامجنا، تغييرات ثابتة في سلوك أطفالهم . فالسلوك المتمرد للأطفال، الذي يفسد حياتهم وحياة عائلاتهم، يمكن أن يتحول إلى سلوك طبيعي إذا التزم آباء أولئك الأطفال بهذا البرنامج التزاما كاملا، على ألا يكون
ذلك السلوك المتمرد شديدا، بحيث يتم اعتباره اضطرابا سلوكيا.
حتى في الحالات الشديدة للغاية، حيث يستمر الطفل في سلوكه المتمرد، فإن الأساليب التي يتم تعلمها في هذا البرنامج يمكن أن تقلل بشدة من الاضطرابات الناجمة عن سلوك الطفل. وفي حالة تجاهل هذا الأمر، فإن سلوك الطفل المتمرد يتطور ليمثل مشكلة سلوكية في السنوات المقبلة، التي يطلق عليها متخصصو الصحة العقلية في بعض الأحيان اسم الاضطراب السلوكي، أو اضطراب الشخصية غير الاجتماعية.
وإذا كان طفلك قد تجاوز الثانية عشرة، أو يظهر السلوك العدواني أو العنف، فيجب عليك ألا تبدأ هذا البرنامج دون تلقي نصائح المتخصصين، فالسلوك المتمرد غالبا ما يكون متأصلاً في الأطفال الصغار، فلا يمكن التخلص منه فقط بالاعتماد على الذات، وإذا كان طفلك عنيفا، فإن متخصص العلاج سيساعدك على التأكد من سلامة العائلة كاملة. من ناحية أخرى فإن استغراق شهرين فقط في بذل الجهود قد يساعدك على تحويل منزلك من ساحة قتال إلى ملاذ آمن، وذلك بفهم أسباب هذا السلوك المتمرد وتعلم كيفية إدارته؛ ولذلك يجب عليك أن تكون قادرا على تحسين سلوك الامتثال لدى
طفلك بطلباتك وقواعدك أنت، ومن ثم تستعيد الوئام العائلي. وينقسم هذا الكتاب إلى جزأين: فهم طفلك المتمرد ،و تحقيق التوافق مع طفلك المتمرد . اقرأ كل ما يخص مشكلة السلوك المتمرد، وأسبابه، والطرق المختلفة التي يمكن التغلب عليه بها، وبنهاية الجزء الأول يجب أن تكون لديك فكرة شديدة الرسوخ عما يحدث لطفلك، وما ينبغي لك القيام به
للتعامل مع هذا الأمر. وعلى الرغم من أن هذا الكتاب قد صمم لمساعدة الذات، فإن البعض يفضل أن يستخدمه مرشدا لمساعدة الذات عن طريق إيجاد معالج يثق بأنه مطلع على هذا البرنامج، ويعمل عليه معه. وقد يستنتج البعض بنهاية الجزء الأول أن مشكلته ليست كبيرة على الإطلاق. ولكن على أية حال أتمنى أن تقرأ الجزء الثاني، فهو يقوم على مبادئ تربية الطفل الحكيمة والمجربة، التي تفيد كل الأطفال، وهذه المبادئ قد تم سردها في الفصل الرابع في نهاية الجزء الأول، وإنني متأكد من أنك ستستخلص شيئا مفيدا.
الجزء الثاني هو برنامج لتدريب الآباء مكون من ثماني خطوات. إنه يستغرق ٨ أسابيع لكي يكتمل، ومع ذلك لا بد من أن ترى بعض التحسن الملحوظ على سلوك طفلك، وعلى حياتك خلال مدة تمتد من ٤ إلى ٦ أسابيع، وستحتاج إلى الاستمرار في استخدام العديد من الأساليب التي تعلمتها لفترة أطول. وكل خطوة تعتمد على إتمامك الخطوة التي تسبقها بنجاح؛ لذا رجاء لا تحاول أن تتجاوز أية خطوة من هذه الخطوات، ولا تحاول اختيار الخطوات التي تناسبك. هذا ولن يكون كل ما سيطلب منك القيام به ممتعا وسهلا، لكن من المؤكد أنه أمر ضروري. والأهم هو ألا تقوم بتطبيق أي أسلوب من
أساليب الانضباط السلوكي الواردة في الخطوة الرابعة قبل أن تنتهي من الخطوات الثلاث الأولى ٠
ولا بد من أن تمثل الخطوات الأولى في البرنامج تجربة ممتعة لك ولطفلك؛ وذلك لأن نجاح البرنامج يعتمد على إعادة تثبيت التفاعلات الإيجابية أولاً،
ستبدأ بتعلم كيفية الاهتمام بتصرفات طفلك بألا تبدي أية انتقادات، وأن تمتدح أي سلوك جيد يقوم به، وبعبارة أخرى حاول أن تجعل طفلك يتصرف تصرفات حسنة. وستندهش بأن طفلك يقوم في الكثير من الأحيان بأفعال تستدعي الثناء، ومدى تقدير طفلك لكونك لاحظت ذلك. وبمجرد أن ينشأ بداخلك احترامك لطفلك، واستحسانك لأفعاله، يمكنك حينها أن تعود طفلك على الطاعة بطلب بعض الأمور الصغيرة منه التي لا يمكنه أن يرفضها، فالثناء على الأفعال حافز كبير، لكنه ليس قويا بما يكفي؛ لذا فإن الخطوة التالية التي يجب أن تقوم بها هي أن تتعلم استخدام المكافآت كحوافز لتحقيق تعاون أكبر، خاصة في المهام التي يكره طفلك القيام بها.
وبعد أن تكون قد قمت بكل الأساليب الإيجابية لجعل طفلك يقوم بما يجب عليه القيام به، عليك أن تنتقل إلى الأساليب المعتدلة والصارمة في هذا البرنامج. وهذا يتضمن منع المكافآت عند الاستمرار في السلوك المتمرد، تماما كما تمنح تلك المكافآت على السلوك الطيع، فضلاً عن استخدام الوقت بشكل فعال. وعند وصولك إلى هذه المرحلة من البرنامج (اتباع الخطوة الخامسة)، ينبغي أن تكون قد قطعت شوطا كبيرا، لكنك إن كنت تحتاج إلى أية مساعدة للسيطرة على سلوك طفلك خارج المنزل، فالخطوتان السادسة والسابعة تعرضان تقنيات لتوسيع هذه الأساليب لتشمل الأماكن العامة
والمدارس. ينتهي الجزء الثاني بنظرة مستقبلية؛ حيث يوضح لك طريقة الحفاظ على التقدم الذي أحرزته، وكيفية التعامل مع المشكلات السلوكية مستقبلا ٠
وفي نهاية الكتاب ستجد بعض المصادر التي يمكنك من خلالها الحصول على المعلومات، وعلى الدعم اللازم. وتذكر أن هناك العديد من المهنيين المختصين ممن يمكنهم أن يقدموا إليك المساعدة إن لم يكن الكتاب كافيا بالنسبة إليك، إذا كنت تحتاج إلى المزيد من المساعدة، فتواصل مع أحد الأطباء، وخاصة طبيب الأطفال الخاص بك.