"إيقاع" التحدث والاستماع
"إن كلمتي Listen (استماع) وsilent (صمت) مكونتان من الأحرف نفسها"
فكر في المحادثات التي أجريتها وشعرت خلالها بوجود مشكلة في التوازن.
قد تكون هذه المشكلة أن هناك شخصا يتولى معظم الحديث بينما يأخذ الآخر دور المستمع على نحو شبه دائم.
يمكن أن يحدث ذلك ضمن ظروف معينة أي عندما يستدعي الأمر ذلك ولكن ينطوي إيقاع التفاعل عموما على جانبين، وهما أن تعي متى تتكلم، وأن تعي متى تستمع. وذلك ينجح بعد تأسيس العلاقة. وعلينا أن نصمت خلال الحديث، بل حتى أن نسكت أفكارنا، لكي نفهم تماما ما يقوله الآخر لنا ونستجيب له.
عندما تطلب من الناس أن يذكروا محادثة ممتعة أو مثمرة خاضوها في حياتهم الشخصية أو العملية، ستجد نفسك دائما أمام عناصر بناء العلاقة التالية:
٠ المحفزات: من أجل إظهار الاحترام وأننا نستمع إلى محدثنا حقيقة، يجب علينا استخدام كلمات معينة في الأوقات المناسبة. ويجب أن تكون أصيلة ومبتكرة؛ فهذا يشجع المتكلم على الشعور بمزيد من الراحة وعلى الاستمرار في الحديث. ولكن أي نوع من الكلمات؟ فكر في الكلمات التي يستخدمها الأشخاص بينما يتحدثون معك. ماذا عن وقت الاستماع؟ قد تكون هذه الكلمات على غرار ما يلي: "آه، حقا"، و "صحيح"، و"استمر" و" ثم ماذا حدث؟ . استخدم هذه الكلمات باعتدال ورصع بها سماء المحادثة. من المهم أن نذكر أن عليك ألا تستخدمها بحيث تعني بها ضمنيا أنك توافق على نقطة
معينة خلال الحديث (أو العكس) ، بل أن تولي فقط من خلالها اهتمامك للمتحدث وتظهر له أنك تتابع ما يقوله؛ فأنت تستخدمها لإظهار التعاطف.
٠ الاشارات غير اللفظية : ومن ذلك إيلاء الانتباه الكامل عن طريق التواصل بالعين، أي الاستماع من خلال عينيك حيث تعتبر العين العضو الأكثر تعبيرا في وجهنا، ومن خلال حركة العين يمكننا أن نظهر الاهتمام والاستمتاع. كما أن الإيماء والابتسام في الأوقات المناسبة يعني أنك تفهم من أمامك، ويشير إلى أنك تريد منه أن يستمر في الكلام.
٠ الوعي بأهمية "تبادل الأدوار : ويشمل ذلك تجنب مقاطعة المتحدث أو تغيير الموضوع قبل أن ينهي فكرته. ليس عليك سوى التفكير في مشاعرك عندما يقاطعك أحدهم أو يقوم بتغيير الموضوع بينما تتحدث، حيث تشعر بأن الشخص الآخر غير مهتم ولا يمكنه الانتظار حتى يأتي دوره في الكلام.
٠ اللغة المصاحبة: أي كل ما يتعلق بنغمة الصوت والطريقة التي يتم بها إيصال المعنى، بحيث يحدد مدى سهولة تدفق المحادثة، فضلاً عن إشارات لغة الجسد عامة، كما ذكر أعلاه. على سبيل المثال، هل لاحظت كيف أن
بعض الناس يرفعون ذقنهم عالياً حين يتحدثون أو يستمعون إلى محدثيهم؟
هذا يعطي في بعض الأحيان انطباعاً بالتعالي على الشخص أو رسالته " حتى إن لم يكن ذلك مقصودا. ماذا عن نظرة العين؟ هل ينظر المستمع بما يكفي إلى المتحدث موحدا له بالثقة بحيث يدرك أن كليهما يشارك في المحادثة؟
تأمل الحوار التالي:
س: لذا أرسلني الطبيب إلى ملحق المستشفى. إنه المبنى الجديد الموجود إلى جوار شبكة إيه أند إي، كما تعلمين.
س: رأيت جراح العظام هناك، وكان سعيدا حقا بتقدم حالتي وقال إنه لم يسبق له أن رأى شخصا يتعافى بهذه السرعة"
ص: آه، حقا (بينما تنظر إلى الأسفل داخل حقيبة يدها، وتنطق الكلمات بطبقة صوت منخفضة) ٠
يشعر (س) كما لو أنه يشعر ص بالملل، فيشعر بعدم الارتياح ويرغب في إنهاء المحادثة. (كان يريد في الواقع أن يقول ل (ص): أنت غير مهتمة البتة، أليس كذلك...؟).
إذا كانت (ص) قد نظرت إليه، وتواصلت معه بالعين، ورسمت ابتسامة متحمسة على وجهها، وقالت: آه، حقا ، بطبقة صوت أعلى، كان يمكن للمحادثة أن تستمر؛ لأن (ص) في هذه الحالة تظهر التعاطف. (وهذا يبرز أهمية تغيير الإيقاع ما بين المتكلم والمستمع).
غالبا ما يكون من المغري أن تستفسر ممن أمامك قائلاً: آمل أنني لا أسبب لك الملل . قد تعتقد أنك بذلك تظهر تعاطفك. حسنا، بادئ ذي بدء، من غير المرجح أنك ستحصل منه على إجابة صحيحة. وقد تخاطر أيضا بإشعار الطرف الآخر ببعض الذنب، حيث سيعتقد أن لغة جسده تعطي إشارات بأنه غير مهتم ويتمنى أن تنتهي من حديثك بفارغ الصبر.
قد يتدخل العنصر النفسي اللغوي من خلال الإيحاء فبمجرد سماع كلمة ممل قد تعزز فكرة في عقل المستمع توحي بأن قصتك غير سارة إطلاقا.
والأمر متروك للمتحدث لمراقبة تعابير الوجه وغيرها من الإشارات غير اللفظية كي يتمكن من التكهن بحالة المستمع الذهنية ومدى اهتمامه بما يقول.
إذا كنت ترى أن ابتسامة من أمامك تبدو كأنها زائغة أو أن عينيه تشردان، فكن على يقين بأن الوقت قد حان لتغيير الموضوع. إذا كنت تتولى معظم الحديث ولا تطرح أية أسئلة، فغالبا أنت تشعر من أمامك بالملل. وقد حان الوقت لإعادة انتباهه إلى المحادثة. حان الوقت للاستماع. ذات مرة وصف أحدهم هذا الأمر بهذه الطريقة:
"نحن نعتبر المتحدث بمثابة المغني الرئيسي في الفرقة، أما المستمع فهو لاعب الجيتار. إنه ليس بنفس تألق المطرب، وغالبا ما يتغاضى الجمهور عنه، ولكن وجوده جوهري كي يكتمل الإيقاع