نظرة عامة: تطور الوعي لفهم المستويات التدريجية للوعي من المفيد أن نوجز مراحل نشوء الوعي على كوكبنا وتطوره من خلال مملكة الحيوانات وصولا إلى هيئته عند البشر، وأول ما سنركز عليه الاهتمام هو تطور الأنا بحدودها الفطرية. يأخذ مصطلح ال «أنا» ego معنى مختلفاً في العمل الروحي عما يمثله في علم النفس وطريقة التحليل النفسي والنظريات التي وضعها كارل جنغ Carl Jung أو سيغموند فرويد Sigmund Freud¡، وسنعمل على توضيح الاختلافات بينهما لاحقاً.
لا يمكن التغلب على الأنا بالنظر إليها على أنها عدو، فهي تشكل الإرث البيولوجي للشخص، والتي لولاها لما عاش أحد ليندب قيودها. ومن خلال فهم أصل الأنا وأهميتها الجوهرية من أجل البقاء يمكن النظر إليها على أنها على قدر هائل من الفائدة، إلا أنها عرضه لأن تصبح جامحا وتتسبب في مشاكل عاطفيه ونفسيه وروحيه ما لم يتم العمل على حلها أو تجاوزها.
من الخفى إلى الجلى تفاعلت طاقة الوعي ذاتها مع المادة وكتعبير عن الألوهية نشأت الحياة من خلال ذلك التفاعل. كانت تعابير الحيوانات عن الحياة في أشكالها الأولية غايه في البدائية، ولم تكن تحتوي على مصدر داخلى فطرى للطاقة، ولذلك فإن البقاء على قيد الحياة كان يتوقف على اكتساب الطاقة من الخارج. لم يكن الأمر معضلة في مملكة النبات نظراً لكون اليخضود (الكلوروفيل) يعمل تلقائياً على تحويل الطاقة الشمسية إلى العمليات الكيميائية اللازمة، في حين أنه كان يترتب على الحياة الحيوانية الحصول على ما يلزمها من بيئتها، وقد عمل هذا المبدأ على التأسيس فيما بعد للجوهر الأساسي لل أنا، والذي لا يزال بشكل رئيسي محتوى ضمن المصلحة الشخصية والكسب والانتزاع والتنافس مع الكائنات الحية الأخرى في سبيل البقاء، ومع ذلك وعلى نحو من الأهمية فإن للـ أنا أيضا خصائص كالفضول والبحث وبالتالي التعلم.
مع تطور النمو أصبحت آليات البقاء أكثر تعقيداً نطراً لتعقيد نوعية الذكاء الذي يتم بواسطته الحصول على المعلومات وتخزينها ومعالجتها ومقارنتها ومكاملتها وترابطها مع بعضها ومراكمتها على شكل طبقات، وهذه الملاحظة هي أساس نظرية «التصميم الذكي» «Intelligent Design» التي لا تتطلب أدة فرضية عن الألوهية أو الخالق، فهي تؤكد على أن الخاصة الفطرية لطاقة الحياة تأتي من .خلال الخبرة، حيث يتم الحصول على المعلومات، ويكون لديها القدرة على معالجتها بعملية متكاملة مستمرة وبمطابقة للتعقيدات المتزايدة.
تطورت الحياة بعد ذلك واتخذت أشكالاً أكثر رقياً وأكثر تطوراً، وعندما يتم تمثيل هذا التطور بمخطط ملحمي تبعا للزمن ستصبح تعابيره في مملكة الحيوان جلية. (الشكل التالي مقتبس من كتاب «الحقيقة في مقابل الزيف» للتوضيح).
من الملاحظ بأنه يمكن وصف الحياة بالافتراس عند مستويات الوعي الادنى من المستوى 200 (باستثناء معظم الطيور)، حيث يتم اكتساب الطاقة على حساب الآخرين، وبما أن البقاء يعتمد على المكتسبات فسيتم النظر إلى الآخرين على أنهم منافسون وخصوم وأعداء. ونظراً لاعتبار الآخرين أعداء محتملين يطلق عليهم في اللغة الحديثة تسميات مثل التملك والتنافسية والخصومة وبتعابير قاسية وعدوانية ووحشية.
عند مستوى الوعي 200 يحدث تحول إلى الأكثر اعتدالاً وذلك بسبب ظهور أكلات العشب أيضاً بالإضافة إلى آكلات اللحوم. وابتداء من المستوى 200 للوعي وما فوقه تصبح طبيعة الحياة أكثر تناغماً، وتظهر عناية الأم، جنباً إلى جنب مع الاهتمام بالآخرين وكسب الولاء والاندماج مع الآخرين، وتظهر بدايات ما أطلق عليه فيما بعد في الطبيعة البشرية بالقرابة والتنشئة الاجتماعية واللعب والعائلة والرابطة الزوجية وتعاون المجموعة من أجل أهداف مشتركه كالبقاء من خلال أداء الأنشطة المجتمعية.
مملكة الحيوانات
ومع استمرار التطور ظهرت الحيوانات ذوات القدمين مع وجود طرفين لا تحتاج إليهما في تنقلها، وقد أدى وقوفها منتصبة إلى تطور الطرفين الحرين بمهارة التدريب البسيط، مثلما ساهم تطور إبهام اليد في تطوير حرف صناعة الأدوات.
كان التعقيد المتزايد الناتج عن بروز مقدمة الدماغ والفص قبل الجبهي بمثابة حجر الأساس في الذكاء الإنساني، وبالرغم من ذلك وبسبب غلبة الغرائز الحيوانية فإن الذكاء يعمل بشكل أساسي كغريزة بدائية؛ وهكذا أصبح الفص قبل الجبهي تابعاً لمحفزات البقاء الحيواني. وكما يتضح حتى من الملاحظة العرضية فإن التطور يمثل الخلق، والخاصة الأساسية للخلق هي التطور لأنهما يمثلان الشيء ذاته. ظهر الإنسان البدائي كبرعم من براعم شجرة التطور بدءا د «لوسكي»
Lucy قبل ثلاثة ملايين عام بحسب الفرضية، ثم تبع ذلك بفترة طويله إنسان «نيانديرتال» المنتصب Neanderthal و« كروماغنون» -Cro Mag non وهومو» Homo، وغيرهم. ويتراوح مستوى الوعي عندهم جميعاً ما بين 80 و85 تقريباً، وخلال فترة اد 600.000 سنة الماًضية، ظهر في أفريقيا السلف المحتمل للإنسان الحديث أو «الإنسان العاقل الأول» Homo sapiens idelta مع مستوى وعي تراوح أيضا ما بين 80و85 . يشار إلى استمرار الأنا البدائية في الإنسان على اعتبارها جوهر النرجسية ب «الأنانية»، والتي تدل في مستويات التقييم الأقل من 200 على استمرار بدائية المصلحة الذاتية، والاستخفاف بحقوق الآخرين، والنظر للآخرين على أنهم أعداء ومنافسون وليس كحلفاء. يتكتل البشر ضمن مجموعات لدواعي السلامة ويكتشفون فوائد التعاون والتبادل الذي كان مرة أخرى النتيجة الطبيعية لتشكل المجموعات والجماعات وعائلات الحيوانات في مملكة الثدييات ومملكة الطيور.
تطورت مستويات تقييم الوعي عند البشر ببطء، ففي الزمن الذي ولد فيه بوذا كان الوعي الجمعي للجنس البشري بأجمعه يقع عند مستوى التقييم 90، ثم ارتفع بعد ذلك إلى المستوى 100 عند ولادة السيد المسيح، وتطور تدريجياً وبشكل بطيء خلال الألفية الثانية ليصل إلى المستوى 190، حيث استقر عند هذا المستوى لعدة قرون حتى نهايات عام 1980 . وبعد ذلك خلال فترة التقارب التوافقي Harmonic Convergence في نهايات عام 1980 قفز هذا المستوى من 190 إلى ما بين 204-205، حيث بقي عند هذا المستوى حتى شهر تشرين الثاني لعام 2003 ليقفز بشكل فجائي من 205 إلى مستواه الحالي عند 207. وفي الوقت الحاضر يندرج قرابة ثمانية وسبعون بالمئة من البشرية كلها تحت مستوى الوعي 200، وعلى الرغم من أن ذلك يشكل تسعة وأربعين بالمئة فقط في أمريكا، فإن الأهمية تكمن في أن مستوى الوعي لما يقارب ثمانين بالمئة من سكان العالم ما يزال دون المستوى 200، ولذلك فهم يقعون تحت سيطرة الغرائز الحيوانية البدائية والدوافع والسلوكيات (وذلك ما توافينا به نشرات الأخبار المسائية).
من الدلالات الرئيسية على مقياس تدرج الوعي (المبين أدناه) هو أن المستوى الحرج 200 هو الذي يميز ما بين الحق والباطل، ولهذا السبب فإن المستويات الواقعة فوق مستوى التقييم 200 والتي تتقدم لوغاريتمياً تدل على مستويات السلطة، في حين أن المستويات الواقعة تحت المستوى 200 تدل على الاعتماد على القوة سواء العاطفية منها، أو المادية، أو الاجتماعية، أو أياً كان شكلها، ويمكن الدلالة على هذا التمايز بالقول المأثور: بأن القلم
(أي الأيديولوجيا) أشد تأثيراً من السيف (أي القوة) .
وعلى نحو كبير من الأهمية أن فيزيولوجيا الدماغ تتغير أيضاً بشكل دراماتيكي عند مستوى الوعي 200، والذي يشكل المستوى الذي تتغير عنده طبيعة الحياة، ليس عند البشر وحسب بل في مملكة الحيوانات أيضاً من المفترس إلى الأليف، وهو ما يتم التعبير عنه ببروز الاهتمام برفاهية الآخرين وبقائهم وسعادتهم بشكل أكبر من الاهتمام بذات الشخص. ويبين المخطط التالي بوضوح فوائد تطور النمو الروحي والاهتمام.
وسيتم التحقق من ديناميات الأنا في كل فصل من الفصول التالية من خلال تطابقها مع مستوى معين، وبالتالي توضيح هذا الموضوع بمزيد من التفصيل.