مقدمة
لا أستطيع أن أرى سوى قدمي، والضوء الأحمر الوامض فقط. أتذكر ما كان يدور في ذهني: هل هذا إذن هو النجاح؟ ها أنا بعيدة عن بيتي، وعائلتي وأولادي، وحياتي.
كنت مستلقية في مؤخرة سيارة إسعاف بعد أن وصلت فقط إلى الأربعين، وفكرت في أنني سأموت من أزمة قلبية، مع أنني قد انهرت فقط من الإجهاد.
حدث هذا في منتصف حياة مهنية سعيدة وناجحة للغاية. كنت قد ترقيت من فوري من مديرة المتجر إلى مديرة الموارد البشرية في شركة إيكيا بأمريكا الشمالية، وكنت أسافر أسبوعياً من بيتسبرج إلى فيلادلفيا. وكنت قد تزوجت برجل رائع هو بمنزلة زوجي وصديقي منذ بضع سنوات فقط، كنا نربي طفلين رائعين، وكنا نعتني بأمور المنزل، ونعتني بالكلب كذلك، وبالكثير من الأصدقاء. ولكنني في وقت ما كنت قد نسيت الاعتناء بنفسي.
وفي وقت لاحق، أدركت أن هذه اللحظة كانت هدية لا تقدر بثمن. ولم أتمكن من رؤيتها في تلك اللحظة، ولم أتمكن لأشهر تالية، ولكن اتضح أنها كانت نقطة انطلاق حقيقية في حياتي. إن النجاح لا يعني صعود السلم الوظيفي للوصول إلى أعلى المراتب، والسعي أسرع وأسرع، وإنجاز المزيد والمزيد من الأعمال، بل هو القيام بما نحب، وإتقانه، وعدم نسيان أنفسنا خلال هذه العملية.
ولم أعد أربط النجاح الشخصي بالمسمى الوظيفي، أو المكانة، أو المال، أو الممتلكات بعد الآن، ولكن من خلال القدرة على الوقوف على قدمين واثقتين، وأن تترسخ في داخلي حقيقتي وقيمي، وخبراتي، ونقاط القوة، والعيوب الجميلة، وكذلك من خلال تقبل أية فرصة أو تحد يواجهني.
لدى حياة مهنية رائعة وحياة سعيدة. وقد تركت الدنمارك في سن الثالثة والعشرين، صحفية فاشلة بتصريح عمل فقط، ووثيقة تسجيل لشركة فلوريدا، وروح المبادرة، وقيمي الدنماركية، والشعور بأنني على مشارف مغامرة جديدة، و إمكانات غير محدودة في الولايات المتحدة. أما الآن فإنني قد صعدت السلم الوظيفي في الشركة، حيث بدأت بوظيفة بيع الأثاث مقابل خمسة دولارات في الساعة، وصولاً إلى الرئيسة التنفيذية لشركة إيكيا في أمريكا الشمالية، والمديرة الدولية للموارد البشرية لنحو ٠٠٠٠ ١٣ موظف، وعضوة في الفريق التنفيذي لشركة إيكيا لأكثر من عشر سنوات، وفي كثير من هذه السنوات كنت أنا المرأة الوحيدة غير السويدية الموجودة في الشركة.

وقد عملت في إيكيا أكثر من عشرين عاماً، تزداد مسئولياتي ومهام وظيفتي، وكذلك مسئولياتي بوصفي أنا وزوجة، ومهمة التوفيق بين كل هذه الأمور.
لقد فقدت نفسي خلال السعي إلى تحقيق الكمال بوصفي مديرة تنفيذية، وأنا، وزوجة، وصديقة في الوقت نفسه. وكنت أتعثر وأنهض، وأحيانا أسقط خلال رحلتي على الصعيدين المهني والشخصي.
وقد أقفت هذا الكتاب حتى أتمكن من مشاركة هذه القصص معكم، ما تعلمته طوال الطريق، والممارسات التي طورتها لصياغة حياة أفضل عن قصد .
وأريد أن أتحدث عن رؤيتي عن تبني فكرة تحقيق الكمال، ووضع الحدود، وتحديد أولويات كل يوم من أجل تحقيق نتائج ناجحة في جميع جوانب الحياة.
وآمل أن يكون ذلك مصدر إلهام لك؛ لتولي مسئولية حياتك، ومتابعة ما تحب، والتواصل مع قيمك، وتعزيز نقاط القوة الأساسية لديك، واتخاذ القرارات، وتحديد الأولويات، حتى تتمكن من إطلاق العنان لقدراتك الكاملة، والتمتع بحياة يومية رائعة، بدلاً من أن ينتهي بك المطاف في سيارة إسعاف تصدر صوت صافرات الإنذار، والتفكير في أن كل شيء قد انتهى قبل أن يبدأ حقاً.
الكثير منا يركز على حياته المهنية، ويقود لمئات الكيلومترات في الساعة بأداء جيد في جميع الاتجاهات طوال الوقت من أجل تحقيق الكمال. وربما تكون البداية هي الشعور بالشغف، وفي مرحلة ما، دون أن نعرف ذلك، تتحول إلى  الاستحواذ، وربما الإدمان لدى البعض, وهذا هو ما حدث لي. أحببت ما كنت أفعله، ظللت أتقدم أسرع وأسرع، وأضطلع بالمزيد والمزيد من المهام. لم أكن أتوقف. نسيت أن أحصل على أي وقت مستقطع للراحة، وأهدئ من وتيرتي في العمل، وأقضي بعض الوقت الهادئ الرائع مع نفسي، ومع الأشخاص الذين أحبهم. وفي أحد الأيام، رفض جسدي كل ما أفعله به، وقال لا، وأوحى إلى بأنني مصابة بنوبة قلبية وهمية، وهي نوبة قلق قد نتجت عن كوني في حالة من الإنكار فترة طويلة.
وعندما قصصت هذه القصة، جاءني الكثير من الأشخاص، وقالوا لي إنهم قد عاشوا شيئا مماثلاً. وأنا أعلم أن هناك الملايين لا يزالون في حالة إنكار، ولديهم تجارب مماثلة تماما يضربون بها عرض الحائط، ويخفون ما يشعرون به؛ لأنه لم يكن جزءا من الخطة.
ألتقي بأشخاص كل يوم -سواء أكانوا طلاب جامعة، أو كبار المسئولين التنفيذيين، أو آباء غادر أبناؤهم منازلهم، أو أشخاصا أرهقتهم وظيفتهم- يكافحون للتواصل مع ما يريدون القيام به حقا.
أعتقد أن لدينا جميعاً إمكانات غير محدودة، لكن عقولنا والطريقة التي نفكر بها في أنفشنا هما أكبر العقبات التي نواجهها. فقد عملت مع الآلاف من  الاشخاص، ورأيت المعجزات التي قد تحدث عندما يكتشفون إمكاناتهم غير المحدودة، ويبدأون تحقيق الأمور التي لم يعتقدوا قط أنها كانت في استطاعتهم.
عندما يتعلق الأمر برفاهيتنا الشخصية، فإن معظمنا يصيبه الكسل. ونحن نترك الأشياء كما هي، حتى عندما لا تجدي أي نفع بالنسبة إلينا. ونحن في كثير من الأحيان نكون غير متيقنين من المجهول، ونركن إلى الراحة، أو نعتقد أننا لا نملك الموارد والطاقة لعيش حياة ممتعة.
ومهما اعتقدنا أن هذه الأعذار جيدة، نجد أنها مجرد أعذار واهية. فماذا يحدث حين تسأم من مظهر غرفة نومك أو مطبخك؟ أعلم بحكم خبرتي من العمل ثلاثين عاماً في مجال الأثاث المنزلي أننا سوف نستغرق ساعات؛
لنضع الخطط لما نريد. فنحن نكتشف ما نريد تغييره، ونمتلك هدفاً واضحاً. نقرأ المجلات المهتمة بأمور المنزل، ونقضي أسابيع في التداول حول لون الطلاء، ونوع الأثاث والأقمشة، والإضاءة ؛ ونسأل أهل الخبرة، ونستثمر المال، ونقضي يوم السبت تلو الآخر في الذهاب إلى متجر ثم آخر، أو نقضي ليالي لا نهاية لها في البحث على الإنترنت عن مجرد المظهر المناسب الذي سيجعل حلمنا يتحقق.
عندما يتعلق الأمر بالتنمية الشخصية وحياتنا، نحن لا نبذل هذا القدر من الوقت والطاقة. ولم لا؟ فهذا أكثر أهمية من أي شيء آخر، فلماذا لا نتصرف بطريقة تبين أن تغيير حياتنا أكثر أهمية من تغيير مطابخنا؟
ولكن إذا كنت تريد إحداث تغيير حقيقي، فعليك استثمار الوقت والجهد، والفكر. اكتشف من أنت وماذا تريد. تحمل مسئولية العمل، تماماً كما تفعل عندما تضطلع بوظيفة إعادة تزيين غرفة نومك، أو إعادة تصميم المطبخ الخاص بك.
ولا يقدم هذا الكتاب سبع خطوات لحياة ناجحة، أو ثمانية قوانين للقيادة الفعالة، بل أدوات لإعادة تصميم حياتك.
ويبدأ بتشجيع ذاتك القوية التي لديها إمكانات غير محدودة, وسترى أن هناك العديد من الأمور المذهلة التي تحدث عندما تتحمل مسئولية حياتك. ويمكنك التوقف عن اللوم، والشعور بالضآلة، وكونك ضحية، والبدء في الشعور بالثقة والمسئولية.
وسوف أعرض عليكم أبياتا من الشعر، وأساعدكم على تحديد إيقاعكم في الحياة، وتحديد قيمكم ووجهتكم فيها. وسأخبركم عن الأمهات غير البارعات، وضرورة مواجهة الأوهام، وأمل أن تلهمكم قصتي الشخصية، التي تدور حول تعرضي للانتكاس، لمواجهة الواقع وإعطاء أنفسكم وحياتكم الأولوية.
يقدم إليك كل فصل في هذا الكتاب الأفكار والتمارين العملية، وبعض الأدوات الجيدة التي جمعتها طوال الطريق. ويمكنك اختيار أي من الممارسات التي يمكنك استخدامها لتصميم الحياة التي تريد أن تعيشها.
نصيحتي الأكثر أهمية لك هي: ضع خطة لحياتك داخل حياتك المهنية بوصفها جزءا لا يتجزأ منها، بدلاً من أن تعيش في هذه الحياة دون غرض أو مقاصد واضحة. أريد أن ألهمك وأحفزك، خاصة إذا كنت قد تعبت من الاستيقاظ كل صباح بصورة تلقائية، والذهاب إلى العمل، والعيش في حالة من الفتور.
قد تتفاجا بأن لديك القوة والفرص اللازمة لاختيار الحياة التي تريد أن تعيشها. ويمكن أن يكون هذا الأمر بيديك، شريطة أن تكون على استعداد للعمل بجد. وأنا أعلم من التجربة أن هذا يتطلب جهدا كبيرا، ووقتاً، والتزاماً حقيقياً، ووضع أهداف محددة. ولكن هذا الأمر يستحق كل هذا العناء.
آمل أن تمنحك تجربتي وقصتي الشجاعة لإيجاد طريقتك الخاصة لتحديد ايقاعك في الحياة. والخبر السار هو أنك لست محتاجاً إلى أن تكون في سن الخامسة والخمسين لتمتلك الثقة، أو أن تكون لديك الشجاعة لتعيش الحياة التي تريدها-
فقد غادرت إيكيا قبل ثلاث سنوات دون خطة بديلة، وأنا الآن أتبع نصيحتي الخاصة، وذلك باستخدام ممارساتي الخاصة، كما أقوم بإعداد الجزء التالي من حياتي. لقد ألقيت وراء ظهري تعليمات ألين وما سببه من ألم. ماذا تنتظر؟
''أيا كنت، أو أيا كان ما تفعله، عندما ترغب حقا في شيء ما، فان تلك الرغبة تولد من روح الكون. هذه هي مهمتك على الأرض. . . إن إدراك هدفنا الحقيقي في الحياة هو أحد الالتزامات المفروضة على البشر. وعندما ترغب في تحقيق شيء ما، تتهيأ لك الظروف لتحقيقه .
- باولو كويلو، The Alchemist