يشقق الفعل "يدمن" بالإنجليزية من اللاتينية، ويعني "يعهد إلى" أو "يستسلم" لـ ، وليس هناك تعريف معاصر محدد للإدمان؛ لذا سنستخدم في هذا الكتاب "تعريفا عمليا" يتسق مع ما هو معروف عن علاج الإدمان، ومع المنطق أيضا. الإدمان هو الممارسة المتكررة لأى شيء، مهما كان ثمن هذه الممارسة الناجمة عن اشتهاء هذا الشيء باهظا. والمفاهيم الأساسية الثلاثة في هذا التعريف هي أي شيء ، و باهظ ، لاشتهاء ، فلنتد خطوة إلى الوداء. الاشتهاء. قد يكون الاشتهاء خبرة كاملة: مشاعر، أو أفكارا، أو أحاسيس، أو صورا؛ فعندما تشتهي شيئا، فهذا يعني أنك ترغب في مادة معينة، أو نشاط معين بشدة، وأن لديك دافعا ملحا إلى الحصول عليه، فتقفز، وتنتفض، وتشعر بأنك تعجز عن الاستمرار من دونه، وتبدأ فقدان الاهتمام بأي شيء سواه، وتتذكر "النشوة" التي غمرتك سابقا، عندما حصلت على هذا الشيء؛ فتتطلع إلى المرة التالية التي تحصل عليه فيها. ويشبه الشعور بالاشتهاء الدخول في نفق؛ حيث يزيد شيئا فشيئا، وتقل يتك لكل ما حولك رويدا رويدا، ويتزايد تركيزك على نيل مصدر إدمانك مرة أخرى. وإذا لم يعرقلك شيء بارز، فستستمر في السير في طريقك فحسب؛ لذا خصصت الفصول من ٨ إلى ٠ ١ لكيفية التعامل مع الاشتهاء. الثمن الباهظ. لكل شيء ننخرط فيه ثمن؛ فإذا كان الثمن مناسبا للفائدة التي سنحصل عليها من هذا الشيء، نشعر بالرضا. وإذا كان الثمن متدنيا، فهي صفقة رابحة. أما في الإدمان، فإن كلأ من الثمن والفائدة( الشعور بالنشوة التي تنتاب المدمن بعد إرضاء شعوره بالاشتهاء) باهظان. وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك فوائد للإدمان (وهو ما سنتعرض له في الفصلين٣ و٤ ) ، فإنه لا يعد صفقة رابحة. وفي الادمان بشكل عام، تحدث الممارسة المتكررة؛ لأن رؤية نفق الاشتهاء تعوقنا بشكل لحظي عن إدراك التناقض بين الثمن والفائدة، وفي الإدمان متوسط الحدة يزيد الثمن على الفائدة بوضوح، ولكن بدرجة طفيفة، أما في الادمان الداد فيكون الغرق بين الثمن والفائدة هائلاً. أما العادة فهي ممارسة متكررة يكون فيها الثمن والفائدة متساويين. أي شيء. على الرغم من أن الإدمان عاد؛ ما يكون لمادة، فقد صار هناك إقرار في السنوات الأخيرة بأنواع الإدمان الأخري، مثل القمار، والجنس، وإنفاق الأموال، والدخول في علاقات، وغيرها من الأنشطة الإدمانية. واتضح الآن أن أية مادة أو نشاط (بما يعني أي شيء ) قد تؤدي إلى الوقوع في الإدمان؛ لأن الإدمان نوع من العلاقات بين فرد ومادة أو نشاط. وإذا كنت محتاجا إلى أمثلة عن المواد أو الأنشطة، فتفقد القائمة السابقة التي تضم الأنواع المختلفة للإدمان، وهي ليست قائمة نهائية (فهذا مستحيل) ، لكنك ستجد بها الكثير من أنواع الإدمان الشائعة. ولتعلم أن الفرد مساهم نشط في علاقة الإدمان ، وأنه ليس الضحية مسلوبة الإرادة لمادة أو نشاط؛ فإذا كنا نعيش تحت وطأة مواد أو أنشطة معينة، فإن هذا يعني أنه من المفترض أن كل من يتعرض لها قد يقع في الإدمان، لكن هذا لا يحدث. ولنتناول مرض الرهاب كمثال؛ فكلنا يتعامل مع المصاعد، والقيادة على الطرق السريعة، والمرتفعات، والحشرات، وغيرها من عناصر الحياة اليومية، ولكن عددا قليلاً منا فقط يعاني رهاب هذه الأشياء (خوفا مفرطا منها). ومن المحتمل أن يصاب الشخص برهاب أي شيء، لكن معظم أنواع الرهاب تقوم على أشياء أو مواقف متوقعة من جانب المريض. وتعتبر أنواع الرهاب متوقعة؛ لأن الأشياء أو المواقف المتعلقة بها مخيفة لمعظم الناس بدرجة ما على أقل تقدير لتفكيرهم في احتمالية النجاة (أو عدم النجاة) من هذا الشيء أو الموقف. فإذا تقطعت وصلات المصعد، فقد تقع حادثة سقوط، أو إذا لدغتك حشرة حاملة لمرض، فربما يؤدي هذا إلى وفاتك؛ لذلك فإننا نصاب بالرهاب من هذه الأشياء، لكننا طبعا لا نعاني رهاب المكاتب، أو الكتب، أو الأرصفة، أو غيرها من الأشياء غير الخطرة في الغالب. وبالمثل، تميل أنواع الإدمان المختلفة إلى أن تتطور إلى مواد أو أنشطة تؤثر بشدة في الانفعالات. وتعرف المواد التي تؤثر في الانفعالات عن طريق الأفعال الفسيولوجية (أو الجسمانية) بالمواد نفسية التأثير ، وأيضا المواد التي لا تعتبر "نفسية التأثير فسيولوجيا" قد تصبح كذلك؛ نتيجة ارتباطات مكتسبة تتعلق بهذه المواد. وقد لاحظت عددا (قليلاً) من أنواع الإدمان لمواد غير نفسية التأثير، وعلى الرغم من ذلك، فإن عواقبها السلبية كبيرة. إذا كان الإدمان علاقة، فليست هناك أية مواد أو أنشطة هي "الأكثر إدمانا " لكن كثيرا ما يقال إن الهيروين أو الكوكايين الصلب هما أكثر المواد إدمانا. وعلى الرغم من أن الكثيرين قد يسعون، أكثر مما قد يفعلون مع بعض المواد الأخرى، إلى تجربة هذه المواد مرة ثانيه، (مع أنه لم يثبت أحد هذا من قبل) ، فما لا شك فيه كذلك أن أفرادا كثيرين لا يسعون إلى تجربة هذه المواد للمرة الأولى في الأساس، وأن الكثيرين غيرهم، بعد تجربة الهيروين والكوكايين الصلب مرات عديدة، لا يسعون إلى تجربتهما مرة أخرى. وعلاوة على ذلك، يقر من أقلعوا عن إدمان الهيروين والسجائر، أو عن الكوكايين الصلب، بأنه على الرغم من استمتاعهم بالهيروين أو الكوكايين بشكل أكبر، كان الإقلاع عن السجائر أكثر صعوبه، فمثل كل العلاقات، للعلاقة الإدمانية محاور عديدة. وقد تكون هناك علاقة هي الأكثر إدمانا بالنسبة إلى شخص ما؛ وتعرف هذه العلاقة كثيرا بـ "المخدر المفضل" ، والسبب في كون هذا المخدر (أو النشاط) هو الأكثر تفضيلاً ناتج بلا شك من تداخل معقد بين العوامل البيولوجية للشخص، وحياته الشخصية، وشخصيته، وظروفه التي تفوق قدرته الحالية على التعبير. كذلك نحن غير قادرين على تفسير الكيفية التي يكون فيها لأصحاب المخدر المفضل وعدد من أنواع الإدمان الإضافية المحتملة رد فعل إيجابى متوسط أو بلا رد فعل إيجابى من الأساس لمواد أوأنشطة "إدمانية" أخرى، غير ذلك المخدر. ومع أننا قد ندمن أي شيء تقريبا، فإننا أيضا عادة ما نكون بعيدين جدا عن إدمان كل شيء. باختصار، قد تدمن أية مادة أو أي نشاط، لكن الإدمان بمختلف أنواعه يكون فقط لتلك المواد أو الأنشطة التي تؤثر في الانفعالات في ظل الظروف العادية. ومع أن الفرد قد يعاني بشكل أكبر نوعا من أنواع الإدمان، فإنه لا يعاني ميع الأنواع- وهناك الكثير من السلوكيات التي تبدو للوهلة الأولى مناسبة للتعريف العملي للإدمان؛ فخريج الجامعة الجديد الذي تؤدي به المرة الأولى التي يفرط فيها في تناول الكحول إلى قسم الطوارئ ربما لا يكون قد تناول الكحول بشكل متكرر من قبل (مع أنه قد يفعل ذلك قريبا) . والمريض الذي يتعاطى الأفيون لتسكين ألمه ربما لا يشتهي الحقنة التالية كي يشعر بـ النشوة ، لكنه ببساطة يود تلطيف حدة الألم. كذلك لاعب البوكر يدفع ثمنا ثانويا عندما يخسر جولته، لكن متعة لعب القمار في ذاتها، بالنسبة إليه، تفوق ذلك الثمن؛ لذا يكون هذا الفعل بالنسبة إليه غير مبالغ فيه. وهكذا توضح هذه الأمثلة كيف يعتمد الإدمان إلى حد كبير على السياق الذي يحدث فيه؛ فالثمن الثانوي لأحد الأفراد قد لا يكون بالقيمة نفسها بالنسبة إلى فرد آخر. ويتفق التعريف العملي للإدمان في عدد من الجوانب مع التعريف التقليدي للإدمان (أو إدمان الكحوليات) على أنه مرض، والعناصر الثلاثة للتعريف التقليدي هي: الاشتهاء، والعواقب، وفقدان السيطرة. ويعتبر الشخص من وجهة نظر التعريف التقليدي إما مدمنا وإما لا، كما تعتبر السيطرة على الاشتهاء غير ممكنة، ويعتبر الإدمان متوسط الحدة أمرا يستحيل حدوثه عمليا. لكن الحقائق تناقض هذا النموذج المرضي للإدمان؛ فهناك مجموعة (أو في الواقع مجموعات متنوعة) من السلوكيات الإدمانية، وليس هناك خط فاصل محدد يوضح الحد الذي يبدأ عنده الإدمان. كذلك من الممكن السيطرة تماما على الاشتهاء (وإلا أصبح الإدمان حالة ميئوسا منها ولا يرجى شفاؤها، ولكنه ليس كذلك!)، كما أن الإدمان متوسط الحدة ممكن الحدوث، ويستحق أن نوليه بعض الاهتمام. ويشير التعريف العملي للإدمان أيضا إلى احتمالية الانخراط في الإدمان الإيجابي (أو تبني عادة حميدة)؛ وهو تعاطي مادة أو ممارسة نشاط بشكل دوري منتظم، تصاحبه درجة طفيفة من الاشتهاء، وفيه تفوق الفائدة الثمن. أما العادة فتعتبر ممارسة متكررة يتساوى فيها الثمن والفائدة تقريبا. وما يثير السخرية، أن قرار الإقلاع عن الإدمان (السلبي) يحمل في طياته إدمانا إيجابيا . ولنتناول غسيل الأسنان كمثال؛ فإذا كنت معتادا أن تغسل أسنانك بانتظام (وهوما آمل أن تفعله؟ ) ، لكنك أضعت فرشاتك، فهل ستشتهي فرصة غسيل أسنانك؟ نعم، سوف أشعر بذلك، وأعتقد أن الكثيرين سيشعرون بذلك أيضا. وهنا، لا تعد درجة الاشتهاء عالية، لكنك تشعر بأن ثمة ما ينقصك. وبينما تظهر أنواع الإدمان الحادة، يتلاشى الإدمان الإيجابي من حياة الفرد (بما في ذلك غسيل الأسنان!)، وتمثل استعادة هذه السلوكيات (وتطوير سلوكيات أخرى جديدة) جانبا حاسما في التغلب على الإدمان. تلخيصا لما سبق، هناك متسلسلة من السلوكيات المتكررة؛ في أحد طرفيها يقف الإدمان الضار (الذي يفوق فيه الثمن الفائدة)، وفي الطرف الآخر يقف الإدمان الإيجابي (الذي تفوق فيه الفائدة الثمن)، وبينهما تأتي العادات المحايدة، وفي كل نوع من أنواع الإدمان والعادات هذه يوجد الاشتهاء بدرجة ما. كذلك من الممكن أن نصف المتسلسلة بأنها تتكون من عادات سيئة، وعادات محايدة، وعادات حميدة. وعندما أذكر كلمة الإدمان، فإنني أقصد به الإدمان الضار وفقا للتعريف العملي للإدمان المذكور سابقا، أما إذا قصدت الإدمان الإيجابي أو العادة الحميدة، فسأشير إليهما بهاتين الكلمتين. ومن الممكن أن يكون السلوك المتكرر نفسه إدمانا إيجابيا، أو إدمانا ضارا، أو عادة؛ ومن بين الأمثلة على ذلك التريض، أو شرب الخمر. كذلك يعد الكوكايين مثالاً آخر؛ إذا وضعنا فى اعتبارنا الملايين من سكان أمريكا الجنوبية الذين يمضغون أوراق نبتة الكوكة التي يستخرج منها الكوكايين؛ وهي الممارسة التي تشبه تناول القهوة. فمن المحتمل أن يقف أي سلوك إدماني (بالنسبة إلى البعض) في طرف السلوكيات الإدمانية الحادة في المتسلسلة، ومن المحتمل أن يقف أيضا (بالنسبة إلى آخرين) في الطرف الآخر (على الرغم من أن الأفعال المرتبطة بهذه السلوكيات الإدمانية قد تكون مختلفة كلية) . وقد تميل بعض السلوكيات الإدمانية عند ممارستها إلى أن تقف عند أحد طرفي المتسلسلة (كغسيل الأسنان)، لكن ما يحدث في المعتاد قد يحدث كذلك في ظل ظروف أو سياقات غير اعتيادية؛ فلا بد إذن عند تحديد الثمن والفائدة لأي سلوك من أن نضع في الاعتبار تكرار السلوك، وحدته، والسياق الذي يجري فيه، وغير ذلك من العوامل. بإيجاز، لفهم إدمانك، أنت تحتاج إلى فهم حياتك؛ وهو ما يحاول هذا الكتاب أن يساعدك على فعله.