إننا نعيش أوقاتاً مثيرة؛ حيث تجمع التقنيات الحديثة لفحص المخ الادلة التي تظهر أنه يمكن للممارسة المستديمة لتمرينات التأمل والوعي التام أن تؤدي في الواقع إلى إحداث تغييرات مادية في بنية المخ التي يصاحبها الشعور بالسعادة، والسلام، والطمأنينة؛ ومن ثم، يؤكد العلم نجاح علم النفس الإيجابي؛ لذلك فإننا نركز في هذا الكتاب على المكونين الجوهريين لعلم النفس الإيجابي، وهما: الوعي التام، والتقبل. لوعى التام قصد بالوعي التام الإدراك الذي ينتج عن الانتباه عمداً إلى اللحظة الحالية.

ويمكننا من خلال وضع منهجية واعية فيما يتعلق بالاكتئاب اكتشاف كيفية الاستمتاع بالحاضر بدلاً من الاستغراق في التفكير في الماضي، أو القلق بشأن المستقبل. والوعي التام هو اصطلاح قديم مستوحى من ممارسات التأمل التي تعود ربما إلى أكثر من ٢٦٠٠ عام مضت، ويمكن تعريفه بأنه الة نفسية من الوعي دون إصدار أحكام ؛ وهو مزيج من التأني‘ وعمل شاط واحد فحسب في اللحظة الواحدة، والتمتع بالإدراك التام للتجربة الداخلية والنشاط الخارجي. و يوفر الوعي التام ترياقاً فعالاً لعلاج التوتر الناتج عن ضغوطات الوقت، والتوقعات المفروضة على الذات، وتحميل النفس فوق طاقتها، والتشتت، والعصبية، والقلق. ويعتبر حالة ذهنية، لا سمة سلوكية، وعلى الرغم من أنه يمكن تعزيزه عن طريق ممارسات أو أنشطة معينة، مثل التاي تشي الصيني، فإن هذه الممارسات لا تضاهيه، ولا هي مرادف له.

و يساعدنا الوعي التام على الكشف عن إحساس جديد بالثقة بالنفس والاعتزاز بالذات. وبالممارسة المنتظمة نصبح واعين بانفعالاتنا، وبتأثيرها فينا، وأسبابها، وكونها مؤقتة، ونصبح كذلك واعين بطرق تفكيرنا الخاصة، كما نصبح واعين بكيفية تأثير أفكار معينة في انفعالاتنا، ونتعلم كيف يمكننا أن نأخذ خطوة إلى الوراء، وتقييم النتائج، ثم الاستجابة بوعي كامل. ونصبح هوداً على أفكارنا وتجاربنا كما هي دون تحيز. و كلما مارسنا تقنية الوعي التام، صرنا قادرين على التغلب على الحكم المستمر على الذات، والمبالغة في ردة الفعل تجاه التجارب الداخلية والخارجية التي تنساب داخل عقولنا باستمرار. وفي النهاية، يتولد لدينا تركيز مستديم، ونستطيع اكتشاف منظور جديد للأشياء، وكسب رؤية أوضح، وإطلاق العنان لطرق مبتكرة لحل المشكلات.

ويمكننا تعزيز الوعي التام عن طريق ممارسة تمرينات تأمل الوعي التام ؛ وهو ممارسة تنظيم ذاتي تركز على تدريب الانتباه والوعي على وضع العقل تحت المزيد من السيطرة الإرادية؛ ومن ثم، يؤدي إلى التمتع بالصحة النفسية، والهدوء، والصفاء الذهني، والتركيز بشكل عام. وقد أوضحت الدراسات التي أجريت في جامعة أوكسفورد أن تأمل الوعي التام لا يساعد على تخفيف أعراض الاكتئاب بسرعة فحسب، بل إنه أيضاً يمنع عودة إصابة الفرد بالاكتئاب بنسبة هائلة تقدر ب٠ه/. وقد تبنى وادي السيليكون تقنية الوعي التام، وكذلك الكثير من الشركات الأخرى، كما أشاد ستيف جوبز بمساعدة هذه التقنية له على صرف عوامل التشتت عندما كان يحتاج إلى التركيز على تأسيس شركة أبل. وتوفر أيضاً مؤسسة جوجل تمرين الوعي التام لموظفيها منذ سنوات عديدة، كما لديها برنامج يدعى "ابحث داخل ذاتك" أو -Search Inside Your self ؛ لمساعدة أبرز موظفيها من المبدعين على الاسترخاء والهدوء. ويهدف هذا البرنامج إلى مساعدة الموظفين على بناء حس البهجة في داخلهم في أثناء عملهم؛ فيا له من أمر رائع! وبالطبع، لا عجب من ضم قائمة الانتظار الخاصة بهذه الدورة خمسمائة موظف!