عندما تسوء الأمور كلها، قد يبدو لنا الاكتئاب كالغطاء المريح؛ فإننا على الأقل نعرفه، ونعرف أننا عندما نكون فريسة لهجومه الضاري، نفقد الإيمان بأنفسنا. وإذا عانيت الاكتئاب مدة طويلة، فقد يصبح وضعاً افتراضياً ؛ ومن ثم، قد يصبح من المريح العودة إليه مجدداً، والعودة إلى هذا الركن المنزوي من اليأس، والعجز، عندما تبدو الحياة قاسية للغاية ومتقلبة. وعندما كنت أنا في هذه الحالة، كنت متفهمة المأزق الذي أوقعت نفسي فيه عندما فقدت الأمل في أن تنكشف عني الغمة، وسقطت مجدداً في بئر الاكتئاب. لكن كان لهذا فوائده أيضاً ... فقد ظننت أن العدو الذي تعرفه خير من الحليف الذي لا تعرفه! ولأن اليأس إحدى ركائز الاكتئاب, شعرت أيضاً بأنني يائسة من التعافي منه على الإطلاق؛ وهو ما جعلني حبيسة دائرة الاكتئاب.

لكن ماذا لو كان بمقدور الاكتئاب الذي تعانيه أن يساعدك فعلاً؟ فمثلما ينبهك الألم الجسدي الذي تشعر به إلى إصابتك التي تحتاج إلى العلاج، يمكن للاكتئاب أن ينبهك إلى ضرورة إجراء بعض التغييرات الحياتية. فإذا شعرت بأن ركبتك تؤلمك، فقد يعني هذا أنك تحتاج إلى التوقف مؤقتاً عن ممارسة تمرين الجري والاستراحة حتى تشعر بتحسن، وبالمثل، قد يعني مرضك بالاكتئاب أن هناك خللا ما في جانب من جوانب حياتك، أو أنك تحتاج إلى التراجع عن فعل شيء ما وإعادة النظر فيما يحتاج إلى المعالجة. ولكن، ما المميزات المهمة التي قد يمنحك إياها الاكتئاب؟ بالطبع قد يحصرك الاكتئاب في ركن منزو، لكنك قد تجد في ذلك الركن الوقت والمساحة للاختلاء بنفسك، كما قد يبعدك عن المواقف العصيبة أو عديمة النفع، ويوفر لك مكاناً خاصاً لالتقاط أنفاسك فيه. وتمنحك فترة التوقف المؤقتة هذه فرصة لتكوين وجهة نظر جديدة عن الحياة، وربما يمنعك من اتخاذ قرارات متسرعة أيضاً، أو يمنحك الوقت لإعادة تقييم علاقاتك بالآخرين.

بالتأكيد، بالنسبة إلي، نقلني علاج الاكتئاب إلى حالة جديدة؛ فبالطبع شعرت بعد التعافي بأنني أفضل حالاً؛ لأنني شفيت من أعراض الاكتئاب، ولكن التجربة ذاتها قد غيرتني؛ فقد نبهني الاكتئاب إلى أن هناك خطباً جللاً على |إصلاحه , والعمل عليه ثم تغيره كما استطعت الخروج من القالب الذي 

فرض علي؛ فاكتشفت ذاتي الحقيقية؛ وهو ما أضفى معنى على حياتي. ومن بئر الاكتئاب، تمكنت من إيجاد ذلك المكان الدفين في أعماقي، الذي مكنني من زيادة قدرتي على الإبداع، وزاد من عزيمتي لتحقيق أهدافي، وأدركت أنني لم أكن فاشلة، لكنني كنت مثقلة الكاهل بالكثير من الأعباء والمسئوليات؛ فأتى شيء في داخلي؛ ليقول لي: "هذا يكفي! . وكان الاكتئاب يعتني بي، بينما تسنى لي استكشاف الأسباب وراء محاولتي مصارعة العالم من حولي؛ فقد كان بإمكاني غض الطرف عن كل هذه البلبلة، وصعود السلم المهني، لكن ساعدني الاكتئاب على التأني وعدم التسرع. كما علمني الاهتمام بالأشياء المهمة في الحياة؛ من العلاقات الطيبة، وحب الذات، والاستمتاع باللحظة، والشعور بالتعاطف مع الآخرين. كذلك أصبحت أكثر أمانه وصدقاً، خاصةً مع نفسي؛ فقد كان على التحلي بالشجاعة لمواجهة بعض من هذه الحقائق الحياتية؛ مثل مدى رغبتي في فرض السيطرة على من حولي (وهو ربما الجزء الأصعب في الرحلة كلها)، وأيضاً مدى اعتمادي على الآخرين؛ لمنحي الإحساس بأنني ذات قيمة، و يا له من وضع مؤلم! ولو لم تكن لدى الشجاعة الكافية لإيجاد طريقتي الخاصة للتعافي من الاكتئاب، ولو كنت سلكت الطريق الطبي بدلاً من ذلك، لكنت صدقت أنني كنت ببساطة أعاني خللاً في توازن كيمياء مخي؛ وهو أمر كان من شأنه أن يلحق الاذى والضرر بي؛ فكنت أعلم أن تناول الحبوب ليس الحل. وأخيراً، لم تكن الفرصة لتسنح لي أبداً لفهم وعلاج المشكلات بالغة التأثير في حياتنا، أو تفجير طاقاتي الكامنة، أو الشعور بتقدير العالم من حولي، كما أفعل الآن.