كلما كرهنا أنفسنا لشعورنا بالاكتئاب، أسأنا التصرف في محاولة التغلب على الشعور بالألم بالانخراط في سلوك يعيد شعورنا بالمزيد من الاكتئاب،ويسبب لنا الشعور بالمزيد من الألم؛ فتنتج دائرة مفرغة لا تنتهى. لم نحن مكتئبون؟

طوال الأعوام السبعين الماضية، ساد هوس الأمراض النفسية في أوساط علم النفس، وأنفقت مليارات، بل تريليونات الجنيهات على محاولات اكتشاف السبب في معاناة هذه الأعداد الكبيرة من هذا الاضطراب ، ومعرفة السبب في ارتفاع معدلات الإصابة بـ الأمراض النفسية بشكل هائل، وقد تم تقسيم الاكتئاب إلى أمراض جديدة فرعية مثل الاكتئاب السوداوي، والاكتئاب ثنائي القطب، واضطراب الاكتئاب الجزئي، والاكتئاب الرئيسي، واكتئاب ما بعد الولادة، والاضطراب العاطفي الموسمي، وهناك على الأقل ١٤ مرضاًنفسياً لكل منها برنامج علاجي طبي من العلاج الفعال المناسب له.

والحقيقة أنه على الرغم من كل الأموال التي أنفقت على الأبحاث، لا يمكن الأية جهة طبية الإجابة بثقة عن السؤال الجوهري، وهو: ما السبب في اكتئاب

الكثيرين منا؟ إليك إجابتي باعتباري مريضة سابقة بالاكتئاب: الاكتئاب هو طريقة النفس البشرية للتعامل مع المواقف التي نجدها صعبة، أو من المستحيل التعامل معها، وهو شعور يغلب علينا عندما تغيب أحلامنا عن نواظرنا، أو عندما لا نجد مفراً من موقف صعب. ونصاب به عندما نتبرأ من ذواتنا الحقيقية، الأصلية، أو عندما نعجز عن دعم أنفسنا واستخدام قدراتنا الطبيعية في المضي قدماً، كما يستوطن في داخلنا عندما نفقد الإيمان بأنفسنا، وهو كالمخدر الذي يجعلنا نفقد الإحساس بالألم، ولكنه في الوقت نفسه يجعلنا نفقد الإحساس بالسعادة.

الهجوم المزدوج يؤثر الاكتئاب فينا بطريقتين محوريتين: الأولى، أنه يكبت الانفعالات، والثانية، أنه يجعلنا نبالغ في التفكير بشكل مرضي. والآن، دعنا نتناول كلاً منهما عن كثب بالترتيب.

عدم التعبير عن الانفعالات بشكل صحي تشير كلمة de-pressedبالإنجليزية، أي مكتئب، إلى شيء يتم كبته؛ وعلى المنوال نفسه، فإننا نكتئب نتيجة كبت انفعالاتنا، ولا نسمح لها بالظهور، ولا نطلق لها العنان. ونشعر بمجموعة من الانفعالات طوال الوقت، ولعل طريقة تناولنا لهذه الانفعالات هي التي تحدد مستوى صحتنا الانفعالية، فإذا شعرنا بالغضب، ولم ننفس عن هذه المشاعر بطريقة صحية، فإما أننا سوف نسيء التعبير عنها بطريقة قد تضرنا، أو أننا سنتجاهل هذه المشاعر و نكبتها . وكذلك إذا شعرنا بالحزن ولم نطلق العنان لهذه المشاعر لتنفرج،  فسنحبس دموعنا إلى أن نكبتها أيضاً.

المبالغة في التفكير المبالغة في التفكير هي الأمر الثاني الذي يجعلنا نشعر بالاكتئاب، ولكن ما المبالغة في التفكير؟ يعبر اصطلاح آخر عن المفهوم نفسه، وهو الاجترار؛ ويعني الرغبة في استحضار الأحداث مراراً وتكراراً، كأسطوانة معطلة تستمر في تكرار المقطع نفسه؛ ويتمثل في إعادة التفكير في مشكلة ما أو أخطاء في الماضي بطريقة غير سوية. وقد اكتشفت الأبحاث أن هذه العادة تجعلنا نركز على الأحداث السلبية التي مررنا بها في الماضي، ونفسر المواقف في حياتنا الحالية على نحو أكثر سلبية؛ ومن ثم يستحوذ علينا التفكير في مشكلاتنا، حتى إننا نعجز عن تجاوز الأفكار السلبية.

إننا نمر جميعاً بعثرات في حياتنا، والطريقة التي نواجهها بها تعلمناها في الصغر؛ فعندما تسير حياتنا على ما يرام، فإننا لا نتساءل عن الطريقة التي سارت بها الأمور على هذا النحو الإيجابي، ولكن عندما نمر بمحنة، إذا لم يكن لدينا إحساس فطري بتقبل تقلبات الحياة، وتجاهلنا بشكل افتراضي استجابتنا الطبيعية، قد نقع بسهولة في حالة من الاكتئاب. فنحن لم نولد مكتئبين (إلا إذا كانت الأم مدمنة للكحول أو المخدرات، وهو ما يستدعي المرور بفترة مطولة من أعراض الانسحاب، وهو ما لم يحدث لمعظمنا)؛ لذلك لا بد من أن يحدث شيء كي نصاب بالاكتئاب، ويتمثل جزء من علاج هذا الاكتئاب في معرفة ما حدث، حتى نستطيع تغييره.