بطولات أصحاب الذاكرة القوية
يشارك المتنافسون في رياضة الذاكرة في البطولات الإقليمية أو المحلية أو العالمية ويحققون إنجازات مبهرة. في عام ٢٠١٥، أعلنت موسوعة جينيس للأرقام القياسية أن راجفير مينا استطاع حفظ ٧٠٠٠٠ رقم عشري بقيمة باي (لا تعترف الموسوعة بادعاء أكيرا هارجوشي أنه حفظ ١٠٠ ألف رقم عشري بقيمة باي) . في عام ٢٠١٦، استطاع أليكس مولين، وهو طالب في عامه الثاني في كلية الطب بجامعة ميسيسبي، أن يصبح أول أمريكي يفوز بالبطولة. ومن ضمن إنجازاته أنه استطاع تذكر ٥٢ ورقة لعب في ١٨٠٦٥٣ ثانية، وأرقام ٢٨ رزمة من ورق اللعب (بالإضافة إلى ٤ ورقات منفردة) في ساعة واحدة، و٣٠٢٩ رقما في ساعة واحدة، وه٠ه أشكال في ه ١ دقيقة. المشوق في هذا الأمر هو أن تدريب الذاكرة يعتبر محدد المهام ، فيمكن لمحترفي الشطرنج إلقاء نظرة سريعة على رقعة الشطرنج وتذكر ما يتراص عليها من قطع الشطرنج بالترتيب نفسه وبصورة شبه فورية، بل إنك إن طلبت من أي واحد منهم بعد عدة ساعات إعادة ترتيب القطع بذلك النمط نفسه سيتمكن من ذلك بسهولة. ولكن إن كانت القطع متراصة بصورة عشوائية تماما، فإن نتيجتهم لن تختلف عن نتيجتك إذا ما طلب منك تذكرها. بعبارة أخرى، لن يتذكروها على الإطلاق! وحتى محترفو رياضة الذاكرة الذين يمكنهم تذكر عدد لا يحصى من أرقام رزم ورق اللعب خلال دقائق معدودة لن يتذكروا نمط ترتيب قطع الشطرنج ما
دام كان عشوائيا . هنا هم عاديون - مثلي ومثلك - وذلك يتضح في أي اختبار ذاكرة يخوضونه دون أن يتدربوا عليه .
شاهد الصحفي جوشوا فوير بطولة الولايات المتحدة للذاكرة لعام ٢٠٠٥ للكتابة عنها في مجلة سليت ، وقد أثارت اهتمامه حتى إنه قرر تجربة بعض الطرق التي يستخدمها المتنافسون ليكتشف إلى أي مدى ستنجح معه. لم يقتصر الأمر على اشتراكه في البطولة في العام اللاحق، بل إنه فاز بها (ووضع خلاصة .جهوده وكل ما مر به خلال عام البطولة في كتابه الأكثر مبيعا Moonwalking with Einstein ).
ولكن برغم إتقانه العديد من تقنيات الذاكرة المعقدة، فإنه يجدها أحيانا بلا جدوى في العالم الحقيقي بدلا من كونها صعبة وحسب: لقد صرت أتمكن من تذكر أكثر من ٠ ٣ رقما في الدقيقة، ولكنني لم أستطع الاستفادة منها في تذكر أرقام هواتف الأشخاص الذين كنت أريد بالفعل الاتصال بهم إلا لماماً. أحيانا كنت أتذكر عناصر قوائم التسوق) أو قوائم المهام أو الاتجاهات، ولكن في أحوال نادرة حينما لا يكون بجواري قلم لتدوينها. الأمر لا يتعلق بالمناهج التي استخدمتها، فهي تعمل، وأنا مثال حي لذلك. ففي الواقع يصعب كثيرا العثور على فرص مناسبة لاستخدامها في العالم الحقيقي الذي تتولى فيه الأوراق والحواسيب والهواتف وقصاصات الملاحظات مهام التذكر بدلا مني .
أيمكن أننا إن لم نستخدم طرق تقوية وتمرين الذاكرة، فإننا سنكون جميعاً عاديين؟ أيمكن أن يكون ذلك حقيقيا؟ ماذا عن سائقي سيارات الأجرة في مدينة لندن ممن يخوضون ما يطلق عليه أصعب اختبار في العالم - اختبار المعرفة - والذي يتطلب منهم تذكر ٣٢٠ طريقاً رئيسياً، و٠٠٠ ه ٢ شارع، و٠ ٠ ٠ ٠ ٣ محطة رئيسية (بما في ذلك الفنادق والمطاعم والمدارس وأقسام الشرطة والمعالم والمزارات السياحية)؟ هل يتمتعون مثلا بقدرة فطرية لها
علاقة بالطعام أو الشراب الذي يتناولونه؟
لا، في واقع الأمر. إنهم يستخدمون دائما الطرق التي سنناقشها لاحقا في الفصول القادمة بمزيد من التفصيل. وكما أخبر خبير الذاكرة البريطاني إد كوك الصحفي ’جوشوا فوير قائلاً: "إن ذاكرتي عادية في الواقع؛ فنحن جميعاً (من محترفي رياضة الذاكرة) لدينا ذاكرة عادية