تحركنا النفعية أكثر مما يهتم أغلبنا بالاعتراف به. انظر إلى أمر بسيط ويومي مثل التلويح تحية لك عندما تسمح لسائق آخر بالتقدم أمامك أثناء الزحام المروري. إننا نتوق جميعا للحصول على تلك التحية، ونبحث عنها ونثور -بل ونستشيط غضبا- إذا لم نتلقها.
شاركنا في إحدى المرات الظهور على المسرح مع راهب من الشرق الأدنى عندما أثير موضوع عدم الشعور بالامتنان، إذ قال أحد الحضور في القاعة
متحسرا: أصبح الناس في منتهى الجحود، حتى عندما تكون كريما معهم وتدعهم يتقدمونك أثناء حركة المرود .
تبسم الراهب العجوز والحكيم تعبيرا عن تفهمه وسكت مفكرا، ثم لم يلبث أن سأل: لماذا سمحت لهم بالمرور قبلك من البداية؟ .إجابه ذلك الشخص ساخطا: أردت فعل الخير من أجل غيري.
فاستيقن منه الراهب قائلاً: هل أنت متأكد من ذلك؟ . اعترض الشخص قائلاً: نعم. فعلت ذلك بدافع من روح العطف.
أشار الراهب بهدوء قائلاً. ربما تكون فعلت ذلك لأنك أردت أن يشعرك شخص ما بالامتنان. لقد أردت أن تحس بذلك الشعور الذي ينبع من التحلي بروح الود والعطف تجاه شخص آخر.
بالطبع من الصعب مجادلة منطق كهذا، إذ ربما نتساءل، بعد التفكير في الأمر، عن البراءة المحضة لدوافعنا "الأكثر عطفا".
يدعم هذا النهج في التفكير السبب الذي يجعل الرهبان في جميع أنحاء أسيا لا يسمحون بتلقي هدايا الطعام أو قبول المساعدة؛ إذ يعدونها محاولة من الناس لشراء العاقبة الطيبة من خلال الاهتمام برجال الدين. لا يعتبرون تلك الأفعال نوعا من السخاء بل نوعا من الأنانية: ذلك الشعور بالرضا الذي نحصل عليه، وذلك الشعور بالبر الذي يجعلك تعتبر نفسك إنسانا دمث
الخلق، والأمل في الترقي إلى الدرجات العلى عندما يحين الأجل في النهاية. وهو ما يفسر لماذا لا ينحني الرهبان أو يشكرون من يتلفظون بكلمات الدعم.
إنهم يدركون حقيقة أننا عندما نفكر في أننا نتصف بالعطف، يكون ذلك بدافع من أنانيتنا. مع أننا لسنا رهبانا، ورغم أننا ندافع عن التفكير الأناني، فإن كلمة الشكر أو التلويح للتحية ما تزال استجابات محل ترحاب.