كيف تنتهي الحال بالطفل الذكي بأن يصبح مشتتاً للغاية؟
تبلغ كيتي من العمر ثمانية أعوام. إنه صباح يوم السبت, وقد طلبت منهاوالدتها تنظيف حجرتها, ونبهتها إلى عدم النزول للشارع للعب مع صديقتها حتى يكون كل شيء مرتبا. تترك الطفلة غرفة المعيشة على مضض وتصعد الدرج، بينما يشاهد أخوها أفلام الرسوم المتحركة الخاصة بيوم الإجازة الأسبوعية، ثم تقف عند مدخل الباب وتتفحص المكان: دمى باربي مبعثرة في أحد أركان الغرفة, وهناك كومة مختلطة من الدمى والملابس والأشياء التي تبدو من بعيد مثل حقائب المشردين. والكتب مكومة في كل اتجاه في خزانة كتبها, وبعضها ملقى على الأرضية. باب الخزانة مفتوح, والملابس وقعت من الشماعات وتكدست أمام أرضية الخزانة, مغطية بذلك عدة أزواج من الأحذية وبعض ألعاب الطاولة والأحاجي التي لم تلعبها مؤخرا، كما ألقيت بعض الملابس المتسخة تحت السرير لكنها تظهر في المساحة بين غطاء السرير
والأرضية. وهناك كومة من الملابس النظيفة مبعثرة في أنحاء الأرضية بجانب مكتبها, تركتها هناك بعد بحث جنوني عن سترة مفضلة أرادت أن ترتديها يوم أمس في المدرسة- تتنهد كيتي وتذهب إلى ركن الدمى - تضع زوجين من الدمى على الرف المخصص لها, ثم تلتقط دمية ثالثة وتبعدها على طول ذراعها لتتفحص الملابس التي ترتديها الدمية، وتتذكر أنها كانت تعد الدمية لحضور حفل تخرجها ولكنها لم يعجبها الثوب الذي اختارته، تحرك يدها سريعا في كومة الملابس الصغيرة لتجد ثوبا تفضله أكثر. وبينما هي تجذب السحاب الأخير في الثوب تطل والدتها برأسها عند الباب، وتقول بصوت ينم عن نفاد الصبر: كيتي, مرت نصف ساعة ولم تغطي شيئا! .تأتي والدتها إلى ركن الدمى وتلتقط هي وكيتي الدمى والملابس, لتضعا الدمى على الرف الخاص بها والملابس في الصندوق البلاستيكي الذي يستخدم كصندوق
للملابس، وتنجزان المهمة بسرعة، وقبل مغادرة والدتها الغرفة، تقول: الآن, رتبي هذه الكتب. فتسير كيتي نحو الرف المخصص للكتب وتبدأ في ترتيبها.
في وسط كومة الكتب على الأرضية, تجد أحدث إصدار من سلسلة كتب The Boxcar Children , وهي السلسلة التي تقرؤها .تفتح الكتاب على الصفحات الموضوع فيها فاصل القراءة وتبدأ القراءة، وتقول لنفسها:سأنتهي من هذا الفصل وحسب. عندما تنتهي من قراءته, تغلق الكتابوتنظر إلى أرجاء الغرفة، وتصيح بنبرة حزينة: يا أمي! لا أستطيع ترتيب كل
ذلك! هل يمكنني أن أذهب للعب وأنهي ذلك لاحقا؟ رجاء! .
في الطابق الأسفل, تتنهد والدة كيتي بقوة - يحدث ذلك في كل مرة تطلب فيها من ابنتها إنجاز شيء ما: تتشتت, وتثبط عزيمتها, وتفشل ولا تنجز فروضها ما لم تكن والدتها بجانبها لتشرح لها كل خطوة صغيرة - أو تستسلم وتفعل كل ذلك بنفسها. كيف يمكن لابنتها أن تصبح غير مركزة لهذه الدرجة وغير قادرة على تحمل المسئولية؟ لماذا لا يمكن لها تأجيل القليل مما تحب القيام به إلى أن تنتهي مما ينبغي أن تقوم به؟ ألا يفترض لتلميذ في الصف الثالث أن يتولى بعض الأشياء وحده؟
لقد سجلت كيتي معدل ٠ ٩/ في اختبارات أيوا لتلفظ الحروف منذ أن بدأت في خوضها، وذكر معلموها أنها واسعة الخيال, وبارعة في الرياضيات، وتمتلك حصيلة لغوية جيدة. كما أنها فتاة لطيفة؛ ولهذا لا يرغبون في إخبار والديها باستمرار بأن ابنتهما تتشتت في الحصة لأنها لا تستطيع التركيز على المهمة في أثناء النشاط الجماعي أو أنه على المعلم أن يكرر تذكيره لها بأنها في أثناء وقت القراءة الصامت عليها التركيز على الكتاب والتوقف عن التفتيش في مكتبها, أو اللعب بأربطة الحذاء، أو الهمس في أذن زميلاتها. واقترح معلمو كيتي أكثر من مرة أنه قد بجدي نفعاً إذا حاول والداها التأكيد عليها بأهمية اتباع التوجيهات والالتزام بالأنشطة المكلفة بها. عند هذه المرحلة لا يسع والديها سوى الرد بخجل أنهما جربا كل طريقة يعرفانها لتوضيح تلك النقطة لابنتهما مع تعهد كيتي الصادق بذلك، لكن يبدو بعدها أنها لا تلتزم به بالضبط مثلما لا تستطيع الانتهاء من تنظيف الحجرة أو إعداد المائدة. إن والديها في حيرة شديدة من أمرهما, وهي معرضة لخطر الفشل في المدرسة. فكيف يمكن لشخص شديد الذكاء أن يتشتت لهذه الدرجة؟
كما ذكرنا في المقدمة, تنتهي الحال بالأطفال الاذكياء إلى أن يصبحوا مشتتين عادة لافتقارهم إلى مهارات تعتمد على عمل المخ، والتي نحتاج إليها جميعا للتخطيط والإشراف على الأنشطة وتقويم السلوك. الأمر ليس أنهم غير قادرين على استقبال وتنظيم المعطيات التي تستقبلها حواسهم “ وهو ما نعتبره ذكاء عادة. حين يتعلق الأمر بالقدرات الذهنية, فإنهم يتمتعون بالكثير منها؛ لهذا قد لا يعانون في فهم القسمة أو الكسور أو تعلم التهجئة. وتظهر المشكلة حين يحتاجون إلى تنظيم النتائج - أي تحديد متى يفعلون شيئا ثم تنسيق سلوكهم لتحقيق ذلك. وبسبب أن لديهم كل ما يتطلبة الأمر
لاستيعاب المعلومات وتعلم الرياضيات واللغات والمواد الدراسية الأخرى, قد تفترض أن المهام الأبسط مثل ترتيب السرير أو تبادل الأدوار ينبغي ألا تتضمن بذل أي مجهود ذهني. لكن لا يحدث ذلك لأن طفلك قد يمتلك الذكاء
لكنه يفتقر إلى المهارات التنفيذية لاستخدامه بالشكل الأمثل.