مقدمة
لا يوجد ما هو أكثر إحباطا من رؤية طفل يمتلك إمكانات كبيرة ومع ذلك يواجه صعوبة في المهام والواجبات اليومية المعتادة - فيمكن للأطفال الآخرين في الصف الثالث الابتدائي مثلا إحضار كتاب الرياضيات معهم إلى المنزل,
ثم إنهاء فروضهم المنزلية قبل وقت النوم. فلماذا لا تستطيع ابنتك القيامبذلك؟ بينما عندما تجلس معها, يتضح أنه يمكنها حل المسائل الرياضية, ويؤكد المعلم قائلاً إنها تفهم الدروس، كما يذكر، إذن كيف لا يستطيع ابنك - الذي تعلم القراءة قبل التحاقه بروضة الأطفال - أن يجلس دون حراك لأكثر من ٠ ١ ثوان؟ وقد يكون لديك ابن عمره ٨ أعوام يرتب حجرته دون اعتراض يذكر, لكن بالنسبة للابن الآخر الذي يبلغ ١٢ عاما فإن هذا العمل الروتيني يؤدي إلى حرب أسبوعية. وأبناء أصدقائك لا ينسون ورقة الإذن للخروج مبكرا من المدرسة, ولا يضيعون المعاطف غالية الثمن، ولا يفقدون أعصابهم على الملأ. فلماذا لا يفعل أبناؤكذلك؟ أنت تعرف أن طفلك يمتلك الذكاء والرغبة التي تمكنه من النجاح. إلا أن
المعلمين, والأصدقاء, وربما والديك, وذلك الصوت الخافت المزعج في رأسك كلهم يقولون إنه لم يصل لإمكاناته بعد. لقد جربت كل شيء - بما في ذلك الاستعطاف, والصراخ, والتحايل, والتحفيز, والتفسير, وربما أيضا تهديد طفلك أو معاقبته لحثه على بذل المزيد من الجهد والقيام بما هو متوقع منه أو التحلي بضبط النفس لكي يتصرف مثل الأطفال في سنه, ولم تجد أي من تلك الوسائل نفعا. إن ما قد يفتقر إليه طفلك هو المهارات . ولا يمكنك أن تقنع الأطفال
باستخدام مهارات لا يمتلكونها بالضبط كما لا يوجد ما يقنعك بالنزول بأمان من على جبل شديد الانحدار في حين أنك لا تستطيع حتى النزول من على تل. قد تكون لدى طفلك رغبة شديدة وقدرة على القيام بما هو مطلوب منه لكنه لا يعرف طريقة القيام بذلك، وقد اكتشف العلماء الذين يدرسون نمو الطفل والمخ أن معظم الأطفال الأذكياء المشتتين يفتقرون ببساطة إلى طرق للتفكير تعرف بالمهارات التنفيذية ؛ وهي مهارات المخ الأساسية المطلوبة لأداء المهام: التنظيم, والتخطيط, وبدء المهمة, والتركيز عليها, والتحكم في الدوافع, وكبت الانفعالات, والتكيف، والمرونة - أي ببساطة كل ما يحتاج إليه الطفل للنجاح في المهام المعتادة في مرحلة الطفولة في المدرسة, وفي المنزل، ومع الأصدقاء؛ حيث يفتقر بعض الأطفال إلى بعض المهارات التنفيذية أو يتأخرون في اكتسابها.
لحسن الحظ, هناك الكثير لتقدمه؛ حيث سيظهر لك هذا الكتاب كيف يمكنك تعديل التجارب اليومية لطفل يتراوح عمره ما بين ٤ أعوام و ١٣ عاماً لتنمية المهارات التنفيذية التي ستسهل عليه العودة إلى المسار الصحيح وإنجاز المهام. إن أساس تنمية المهارات التنفيذية موجود في المخ من قبل الولادة, لكن لا يمكن التحكم في هذه الوظيفة البيولوجية؛ لكن علماء الأعصاب يعرفون الآن أن تلك المهارات تكتسب تدريجيا وبتدرج واضح خلال أول عقدين من الحياة، وهذا يمنحك فرحنا هائلة طوال فترة الطفولة لتنمية المهارات التنفيذية التي قد يفتقر إليها ابنك أو ابنتك.
ومن خلال الإستراتيجيات التي ستتعلمها من هذا الكتاب, ستتمكن من مساعدة ابنتك على تعلم ترتيب حجرتها, وإنجاز فروضها المنزلية, وانتظار دورها, والتعامل مع الإحباط, والتكيف مع التغيرات غير المتوقعة في الخطط , والتعامل مع المواقف الاجتماعية الجديدة, واتباع التوجيهات, وإطاعة الأوامر, وادخار المصروف ، وما هو أكثر من ذلك بكثير. ويمكنك أن تساعد ابنك أو ابنتك على تلبية آلاف الطلبات الأخرى، الكبيرة منها والصغيرة، والتي تمثل جزءا من حياة الطفل وتغيير ذلك النمط المثير للقلق من تخلف الطفل في الأداء  المدرسي, أو خسارته لأصدقائه، أو عدم انسجامه مع زملائه في العموم.
لقد رأينا نجاح الطرق الواردة في هذا الكتاب مع آلاف الأطفال سواء في المدرسة أو في المنزل مع عائلاتهم، وتتطلب تلك الإستراتيجيات التزاماً بالوقت والمثابرة, لكن أيا منها ليس صعبا تعلمه أو اتباعه، وقد تجد أن بعضها ممتع. ولا شك في أن تلك البدائل للإشراف, والإزعاج, والإقناع المستمر ستجعل حياتكم معاً أكثر إمتاعاً.
ما الذي يمكن أن يفعله هذا الكتاب لك ولطفلك الذكي المشتت؟
في مرحلة ما, وبقدر معين, يواجه كل الأطفال صعوبة في التنظيم, وممارسة ضبط النفس، والانسجام مع الآخرين، ولا يخلو أي بيت في الولايات المتحدة الأمريكية من شجار دائم حول ترتيب الغرفة. ولا يوجد طفل عمره ١٣ عاما على كوكب الارض ينجز كل فروضه المنزلية دون أخطاء, وبسرعة مثالية, في كل مرة. لكن يبدو أن بعض الأطفال بحاجة إلى إشراف ومساعدة مستمرة تتخطى بكثير النقطة التي يبدأ فيها زملاؤهم بتولي مهام معينة وحدهم. وربما تتساءل متى ستتمكن من العودة إلى وضع المراقبة فحسب مثل بقية الآباء، ومتى ستتوقف عن إطلاق تحذيرات مستمرة، ومتى سيتعلم طفلك تهدئة نفسه بدلاً من الاعتماد عليك في فعل ذلك، وهل سيأتي وقت تتوقف فيه عن تنظيم  كل حدث في حياة طفلك لضمان نجاحه.
قد تتحقق هذه الأحداث المهمة بعد فترة طويلة من الوقت إذا اعتمدت على أنه ستأتي مرحلة يتحسن فيها الطفل.وبينما تنتظرها, قد يعاني طفلك ضرراً يلحق بثقته بنفسه وستظل محبطا وقلقاً . لذا إذا كان طفلك يفتقر إلى المهارات التنفيذية لتلبية توقعات الآخرين المنطقية, فمن المنطقي اتخاذ إجراء الآن لمساعدته على تعويض ما فاته، وقد تم تعريف المهارات التنفيذية مؤخرا بأنها الأساس الذي يحتاج إليه كل الأطفال للنجاح في واجبات مرحلة الطفولة, وتزداد أهمية تلك المهارات الخاصة بالمخ أكثر فأكثر حين يغامر الأطفال في العالم، مع تقليص إشراف الأبوين وارشادهما. في النهاية, هي ضروريةلخوض غمار حياة البلوغ بنجاح. إن اتخاذك إجراء الآن لتنمية المهارات التنفيذية لدى طفلك يمكن أن يجنبه الكثير من الصعوبات في السنوات القادمة.
إذا كان ابنك البالغ من العمر ه أعوام يفتقر إلى المهارات التنفيذية أو لا يتقدم فيها مثل بقية الأطفال, فقد لا يكون قادرا على تحمل خسارة مباراة أو عدم الدخول في عراك مع الآخرين، وقد ينتهي به الأمر إلى تناقص عدد الأطفال الذين يلعبون معه رويدا رويدا. وإذا لم تستطع ابنتك ذات الأعوام التسعة أن تخطط لفروضها وإذا لم تلتزم بخطة, فقد لا تستطيع إنهاء مشاريعها المدرسية المكلفة بها في هذا العمر. وإذا لم يستطع ابنك البالغ من العمر ١٣ عاما السيطرة على اندفاعاته, فما الذى سيمنعه من ترك أخته الصغيرة بمفردها ليركب دراجته مع الصبية فقط لأنك لست موجودا لتذكيره بأنه وافق على رعاية أخته؟ في مرحلة المراهقة, هل ستنتبه ابنتك إلى الطريق وهي تقود سيارتها المليئة بالصديقات؟ هل سيحضر ابنك حصص مراجعة اختبار سات أم سيقضي وقته في إرسال رسائل نصية أو لعب ألعاب
الفيديو؟ هل سيتمتع ابنك بالتنظيم ومهارات إدارة الوقت الكافية كي يصل إلى مكان عمله الصيفي في الموعد المحدد، وهل سيتحكم في انفعالاته بحيث يتجنب الاحتداد على عميل أو مدير متضايق؟ وعندما يكبر, هل سيترك ولدك المنزل ليستقل بحياته أم سيفشل في ذلك ؟ باختصار, هل سيكون ولدك قادرا على عيش حياة مستقلة ناجحة؟ الفرص المتاحة كبيرة، وستزداد بدرجة أكبر بكثير إذا ساعدت طفلك علىتنمية بعض المهارات التنفيذية التي تنقصه أو التي تتسم بالضعف لديه بدءا من الآن، وهذا هو أحد أسباب تركيزنا على الأطفال من مرحلة الروضة إلى مرحلة الإعدادية: إذا بدأت العمل على المهارات التنفيذية لطفلك الآن, فحين يصل إلى المدرسة الثانوية ستكون قد منحته أساسا مهما للنجاح خلال ذلك  الجزء الحيوي من حياته الأكاديمية والاجتماعية. وستجد بعدها أنه تسلح بأعلى مهارات ضبط النفس, واتخاذ القرار, وحل المشكلات بدرجة تفوق ما تحلم به الآن. إن جزءاً كبيراً مما نضعه في الكتاب من أجل طلاب المدرسة الإعدادية قد يتناسب مع ابنك أو ابنتك في المدرسة الثانوية بأية حال, لكن لأن طلاب المدرسة الثانوية لديهم احتياجات تتطلب مهارات تنفيذية مختلفة إلى حد كبير ويستجيبون لطرق توجيه تختلف عن نظرائهم الأصغر سنا, فإننا لن نتعمق بالتفصيل هنا حول فئة من هم أكبر سنا.