إن العديد من تكاليف الغضب شديدة الوطأة والوضوح، ولكن هناك بعضا منها ربما يكون أقل وضوحا، ويشمل ذلك أحاسيس الضيق الشخصية والشعورية الخطيرة، مثل الاكتئاب، والشعور بالذنب، والإحراج، وعدم السيطرة على الذات، وقلة الثقة عند التعامل مع الآخرين.
فهل لديك مثل هذه المشاعر، بالإضافة إلى ضعف القدرة على تحمل الإحباط والغضب؟ وكما لاحظنا، فإن نوبات الغضب المتكررة والشديدة تتسبب غالبا في فقدان العمل والعلاقات المهمة، وحينما يؤدي غضبك الشديد إلى فقدان مثل تلك الأمور، فأنت بذلك تثبط نفسك، وتسبب لنفسك الشعور بالاكتئاب.
ويمكن لكل من الغضب والاكتئاب في بعض الأحيان أن يؤثرا سلبا فيك في آن واحد، وعندما يحدث ذلك، قد تلقي باللوم على الآخرين، وعلى الأشياء، وتغضب نفسك، وكذلك قد تشعر بالذنب، وتدخل في الاكتئاب؛ وكانت هذه هي حالة ستاسي .
كانت "ستاسي" في أواخر الثلاثينات من عمرها، ولديها ثلاثة أطفال صغار. وعندما جاءت لتلقي العلاج النفسي، ذكرت أنها تشعر بالحزن والوحدة، واشتكت من أنها لا تتلقى أي شكل من أشكال الدعم ممن حولها، واعترفت بأنها غير سعيدة لكونها ربة منزل، وكانت في الواقع تشعر بالغضب الشديد؛ لأنها لم تستطع تحقيق أي من أحلام حياتها. أما زوجها فقد كان يقضي ساعات كثيرة في العمل، ولا يبدو أنه يحب قضاء الوقت معها، بينما كان والداها اللذان يعيشان قريبا منها يفضلان قضاء الوقت مع أختها الأخرى وعائلتها . واضافه إلى ذلك، لم يكن لديها إلا القليل من الأصدقاء المقربين.
إن حالة ستاسي مثيرة للاهتمام؛ لأن شكلتها الرئيسية لها علاقة بالغضب أكثر من الاكتئاب؛ فقد أدى سلوكها المكتئب والغاضب إلى أن ينفر
الناس من حولها. أحيانا، كانت ستاسي تلقي باللوم في أزمتها هذه على الآخرين, مثل زوجها وأطفالها وعائلتها، ثم تستشيط غضبا بعد ذلك. لقد كانت ترغب حقا في الاقتراب من الآخرين، ولكن غضبها كان يدفعهم إلى الابتعاد عنها. ولكن في أحيان أخرى، كانت تلقي باللوم على نفسها في وحدتها، وتصور
حياتها بأنها حياة دون صداقات ومليئة بالطموحات التي لم تتحقق، فأصيبت إثر هذا كله بالحزن والاكتئاب. وبذلك راحت تتأرجح بين الغضب والاكتئاب، وللأسف لم تساعدها أي من هذه المشاعر المضطربة على خلق الحياة التي تريد. وفي الحقيقة أدى بها غضبها إلى فقدانها المودة بشكل متزايد، وإلى تعميق شعورها بالوحدة والاكتئاب.
إذا شعرت بالاكتئاب بسبب غضبك فيمكنك كسر هذه الحلقة بتجاهل غضبك، والتركيز بدلاً منه على تغيير تلك الأشياء التي لا تؤتي ثمارها في حياتك. ومثل الاكتئاب فإن الشعور بالذنب والحرج قد يصاحبان كذلك نوبات غضبك الشديد المتكررة، ولذلك قد تجد نفسك غاية في الحرج بسبب أشياء قلتها،
أو فعلتها حينما كنت غاضبا، لدرجة أنك تأخذ في تأنيب نفسك، وتتجنب من كنت مستاء منهم. وهذا ما حدث مع بوب : لـ "بوب" باع طويل مع المشكلات الناجمة عن حدته المزاجية؛ فذات مرة، دخل في شجار مع مدير أحد المتاجر الكبيرة بسبب ثمن بعض البضائع، وافترض بوب أن المدير يجب أن يظهر مزيدا من الاحترام له؛ لأن المدير أصغر سنا منه كثيرا. وحينما لم يحدث ذلك، ثارت ثائرة بوب . وفي نهاية الأمر، وبعد
ما كال بوب السباب والوعيد للمدير، جرى استدعاء الشرطة؛ ما جعل بوب يزداد غضبا، فتعين السيطرة عليه، ووضع يديه في الأصفاد. وعلى الرغم من إسقاط تلك الاتهامات عنه، ظل بوب يتحاشى هذا المتجر، وكذلك أي شخص عرف الواقعة؛ لأنه كان يشعر بالخزي الشديد من تصرفه.
وفي حين أن حالة بوب شديدة الحدة، فإن الشعور بالذنب والإحراج إزاء غضبك الشديد يمكن أن يقودك بسهولة إلى الانعزال عن الآخرين، وهو ما سيستمر في زعزعة علاقاتك الشخصية، ويعوق نموك. وقد يجعلك الغضب أيضا تشعر بأنك فقدت السيطرة؛ فحينما تبدأ نبضات قلبك في التسارع، ويحمر وجهك، وتتسابق الأفكار في ذهنك، ويرتفع ضغط
دمك إلى أقصاه، ويتدفق الأدرينالين في جسدك، سيكون من غير المحتمل تقريبا أن تتصرف بتعقل. كذلك فإن الغضب سيؤدي بك إلى أن تعيش دائما في صراع للسيطرة على أفعالك، كما أن انفعالك في ذاته يجعلك تشعر بعدم الراحة، وسيمثل تذكرة دائمة بأنك تعامل من حولك بأسلوب غير فعال. كان مايك في التاسعة والعشرين من عمره حينما لجأ إلى المساعدة لمواجهة غضبه، ووصف نفسه بأنه شديد الإفراط في ردود أفعاله ، وذكر العديد من الوقائع التي خرج فيها سلوكه عن السيطرة، وتصرف فيها بعدوانية؛ فمنذ
المرحلة الثانوية، خسر العديد من العلاقات المهمة، وألقى القبض عليه مرة بتهمة الاعتداء، وفصل من العديد من الوظائف بسبب نوبات غضبه. وفي الوقت الذي أتى فيه مايك لتلقي العلاج السلوكي الانفعالي العقلاني، كان قد انقضى على زواجه ثلاث سنوات، ووضعت زوجته طفلاً منذ فترة قريبة؛ ما حفزه على طلب المساعدة؛ حيث صار يريد أن يكون أكثر قدرة على السيطرة على انفعالاته، وقال: لا أريد أن أكون في حالة غضب أمام ابني. هل أنت قلق، مثل مايك، من أن تتجاوز الحدود في ردود أفعالك، عندما تغضب؟ هل تخاف من أنك ربما تخرج عن وعيك، وتتصرف بشكل هدام؟
إن شعورك بأنك فقدت السيطرة على انفعالاتك إشارة إلى أنك تحتاج إلى مساعدة. ومن الممكن أيضا أن يفقدك الغضب ثقتك عند التعامل مع الآخرين. وإذا كان غضبك الشديد غالبا ما يؤدي إلى نتائج غير مرضية، فقد تبدأ عما قريب في التشكك في قدرتك على الحكم على الأمور، وربما تبدو أقل حزنا لخوفك من أن ينقلب حزمك إلى التصرف بغضب وتجاوز الحدود. وربما تشعر بالارتباك إزاء أسلوب تعاملك مع المشكلات اليومية؛ لذلك، وبالتأكيد، يساعدك تعلمك كيفية إدارة انفعالاتك حينما تواجهك المشكلات.
ولكن تجاهل مشاعر غضبك لا يعني ألا تسعى إلى تحقيق أحلامك ورغباتك، بل العكس تماما! فمع تقليل طاقة غضبك إلى أقصى حد، ستميل إلى التصرف بقدر أكبر من الثقة والحزم، ومن ثم تزيد فرصك في الحصول على ما تريد من الحياة.
وفي حين أن العديد من التكاليف المترتبة على الغضب تكون شديدة الوطأة، وتسهل ملاحظتها، فإن بعضا منها يعانيه الشخص منفردا دون أية تداعيات على الآخرين؛ فيميل إلى الشعور بالحرج، وقلة السيطرة على النفس، والارتباك، وقلة الثقة.
كذلك فإنك قد تصيب نفسك بالاكتئاب والخزي جراء غضبك، وذلك من خلال اجترار مساوئه الحقيقية؛ أي أنك تعاني ثلاثة من الأحاسيس القبيحة ثمنا لشعور واحد!