لنعترف بأن العمل في الغالب محبط للغاية؛ فالمديرون كثيرو المطالب، والزملاء الغيورون، والعملاء الحانقون، وآخر ميعاد لتسليم العمل، والظلم بكل أشكاله؛ كل هذه التحديات يمكن أن تمثل اختبارا لقدرتك على الصبر، ومع ذلك فإن غضبك الناجم عن شعورك بالإحباط سيحبطك أكثر؛ فأولاً من الممكن أن يدمر
الغضب علاقاتك في العمل، ويعوق نجاحك، وثانيا يمكنه أن يمنعك من التركيز على الأمور المهمة، ويحد من قدرتك على أداء عمل عالي الجودة. ويساعدك اندماجك مع الآخرين على النجاح في عملك، وهو أيضا غاية في الأهمية تماما كقدرتك على أداء العمل نفسه، فإن كنت سريع الانفعال، فسيكره الزملاء والرؤساء العمل معك؛ لأنهم سوف يرونك عندها عميلاً صعب المراس، وسوف يودون الفرار من أمامك عند أول فرصة. ووفقا لدراسة أجراها مركز القيادة الإبداعية في نورث كارولاينا، ظهر في أوساط المديرين
التنفيذيين، أن عدم القدرة على التعامل مع الغضب، خاصة في المواقف العصيبة، كان عنصرا رئيسيا في فقد ترقية، أو الفصل من العمل، أو مطالبة المؤسسة الموظف بتقديم الاستقالة. والأمر لا يقتصر على الموظفين التنفيذيين فقط! فالعدائية يمكن أن تقضي عليك في كل نظم العمل، وعلى كل المستويات الوظيفية، ولنلق نظرة على حالتين مختلفتين على سبيل المثال: بدأ جيري عامل البناء جلساته العلاجية النفسية؛ لأنه كان يخشى من أن تتسبب ثورات غضبه في فقدانه وظيفته، فعلى الرغم من أن لديه القدرة
جسديا على أداء عمله، كانت قامته قصيرة، ولذلك كان زملاؤه يتهكمون على قصره. وردا على هذه الإهانات، كان جيري يستشيط غضبا؛ ما يدفعهم إلى المزيد من السخرية، إلى أن وصل به الأمر إلى حد أنه صار شديد الغضب، وهدد بالفعل بالاعتداء على موظف آخر؛ فأوقف عن العمل، وأبلغ بأنه إذا فقد السيطرة على شعوره مرة أخرى في العمل، فسوف يفصل. ومن حسن الحظ أن جيري استخدم طرق العلاج السلوكي العقلاني الانفعالي لتقليل مشاعره الغاضبة أولا، ومن ثم أصبح قادرا على الاستجابة بكفاءة أكبر لسخرية الآخرين. فلنر حالة أخرى: كان هاوارد صاحب شركة محاسبة صغيرة، وكانت الشركة تتألف منه
ومن مساعد إداري. وكان هاوارد يشعر بالاكتئاب؛ لأن شركته لا تسير على ما يرام، خاصة أنه على مدار العام المنصرم خسر خمسة مساعدين مختلفين، ومن ثم، بقيت الأعمال المهمة دون إنجاز، وصار عليه تدريب شخص جديد باستمرار. كان هاوارد يبالغ في رد فعله تجاه أي شيء من أي من مثيرات الإحباط؛ فكان يصرخ، ويقرع الأثاث، ويصل به الأمر إلى أن كسر هاتفه المحمول مرات عديدة. وكان يعتقد، خاطئا، أن لديه كل الحق في غضبه؛ لأن هذه شركته، ولأنه هو من يدفع الراتب إلى المساعد. وفي النهاية، ساعدته عدة جلسات من علاج السلوك العقلاني الانفعالي على إدراك أن ثورات غضبه تبعد الناس عنه، وأنها أثبتت أنها باهظة الثمن. وفي كلتا الحالتين، تسببت مشاعر الغضب وثوراته في تدمير علاقات العمل المهمة؛ حيث كان جيري يحتاج إلى دعم زملائه ورؤسائه للاستمرار في عمله، وللتقدم فيه، أما هاوارد فقد أخطأ التقدير باعتقاد أنه ما دام هو الرئيس، فعلى الجميع قبول نوبات غضبه. غالبا ما تكون قدرتك على توجيه انفعالاتك في العمل على الرغم من الإحباطات التي لا مفر منها أمرا حيويا لبناء مسار مهني ناجح. لربما يريحك التنفيس عن غضبك، ولكنه لا يريح شركتك أو شركاءك المهنيين ! كذلك فإن الغضب يصرف طاقتك، وتركيزك، بعيداً عن عملك، كيف؟ بأن يقودك إلى أن تكثر من التفكير في المواقف الظالمة ، وتجترها في عقلك مرارا وتكرارا بلا أية فائدة، أو بأن يجعلك مهووسا بالانتقام من الزميل، أو من رئيسك في العمل، أو بأن يدفعك إلى التورط في أعمال إيذاء ماكرة بأن ترفض اتباع التوجيهات الواضحة، أو أن تدع الأشياء المهمة تنفلت منك، أو بأن تبتعد عن مسارك لتدمر مسار عمل شخص آخر. كيف سيؤدي صب تركيزك بهوس على شخص ’ظالم ، أو على التخطيط والتدبير للانتقام، إلى مساعدتك عملتا على حل الخلافات، أو تقديم أداء عالي الجودة؟ للأسف! فمع مرور الوقت سيلاحظ من حولك غضبك بلا شك، وانظر معي حالة جين : أتت جين لتلقي العلاج؛ لأنها لم تستطع أن تتوقف عن التفكير في سبب عدم حصولها على ترقية مؤخرا، فهي في شركتها هذه منذ أكثر من خمس سنوات، وكان من المتوقع أن تترقى إلى منصب إداري، ولكن عندما لم يحدث ذلك، شعرت بالحنق والغضب الشديد، وأصبحت تزداد غضبا على غضب، كلما فكرت في هذا الأمر. ومع إخفاء جين غضبها عن مديرها، انخفض حماسها تجاه عملها، وتراجع أداؤها، وأخفقت في الوفاء بعدة مشروعات؛ لذا فإنه بعد شهر من هذا الأداء، استدعاها المدير إلى مكتبه، وأبدى قلقه، وأوضح لها أن عدم حصولها على الترقية يرجع إلى مشكلات في الميزانية، وليس إلى أدائها الوظيفي، وطمأنها بأنها ستكون التالية في الترقية، ولكن إذا لم تعد إلى كفاءتها، وتصبح أكثر إنتاجية, فستمنح الشركة الترقية شخصا آخر. استنفدت جين كثيرا من الوقت والطاقة في إطلاق الغضب داخليا على مديرها لدرجة أنها لم تكف قط عن التفكير في أي سبب أخر لعدم حصولها على الترقية؛ ما ترتب عليه تصرفها بأسلوب نتج عنه تراجع فرصها في نيل الترقية، وكانت النتيجة أنها دمرت بنفسها تقريبا فرصها في التقدم الوظيفي. ومن الممكن بالطبع أن تجد نفسك في أثناء العمل في مواقف تتعرض فيها للظلم والإجحاف بالفعل، ولكن حينما يصدر عنك رد فعل غاضب، أورد فعل اندفاعي بـ الهروب ، فإنك بذلك تشجع الآخرين على أن يفهموا أنك غير قادر على التعامل مع الإحباط، وأنك في أغلب الظن سوف تتعامل بغضب، حينما تقع في الموقف نفسه مرة ثانية، ولكن هناك بديلاً آخر أفضل من ذلك، وهو أن تهدئ غضبك، وأن تقدم أفضل ما لديك لتحسين وضعك. وفي حالة لم يفلح ذلك الأمر، قرر في حينها دون غضب أن تغادر العمل، وتبحث عن
بيئة عمل أكثر جدوى.