إن كنت تقرأ هذا الكتاب، فهناك احتمال أنك تعاني مشكلات بسبب الغضب، أو أن شخصا تعرفه يعانيه، وتأمل في الحصول على بعض الإجابات التيلاتعينك على التصدي للغضب.لايحاول مؤلفو كتب التنمية الذاتية تقديم خلاصة المعرفة المتوافرة عن المشكلات النفسية؛ بحيث تصلح لأن تقدم في كتاب واحد، ويقترحون إستراتيجيات تعتمد على المعرفة بطرق العلاج الفعالة للتغلب على المشكلات، وأفضل كتب
التنمية الذاتية هي التي تأخذ ما نعرفه من العلوم؛ فتبسطه ليسهل على العامة فهمه، ومؤلفو هذه الكتب مؤهلون للغاية ليقوموا بذلك على أكمل وجه. وكان الدكتور ألبرت إليس قطبا عالميا شهيرا في مجال العلاج النفسي، ورائدا في تطوير مواد التنمية الذاتية، وكتبها، واستخدامهما، وكان يؤمن بضرورة إعطاء الجميع الأدوات والمصادر، لكي يصبحوا المعالجين الذاتيين لأنفسهم. ويعكس هذا الكتاب الجهود التي بذلها طيلة حياته المهنية ليساعد الآخرين على تغيير أنفسهم، وقد نلت شرف العمل مع ألبرت منذ عام
١٩٧٥ حتى وفاته في عام ٢٠٠٧؛ فكان حقا شخصا ملهما غدر وجه العلاج النفسي، ودربت أنا وهو معا آلاف المعالجين النفسيين من جميع أنحاء العالم. وجاء تشيب تافريت للعمل معنا أنا و ألبرت في معهد ألبرت إليس في عام ١٩٩٥، واستمر معنا حتى أصبح قطبا عالميا في مجال دراسة الشعور بالغضب وإدارته، واشتركنا معا في العديد من الأوراق العلمية، وكذلك في الكتب المتخصصة، وطورنا معا اثنين من الاختبارات النفسية لقياس الغضب المزعج. وباعتباري مشرفه السابق، شعرت بالفخر لنجاحه في مجال عمله، ولاشتراكه مع ألبرت في إنتاج مثل هذا الكتاب الراقي. ومن خلال معرفتي بهما، فإنني أؤكد أنهما أفضل من يؤلف كتاب مساعدة ذاتية عن الغضب. واجه كل من الدكتور إليس والدكتور تافريت العديد من المشكلات، حينما قررا تأليف هذا الكتاب عن الغضب؛ لأنهما اكتشفا أمرا مدهشا، وهو أن العلم يعرف عن الغضب أقل مما يعرفه عن المشكلات الانفعالية الأخرى؛ وذلك ببساطة لأن الأبحاث العلمية التي تناولت معالجة الغضب أقل من الأبحاث التي تناولت المشكلات الانفعالية الأخرى. وبسبب هذه الحالة في علم الغضب، كثرت الخرافات عنه بين الناس، بل كذلك في أوساط المعالجين النفسيين، وصار من الشائع أن تلتقي أشخاصا يعانونمشكلات غضب يعتقدون أشياء بشأن غضبهم، أو بشأن طريقة التعبير عن غضبهم، ليست خاطئة فقط، وإنما كذلك تزيد من سوء مشكلات الغضب التي يعانونها. وكذلك أصبح شائعا بالقدر نفسه أن نجد المعالجين النفسيين يؤسسون طرق علاجهم على هذه الخرافات الشائعة عن الغضب.
ونحن نعرف أيضا أنه إذا كنت تعاني مشكلة نفسية أساسية أخرى، إلى جانب مشكلات الغضب، فستكون مشكلتك الأساسية حرجة، وأقل استجابة للعلاج؛ لذا فإن هذا الكتاب سيساعدك، حتى إذا لم يكن الغضب هو مشكلتك الأكثر خطورة. وينبع هذا العلاج الذي ابتكره إليس و تافريت من مبادئ عمرها ألفا عام،
ويتشارك هذا النمط العلاجي الذي توصلا إليه - وهو العلاج السلوكي العقلاني الانفعالي REBT - العديد من المبادئ التي يستند اليها مع
الفلاسفة اليونانيين والرومان الأوائل، خاصة الفلاسفة الشرقيين، ولا ريب في أن من أقدم الكتب عن هذا الموضوع، وربما أكثرها تأثيرا، كان كتاب On Anger للفيلسوف الروماني سينيكا؛ الذي عاش منذ أكثر من ألفي عام وكان معلم الإمبراطور نيرون، وتجمل مقدمة النص القديم للفيلسوف
سينيكا غرض هذا الكتاب، وهو؛ أكتب هنا لمجابهة كل الانفعالات الأكثر ظلت وفظاظه وخطرا وجمودا، والأشد قبتا وغلظه، بل الأكثر سخافه كذلك؛ حيث إن ترويض هذا الوحش سوف يكون له عظيم الأثر في دفع المسيرة نحو إشاعة السلام الإنساني. وغايتي هي تصوير قسوة الغضب الذي لا يصب فقط نيرانه على الإنسان هنا وهناك، وإنما يؤدي كذلك بالأمم إلى التشرذم. وسيساعد كل من الدكتور إليس والدكتور تافريت القراء على الانتصار على غضبهم المدمر، ويقودانهم إلى بث السلام والطمأنينة في علاقتهم بالآخرين. لذلك فإن هذا الكتاب يبدأ بأحد مبادئ إدارة الغضب، الذي تأسس منذ ألفي عام مضت، ومع أن المعالجين النفسيين الحاليين أغفلوا منهج سينيكا وتناسوه، فإن إليس و تافريت دمجا هذه الروى القديمة وأفضل ما قدمته العلوم الحديثة، والعلاج النفسي فيما يخص التحكم في الغضب معا. وهناك العديد من الأشياء التي أدركها العلم عن الغضب، بوصفه شعورا، حطت منه مشكلة عصية على التغيير؛ فالغضب هو الشعور السيئ الوحيد الذي عادة ما يريد الجميع في مختلف أنحاء العالم الإبقاء عليه داخل أنفسهم. وحينما يتمنى الناس فعلاً تغيير غضبهم بمشاعر أخرى، فإن حافزهم على ذلك يقل وينفد بقدر أسرع مما يحدث مع حافزهم على تغيير أية مشاعر سيئة أخرى. لا أحد يريد أن يبقى شاعرا بالاكتئاب والتوتر والاشمئزاز والذنب، ولكن الناس غالبا ما يبقون على الشعور بالغضب، ويوضح هذا فرقا غاية في الأهمية بين الغضب وأي شعور منغص آخر. وبناء على ذلك، سوف يساعد هذا الكتاب القراء على أن يفهموا تبعات غضبهم السيئة، ويدركوا كيف يعوقهم عن تحقيق أهدافهم، ويفسد عليهم علاقاتهم بالآخرين. وهناك فرق جوهري أخر بين الغضب والمشاعر الأخرى يتسبب فيما نطلق عليه متناقضة الشخص الغاضب؛ فحينما نعيش تجربة الشعور بالضغط، أو الذنب، أو الخزي، أو التوتر، عاد ما نستاء من أنفسنا بسبب ما اعتقدنا أننا فعلناه، أو بسبب صفة فينا نظن أنها هي السبب في مشاعرنا المضطربة، ونتيجة ذلك نحاول نحن تغيير أنفسنا. ومع ذلك نميل عند الغضب إلى إلقاء اللوم على أحد، أو شيء غيرنا؛ إذ إننا عندما يصيبنا الغضب، عادة ما نعتبر أن مصدره يأتي من خارجنا؛ لأننا نرى أنه من غير المعقول أن نغضب، إلا إذا فعل الآخرون أمورا سخيفة إزاءنا. ولما كنا نعتقد أن مسببات الغضب تأتى من خارجنا، صرنا نعتبر أن حل مشكلات الغضب لا بد أن يكون تغيير الناس أفعالهم، وأنه إذا لم يتغير المسبب الخارجي لغضبنا، فسنظل واقعين في شركه. ولن يقرأ الشخص الآخر الذي يأتي بتصرفات سخيفة ليثير غضبنا هذا الكتاب، وسيستمر في التصرف بحماقة، وفي أغلب الظن لن يكون راغبا في التغيير، ولكن هذا الكتاب يأتي ليوضح للقارئ الاختيارات العاطفية التي تقدم استجابات أكثر اختلافا، وأكثر تكيفا مع أناس صعاب المراس ممن سمحوا للغضب بأن يعتمل في داخلهم، كما سيتعلم القراء كيفية التعامل بحكمة مع هؤلاء الأشخاص صعاب المراس، وكيفية إمساك العصا من المنتصف في التعامل مع المتاعب التي نقابلها في حياتنا اليومية. لقد ألهمني ما أنجزه الدكتور إليس والدكتور تافريت في كل من حياتي العملية والشخصية، وقد علماني الكثير عن كيفية التحكم في الغضب، وأنا على يقين بأن هذا الكتاب سيفيدك بالقدر نفسه. ومثلما أراد ’سينيكا من تعاليمه، فإن المبادئ والتقنيات التي يتضمنها هذا الكتاب ستساعدك على بث السلام والطمأنينة في حياتك. ليس عليك أن تنظر بعيدا لكي ترى التأثير المدمر الذي يمكن للغضب أن يتركه في حياة البشر؛ فإذا ما فتحت التلفاز، أو قرأت الجريدة، فسوف تكتشف عندها بلا شك أن الغضب يلعب دورا في كل الموبقات الكبيرة والصغيرة. كذلك للغضب آثار كارثية مماثلة في حياتك الخاصة؛ حيث يمكنه، إن درك طليقا، أن يدمر بعضنا من علاقاتك المقربة، ويوهن صحتك الجسمانية والعقلية. ويبدو أن من أعظم المتناقضات في العلاج النفسي، أنه في حين يمكن للغضب أن يكون واحدا من أكثر المشاعر المدمرة، فإنه يعد من بين المشاعر التي يبدو الناس أمامها مرتبكين، ولا يختارون العمل عليها كثيرا. ومع أن العديد من الكتب والمجلات قدمت طرقا للتعامل مع الغضب، فإن أيا من نصائحها لم تؤت ثمارها. ولك أن تتخيل التناقض الذي تنطوي عليه تلك النصائح! فمن بينها ما يدعوك إلى أن تأخذ موقفا سلبيا دون مقاومة، حينما تواجه معاملة دنيئة من الآخرين، وهو ما يفترض أن يعطي الجميع انطباعا عنك بأنك تحكم السيطرة على نفسك، وبأنك شخص صارم وقوي، ولكن
الموافقة السلبية غالبا ما تؤدي بك إلى ظلم مستمر، وإلى ما هو أسوأ من ذلك؛ فلربما تزيد حدة الظلم.
ولكن بعض الكتب الأخرى عن الغضب تحثك بجرأة على التعبير بحرية، وبكل
قواك، عن مشاعرك الثائرة، والتنفيس عنها بشدة، وبإطلاقها جميعا، ولكن هل سيؤدي التعبير عن حقيقة غضبك إلى إصلاح سلوكيات خصومك الذين أغضبوك؟! ربما يفلح ذلك الأسلوب، ولكن كما أن الحب يجلب الحب، فهكذا الغضب يولد السخط. جرب، لترى بنفسك! ولأن كلأ من هاتين الخاصيتين عن الغضب تنتج عنهما نتائج مربكة، فما الحل؟ أتكتم ثورتك؟ أم تعبر عنها دون اعتبار لشيء؟ مجرد سؤال! والحل؟ لقد لاحظ الفيلسوف الشرقي الحكيم العلامة إبيكتيتيوس، منذ أكثر من ألفي عام، أنه أنت من يختار الإفراط في رد الفعل إزاء السلوك الكريه والظالم، ولكن ليس عليك فعل هذا؛ فكما قال، يمكنك أن تتصرف بتعقل، وأن تختار التعامل مع ذلك السلوك بشكل مختلف، وهذه إحدى التقنيات الأساسية للعلاج السلوكي العقلاني الانفعالي التي تتبع الحكمة القديمة للعديد من الفلاسفة الآسيويين والأوروبيين، وتدمجها مع بعض أكثر الطرق حداثة للعلاج النفسي. ويمكنك استخدام طرق العلاج السلوكي العقلاني الانفعالي لتقلل من حدة ردود الفعل الغاضبة القاسية على الذات، ولتعيش الحياة بشكل غير هستيري في عالم أقل ما يقال عنه إنه قاس وظالم. هل يمكنك أن تفعل هذا بنفسك؟ نعم، يمكنك بشكل قاطع إجراء تغييرات ذات مغزى في طريقة الحياة ومعالجة غضبك، والأمر الجيد هو أنه يمكنك الانتصار على الضجيج والغضب في داخلك من خلال بذل بعض الجهد. لقد كرس مؤلفا هذا الكتاب جانبا كبيرا من حياتهما المهنية لفهم الناس الذين يبدون ردود فعل غاضبة إشكالية، ومساعدتهم على التغلب عليها، وسوف نتشارك الآن بعض الطرق التي وجدناها فعالة مع العديد من عملائنا الذين سعوا إلى الحصول على المساعدة على التعامل مع غضبهم. منذ نشر الطبعة الأولى من هذا الكتاب قبل أربعة عقود، استقبلنا آلافا من رسائل الدعم من أناس عاد تطبيق مبادئ العلاج السلوكي العقلاني الانفعالي عليهم بالنفع فيما يخص مشكلات الغضب التي كانوا يعانونها. وعلى الرغم من أن هناك عددا من الفصول الجديدة والتغييرات في الطبعة الحالية تعكس تطورات مثيرة حدثت في مجال فهم الغضب، فإن المبادئ الأساسية التي أرسيت في الطبعة الأولى لا تزال الآن مؤثرة بالقدر الذي كانت عليه على مدى عقدين؛ لذلك سأوضح - أنا الدكتور ألبرت إليس ، وزميلي المتعاون الدكتور ريموند تشيب تافريت - بدقة، الكيفية التي تصوغ بها فلسفتك الخاصة بالغضب، من خلال اللجوء، عبر عقلك الواعي وعقلك الباطن، إلى التفكير الديكتاتوري المطلق، وكذلك سنوضح لك كيف يمكنك، بتغيير الأفكار والمشاعر والسلوكيات الحانقة، أن تقلل حجم الغضب، وأن تعيش حياة أكثر سعادة وفاعلية.