سئم "بينجامين زاندر" _ ومل من رؤية طلابه من دارسى الموسيقى، وهم متوترون للغاية بشأن درجات الأداء الخاصة بهم في فصله الدراسى، ويتخذون مسارات آمنة في تعلمهم للموسيقى. في الطبقات الرفيعة من عالم الفنون، قد تحدد شدة المنافسة عملية تطوير الموهبة، ففكر في التخلى عن نظام الدرجات تماماً، ولكن هذا استدعى عدة تحديات، ليس أقلها الحصول على موافقة رئيس المؤسسة على حركة راديكالية كهذه.
وبدلاً من ذلك، قررأن يمنح كل طالب تقدير"ممتاز" من أول يوم له في الفصل الدراسى.
وعند لقائه بطلابه الجدد العصبيين، كان يقول لهم: "لقد حصل كل واحد منكم على درجة "ممتاز” في المنهج الدراسى؛ ولكن هناك شرطا واحدا ينبغى الوفاء به لكسب هذه الدرجة: في مرحلة ما خلال الأسبوعين التاليين، ينبغى عليك أن تكتب خطاباً مؤرخاً بشهر مايو القادم، وفي هذا الخطاب عليك أن تذكر _ بأقصى قدر من التفصيل _ ما ينبغى أن يحدث لك حتى شهر مايولتكون جديراً بهذه الدرجة الرائعة".
لقد وجه الطلاب بأن يروا أنفسهم في المستقبل، وأن يعيدوا مراجعة كل ما فعلوه ليكونوا جديرين بهذه الدرجة الرائعة، فكان عليهم مناقشة الرؤى، والإنجازات، وحتى المنافسات التي تم الفوز بها. ولكن "زاندر" كان يريد أكثر من التحليل السطحى. "أنني مهتم على نحو خاص بما ستكون عليه بحلول مايو المقبل، أنني مهتم بالتوجه، والمشاعر، والنظرة للعالم التي لدى ذلك الشخص الذي سيكون قد عمل كل ما رغب أن يفعله وسيصبح ذلك الشخص الذي أراد أن يصبح عليه."1 كما كان يقول لهم.
فما الذي تلقاه من طلابه؟ تأمل الخطاب التالى الذي تلقاه من أحد عازفي الترومبت الشباب:
عزيزي السيد زاندر:
إن العالم يعرفنى اليوم جيدا، فدفعة الطاقة والمشاعر الوقادة التي رأيتها تعتمل بداخلى، والتي للأسف لم أستطع إظهارها في الأداء أو الحوار، تحررب الليله في برامج قمت فيه بعزف مقطوعة الموسيقية جديدة تم تأليفها من أجلى، وانتهت الحفلة الموسيقية ولم يهتز أحد. فكان هناك هدوء تام، ثم تنهيدات، ثم تصفيق حار خفق له قلبى.
ربما انحنيت ردّا على التحية _ لا أستطيع أن أتذكر بالضبط.
وقد استمر التصفيق حتى أنني أعتقد أنني قد أتممت هذا الظهور الأول لى
واحتفلت بزوال حرجى الذي اعتدت
الاختباء خلفه
وذلك بأن قمت بالارتجال على لحنى
مرة ثانية _ وحدي. وما تلا ذلك كان
هديراً طاغياً من الاعجاب. لقد نسيت الأسلوب، والطموح، والتقاليد، والدراسة، والتاريخ
وحتى الجمهور. وما خرج من التي
كان خلاصة إيماني،
لقد كان صوتى.
وضحكى وابتساماتى،
وعبوسى، وقنوطى
لقد كانت روح”توكر” الباكية تغنى بالفعل.
-”توكر دولين"
وعلى مدار شهور الدراسة العشرة، راقب "زاندر" طلابه وهم يتحولون بأنفسهم على نحو مذهل، لقد أسمى طريقته هذه "امنحهم درجة الامتياز" في كتابه The Art of Possibility الذي شاركته في تأليفه زوجته ”روزاموند ستون زاندر"، والذي تحدث فيه عن إمكانية هذه الطريقة في تعزيز قدرات أي فرد:
إن درجة الامتياز يمكن منحها لأي شخص في أى مجال حياتى _ لنادلة، لرئيس عمل، للحماة، لأعضاء الفريق المنافس، وحتى للسائقين الآخرين في المرور. وعندما تمنح الأخرين درجة امتياز مسبقاً، فإنك تستطيع التحدث إليهم. ليس من منطلق قياس أدائهم طبقاً لمعاييرك، لكن من منطلق الاحترام الذي يمنحهم مساحة يدركون فيها أنفسهم وقدراتهم، فدرجة الامتياز هذه ليست تطلعاً يرتقون إليه، بل إمكانية يعيشون فيها.
يا له من منظور سحرى يمكنك طرحه في عالم يحفل بالشك وعدم اليقين!
وغالباً ما يجد المدربون والموجهون، والمرشدون، والقادة، والآباء أن الناس يحاولون الارتقاء إلى تطلعات يضعونها لأنفسهم، مهما كانت تلك التطلعات والتوقعات ضئيلة، فإذا شعر الشخص بعدم الأهمية أو عدم الاحترام، فلن يكون لديه من الحافز الكثير ليحسن من نفسه، فلِمَ لا تخلق رؤية عنه تجسد كل ما ترى أنه قادر على إنجازه، وكذلك كل شىء لا تعرفه عن إمكاناته؟ صدقنى، لن تحبط من النتيجة.
تصف والدة "بيج آن ميتشيل ماكابى" مغامراتها في خلق سمعة البنت الكبيرة لابنتها فتقول:
كانت "بيج آن ميتشيل ماكابى" البالغة من العمر أربع سنوات تجلس على أحد مقاعد المطبخ حين سمعتني وأنا أخبر أخاها ذا الست سنوات – "براندون''
-بأنه قد أصبح من مسئوليته الآن أن يرتب المائدة قبل العشاء. بدت "بيج" متهللة وتكاد تبكي. وقالت: "ما الذي يناسب سني فعله يا أمي؟ ما الذي يمكنني فعله لأنني كبرت أنا أيضاً؟"، ولرغبتي في عدم كسر خاطرها والتقليل من شأنها، بحثت سريعاً عن شيء يمكنها تحمل مسئوليته.
وتسللت فكرة في رأسي على الفور. فقلت مفاخرة: ""بيج آن ميتشيل"، أنت الآن في الرابعة من العمر، وكبرت بما يكفي لتختاري بشكل سليم، إنك من الآن مسئولة عن اختيار ملابسك في نهاية كل يوم، ففي كل ليلة وقبل أن تأخذي حمامك، عليك أن تأخذي ملابسك من الدرج، وتضعيها على السرير لتكون جاهزة لترتديها في الصباح عندما تستيقظين".
عج المنزل بالنشاط. فـ ''براندون" يركز على ترتيب الطاولة، وبيج انطلقت مباشرة نحو غرفتها؛ حيث سمعت أدراجها وخزائنها وهي تفتح على عجل وتغلق، وبعد عشر ثوان جاءت مسرعة لتعطيني تقريرا عن نجاحها في عملها فقالت: "اسمعي يا أمي، لقد فعلتها، لقد أخرجت الملابس من الخزانة! تعالي لترى، تعالى لتري!" وبالطبع كانت الملابس موضوعة على السرير، وجاهزة للاستخدام. وأخبرتها عن مدى فخري بها، فقد كبرت الآن وأصبح لديها عملها الخاص لتقوم به، وقد فرحت لذلك.
وفي صباح اليوم التالي، حدثت معجزة في بيت "ماكابى".
في العادة، كان على الأم أن تعاني في إيقاظ "بيج" من نومها، وتلبسها ملابسها بصعوبة شديدة. فإذا اخترت التنورة الزرقاء، أرادت هي البنطال الأحمر. وإذا اخترت قميصاً أبيض بالفراشات، أرادت هي القميص القرمزي بالورود عليه. وفي النهاية، عندما أستسلم وأتركها تختار ما تريد ارتداءه، تأخذ الدهر كله في ذلك. وتبقى "بيج" غاضبة وتنتهي بها الحال إلى الشعور بالإحباط.
لكن هذا ما لم يحدث ذلك الصباح. "انظري ماذا ارتديت يا أمي!" كانت قد ارتدت ملابسها قبل أن أطلب منها ذلك! قبلتها بإعجاب وأخبرتها عن مدى سعادتي بها وباختيارها. لقد كنا في الصباح ومع هذا كانت "بيج" سعيدة على غير العادة في مثل هذا الوقت من اليوم. فيا له من اختلاف هائل!
لقد ارتقت "بيج آن ميتشيل ماكابى" إلى السمعة الحسنة التي حصلت عليها بأنها فتاة ناضجة في الرابعة من عمرها.
لكي تغير سلوك أي شخص، عليك بتغيير مستوى الاحترام الذي يتلقاه وذلك بأن تمنحه سمعة طيبة يرتقي لها ويعيش من خلالها. تصرف وكأن الصفة التي تود غرسها هي بالفعل إحدى صفات الشخص البارزة لديه.