في أحد الأيام البهيجة من عام ٢٠١٠، أنشأت شركة الفنادق "بيست ويسترن" صفحتها الخاصة على موقع فيسبوك، واندفع إليها الزوار، وتمت المشاركة بمئات الرسائل على حائط الصفحة.
"إن "والاس” يجعل المسافرين الذين يعانون الشعور بالملل يشعرون وكأنهم عادوا إلى البيت؛ فأفضل شىء في بهو الفندق هو ابتسامته".
”إن ”والاس” هو الأفضل حقاً، فنحن نحب العودة للفندق فقط لكى نراه؛".
”عندما يحين موعد الرحيل، يسأل الأطفال عن موعد عودتنا كى يروا "والاس" مجددا؛".
"إنني ربما أمر به في البهو أو في القاعة خمس عشرة مرة في الزيارة الواحدة، وفي كل مرة، أرى لديه ابتسامته الكبيرة وشيئاً ظريفاً يقوله، إنه أحد أفضل المعالم التي أجدها في زياراتى؛".
"ينبغى علينا جميعاً أن نرتبط ببعضنا كما يفعل "ولاس"، فلو أنه كان يواجه يوماً بائساً، فإنه لن يشعرك بهذا أبدا".
"في كل أسفارى، ما قابلت شخصاً لطيفاً ومتعاوناً وأكثر رغبة في إشعار الضيف بالترحيب من هذا الرجل".
"إن يومى يكون أكثر إشراقا عندما أرى "والاس"، فترحيبه الدافئ دائماً، ومعرفته بالمدينة، ورقته ومهنيته، وابتسامته الرائعة تجعل إقامتى ممتعة للغاية، إن لديه موهبة رائعة في التواصل مع الناس".
فمن هو "والاس" هذا؟ إنه والاس بوب -من شيكاغو، أب منفصل، وموظف منن وقت طويل في فندق "بيست ويسترن ريفر نورث"، ورجل يحب مساعدة الآخرين.
عندما تم ترشيح "والاس" لجائزة نجوم صناعة الفنادق من اتحاد إلينوى للفنادق والاستضافة، قررت شركة "بيست ويسترن" أن تظهر فخرها به ودعمها له _ وأن تساعده على الفوز. ولذا قامت الشركة بإنشاء صفحة على موقع فيسبوك وأسمتها ""والاس" ينبغى أن يفوز" وشجعت الزائرين للفندق على أن يدخلوا على الصفحة ويقصوا ما لديهم عن مهارات "والاس" في خدمة العملاء. وتلقت الصفحة ٢٧٢٢ زائراً في الأسبوع الأول لها. وتدفقت قصص الحب المخلصة من عملاء الفندق، ومرة بعد مرة، علا ذكر الرقة الصادقة لدى "والاس" وقدرته على تحسين تجربة العميل الشخصية والترحالية. ومع أن "والاس" لم يفز بالجائزة، فإن الثناء والتشجيع اللذين حظي بهما على الصفحة على موقع فيسبوك كانا أهم من أية جائزة.
الثناء والتشجيع: إنهما العنصران الأساسيان لتحفيز أي فرد لاستخراج كامل قدراته وامكانياته، أولإجراء تحسين معين أو التعامل مع التغيير، إلا أن من الصعب على الكثير منا أن يميز جهود الأشخاص المحيطين بنا.
كان الدكتور "جيرالد جراهام" مهماً بما يمكن للمديرين فعله لتحفيز موظفيهم بشكل أفضل، ولذا فقد استطلع رأى ألف وخمسمائة موظف، وجاءت النتيجة صادمة على النحو التالى:
- ٨٥ % من الموظفين ذكروا أنهم نادرا ما يتلقون ثناء من مديريهم.
- ٧٦ % ذكروا أنهم نادراً ما يتلقين رسائل شكر مكتوبة.
- ٨١ % ذكروا أنهم نادرا ما يتلقون ثناء على الملأ.
هذا رغم أن الثناء والشكر المكتوب والثناء على الملأ كانت ثلاثة من بين أعلى خمسة محفزات لدى الموظفين الذين شاركوا في الدراسة.
لقد كانت هذه النتائج منن عام ١٩٨٢، وبعد عقود من ظهورها، لم تتغير الأمور كثيراً، فالموظفون الذين يتلقون الكثير من المديح ما زالوا هم الأكثر إنتاجية، والمؤسسات التي يتلقى فيها الموظفون مديحاً متكرراً هي أكثر المؤسسات نجاحاً في العالم. إنه واحد من بين اثنى عشر مؤشرات على النجاح التي أوردها "ماركوس باكينجهام” و"كيرت كوفمان" في كتابيهما First Break All the Rules‘ وهي مؤشرات تعتمد على أبحاث واسعة لمؤسسة جالوب، ومع هذا لا يزال المديرون غافلين عن تقديم المديح والثناء لموظفيهم.
نحن جميعا نحب التقدير؛ ونحن جميعاً نرغب في الشعور بالأهمية. وعندما نحقق تحسناً على نحو ما أو نؤدى العمل بشكل أفضل، فإن تلقى الثناء على هذا التحسن يرسل برسالة واضحة تفيد بأن الآخرين لاحظوا ما يجرى وأن العمل الذي قمنا به قد أحدث فارقاً، وهذه القاعدة تصح في العمل، وفي البيت، وفي المدرسة، وفي جميع البيئات والأجواء، واحدى أهم العقائد النفسية للسلوك البشرى هي أننا نصر على تكرار السلوكيات التي نتلقى المديح والثناء عليها؛ أما تلك السلوكيات التي لا نتلقى عليها تقديراً إيجابياً، فإنه غالباً ما يتم هجرها.
ويعرض مركز "فاعلية الإدارة والمؤسسة" النصائح التالية بخصوص الثناء والمديح على الأشخاص المحيطين بنا:
٠١ "قدم الثناء من قلبك". كن صادقاً ومخلصاً فيه.
٠٢ "قدم الثناء في أقرب فرصة ممكنة"، لا تنتظر الاجتماع التالى،
أو تقرير تقييم الأداء، أو الاجتماع العائلى للطعام، أو تجمع دار العبادة، حيث تكون بهجة الفرد بنجاحه قد تبددت، وتكون قد فقدت فرصتك في تعظيم هذه البهجة.
٠٣ "اجعل ثناءك محددا"، إن توجيه الشكر ليس ثناء بل هو أدب عام وحتى يشعر الأفراد بأن جهودهم تسير مباشرة في الطريق الذي أردته لهم، ينبغى أن يعرفوا بالضبط ما تقدره في جهودهم.
٤. "قدم الثناء على الملأ" في هذا العصر الذي يعج بتكنولوجيا التواصل الاجتماعى، يصبح الثناء العلنى أكثر سهولة كل يوم،
فليس هناك من عذر واقعي لئلا تفعله، وبالطبع فعلت شركة "بيست ويسترن" هذا الأمر. فإنك في الوقت الحالى لست مضطراً لتنتظر قدوم الاجتماع ربع السنوى لتقدير عمل تم أداؤه على نحو جيد.
ينبغى أن نجاهد لتقديم الثقاء ما أمكن ذلك، ولن يعاني معظمنا ليجد فرصاً للقيام بهذا؛ علينا فقط أن نستغل الفرص المتوافرة فطئا في كل يوم.
وقد أدرك الكابتن "أبراشوف" قائد المدمرة" يوإس إس بينفولد" قوة الثناء أكثر من غيره:
إن معظم البحارة الشباب لدى قد انحدروا من بيئات قاسية وعانوا كثيراً حتى شقوا طريقهم إلى سلاح البحرية، وقد وضعت نفسي موضع آبائهم وتصورت شعورهم لو تلقوا خطابات من الضابط المسئول عن أولادهم، وتصورت كذلك شعور الأولاد حين يخبرهم آباؤهم بالأمر. فبدأت بكتابة الخطابات للآباء، خاصة حين يفعل أبناؤهم أو بناتهم من أفراد الطاقم ما يستحق الثناء الصادق، وعندما وصلت الرسائل، هاتف الآباء بالقطع أبناءهم ليعبروا لهم عن مدى فخرهم بهم.
وقد كان أحد البحارة جزءا من فريق أبلى بلاء حسناً وأنجز عملاً رائعاً، لكنه لم يكن بذاته نجماً. فأدرك الكابتن "أبراشوف" أن الثناء على إنجازات البحار الشاب كجزء من الفريق سوف تمنح ذلك البحار حافزاً لا شك أنه بحاجة إليه، ولذا فقد أرسل خطاب ثناء لوالدى الشاب، وبعد أسبوعين، كان البحار الشاب يدق باب الكابتن "أبراشوف" والدموع تنهمر من عينيه.
"لقد تلقيت لتوى مكالمة من والدي الذي كان على امتداد حياتى يخبرنى بأنني فاشل، ولكن هذه المرة قال لى إنه قرأ خطابك للتو، وأراد أن يهنأنى ويصف لى مدى فخره بى، إنها المرة الأولى التي يقوم فيها بتشجيعى". من الواضح أن هذه اللحظة كانت ذات أثر كبير في ذلك الشاب. فما ظنك بمدى تأثيرها على رؤيته لما يمكنه إنجازه ومستوى التزامه بتحقيق النجاح لفريقه؟
والثناء _ رغم فاعليته وضرورته _ يتضمن أيضاً التقييم وفق معيار معين، فما يدركه القادة العظماء وأصحاب التأثير هوأننا فيما تبقى من وقت ينبغى علينا أن نستخدم التشجيع. "ينبغى أن يتم منح الثناء فقط عندما يحقق الفرد نتائج "جيدة''؛ ولكن التشجيع ينبغى أن يتم منحه في أى وقت، حتى لو سارت الأمورعلى غير المخطط لها".
هذا هو جوهر التشجيع _ إظهار إيمانك بالمواهب، والمهارات، والقدرات الخاصة لدى شخص آخر لمجرد وجودها، بغض النظر عما إذا كانت الأمور تسيرعلى ما يرام أم لا.
كما أن التزام التشجيع يتطلب توجهاً محدداً، فعندما تنظرإلى شخص آخر، وبدلاً من النظرإلى أخطائه، عليك أن تكون قادراً على رؤية مواطن قوته وإمكانياته، وما هو قادر على فعله. أما التشجيع الزائف غير الصادق، الذي يصدر دون قوة إيمانك الحقيقى بالشخصى الآخر، فإنه يقلل فقط من حجم جهوده.
ولكن ما الذي: يعززه التشجيع في الشخص الآخر؟ إنه يشجع الجرأة النفسية _ القدرة على تجاوز التحديات المثيرة للتوتر والاضطراب والتي _ تواجهنا كل يوم، والقدرة على تجميع شتات أنفسنا ومواصلة المستمرة، والمحاولة المستمرة. إنها العلامة المميزة للأشخاص الناجحين الإيجابيين.
والتشجيع يوفر التحفيز، وإيجاد طرق للتحفيز هو أمر يمثل تحدياً ضخماً أمام القادة في جميع جوانب الحياة، فما السبب الرئيسى لهذا العناء؟ إن الكثيرين منا لا يأخذون الوقت الكافي للتفكير فيما يحفز الناس حقاً، فنحن غالباً ما نفترض أن تحفيز الناس يأتى من خلال المكافآت المادية، بمعنى أن المنهج الأمثل هو أسلوب العصا والجزرة _ لكن هذا الأسلوب ليس المناسب في الغالب الأعم فالتحفيز يتوافر للناس حقاً من خلال التشجيع الشخصى والاجتماعى أكبر مما يحدث من خلال المكافآت المادية.
من خلال بحثه في الظروف الصحية للحياة الزوجية والأسرية، حدد الكاتب وعالم النفس جون كارلسون" بعض الممارسات الأساسية التي يمكننا استخدامها لخلق بيئه مشجعة:
١. اجعل للعلاقات الصحية أولوية لديك. ويعد الاحترام والتواصل الإيجابى عنصرين أساسيين لتحقيق ذلك.
٠٢ مارس التشجيع كل يوم. لا تنتظر حتى يتعثر أحدهم على الطريق نحوهدف ما، راقب كل جهد وكل تحسن، حتى لوكان بسيطاً، لكي تعلم الآخرين أن إيمانك بهم لا يتزعزع.
٣. اعمل بشكل شمولى. على سبيل المثال، أشرك الآخرين في عملية صنع القرار متى أمكنك ذلك؛ فهذا يظهر إيمانك بصواب رأيهم وحكمة قرارهم.
٠٤ لا تسمح بتأزم النزاعات. عندما نكون في وضع يعاني الخلافات والصراعات، فمن السهل الانزلاق إلى حوار مثبط للآخرين أو محقر من شأنهم. قارن قولك: "أعتقد أن بإمكانك القيام بالأمر" و " يبدو أن لدينا مشكلة _ ما الذي ينبغى علينا فعله؟" مع قولك: "دعونى أهتم بالأمر وحسب" أوقولك "لقد طلبت منك أن تكون حذرا".
5. استمتع!
ويخبرنا "كلارينس إم. جونز" _ معلم بمعهد كارنيجى _ كيف أن التشجيع والإيحاء بسهولة تصحيح الخطأ قد غيّرا كلياً من حياة ابنه:
كان ابنى "ديفيد" _ الذي كان في الخامسة عشرة من عمره _ قد جاء للعيش معى في سينسيناتى، لقد عاش حياة صعبة. ففي عام ١٩٥٨، جُرح رأسه في حادث سيارة، مما خلف ندبة بشعة في جبهته، وفي عام ١٩٦٠، تم الطلاق بينى وبين امه وانتقل هو إلى دالاس، بولاية تكساس هع والدته، وقضى معظم سنوات دراسته في فصول دراسية خاصة بمن يعانون بطء التعلم، ويبدو أنه بفعل الندبة التي في رأسه، رأى مسئولو المدرسة أن لديه إصابة بالمخ، وأنه لا يستطيع العمل بالمستوى الطبيعى. لقد كان متخلفاً عن فئته العمرية بعامين، ولذا فقد كان في الصف السابع، إلا أنه لم يكن يعرف جدول الضرب، وكان يجمع على أصابعه، وبالكاد كان يقرأ.
لكن بقيت نقطة إيجابية واحدة، لقد أحب العمل على أجهزة الراديو والتلفاز، لقد أراد أن يصبح فنى صيانة لأجهزة التلفاز، فشجعت هذا فيه ووضحت له أنه بحاجة للرياضة حتى يتأهل للحصول على دورات التدريب الفنى، وقررت أن أساعده لكى يتقن هذه المادة، وحصلنا على أربع مجموعات من البطاقات التعليمية: الضرب، القسمة، الجمع، والطرح. ومع مدارستنا للبطاقات كنا نضع الإجابات الصحيحة في رزمة أوراق. وعندما كان "ديفيد" يخطئ في مسألة، كنت أعطيه الإجابة الصحيحة ثم أضع البطاقة في رزمة بطاقات التكرار حتى لا تبقى أي بطاقات. وكنت أضخم من أمر كل بطاقة يقدم لها إجابة صحيحة، خاصة إن كان قد أخطأ في السابقة.
وفي كل ليلة كنا نستعرض بطاقات التكرار حتى تنتهي كل البطاقات، وفي كل ليلة كنا نضع توقيتاً للتدريب على ساعة الإيقاف، ووعدته أنه عندما يتمكن من إتمام جميع البطاقات بشكل صحيح في ثمانى دقائق دون إجابات خاطئة، فسوف نتوقف عن ذلك الاستعراض اليومى. وبدا ذلك هدفاً مستحيلأ بالنسبة ل "ديفيد" وفي الليلة الأولى استغرق الأمر ٥٢ دقيقة، وفي الليلة. الثانية ٤٨، ثم 45 ، ٤٤ ، ٤١ ، حتى ما دون ٤٠ دقيقة، واحتقينا بكل نقص في عدد الدقائق. فكنت أدعو زوجتى ونعانقه ونرقص جميعا، وبنهاية الشهر كان ينجز جميع البطاقات في أقل من ثمانى دقائق. وكان عندما يحقق تحسناً صغيراً، فإنه يطلب المزيد ليقوم به. لقد تعرف على الحقيقة المذهلة المتمثلة في أن التعلم سهل وممتع.
وبطبيعة الحال قفزت درجاته في مادة الجبر. إن مادة الجبر تكون سهلة على نحو مذهل عندما تتقن عمليات الضرب، ولقد اندهش من نفسه عندما تمكن من الحصول على تقدير "جيد جدا" في مادة الرياضيات، ولم يحدث هذا مطلقاً من قبل، وبالتوازى حدثت تغيرات أخرى مذهلة، فقد تحسنت قدرته على القراءة بسرعة، وبدأفي استخدام قدراته الطبيعية في الرسم، وفي نهاية السنة الدراسية كلفه مدرس العلوم بإقامة معرض للعلوم، وقد اختار أن يصنع سلسلة عالية التعقيد من النماذج لبيان تأثيرالروافع. لم يتطلب ذلك مهارةفي الرسم وبناء النماذج وحسب، ولكنه كان يتطلب مهارة في الرياضة التطبيقية أيضاً، وحصل عرضه على الجائزة الأولى في معرض العلوم بالمدرسة، ودخل المنافسة على مستوى المدينة وحصل على الجائزة الثالثة على مستوى مدينة سينسيناتى بأكملها.
لقد فعلها "ديفيد". فقد كان مجرد صبى متعثر عن أقرانه بعامين، وكان يصنف باعتبار مصاباً "بتلف مخى"، وكان زملاؤه يطلقون عليه اسم "فرانكنشتاين" وكانوا يقولون له ان مخه قد تسرب عبر الندب الموجودة برأسه. وفجأة اكتشف أن بإمكانه أن يتعلم ويحقق إنجازات رائعة. والنتيجة... بداية من الربع الأخير للصف الثامن وحتى نهاية الثانوية لم يفشل مطلقاً في الوصول إلى قائمة الشرف؛ وفي المدرسة الثانوية تم اختياره ليكون عضو جمعية الشرف الوطنية، فبمجرد أن تأكد من أن التعلم سهل، تغيرت حياته بالكامل.
أخبر أي شخص بأن لديك اقتناعاً كاملأ بقدرته على إنجاز أى هدف وشجعه على إبراز جميع المهارات التي يمتلكها لمساعدته على طريق الإنجاز، وسيظل يعمل دون كلل أو ملل حتى يحقق التفوق والامتياز.
وتذكر أن القدرات والكفاءات تموت تحت وطأة النقد وتزدهر في رحاب التشجيع؛ فعظم من حجم التحسن وضخم من قيمة قدرات ومواهب الأخرين.