كانت بيث مديرة من المستوى التنفيذي الرفيع بإحدى الشركات التي تأتى ضمن قائمة أفضل ١٠٠ شركة طبقاً لتصنيف مجلة "فورتشين " وفي حين كانت تحظى بحب شديد من قبل رؤسائها وفريقها التابع لها، كانت في كفاح مرير في معركة كبرى مع زميلها "هارفي" الذي كان يرأس قسماً آخر. ولكن أليس كل شيء مباحاً في الحب والحرب؟ لقد كان هذا هو الشعار الذي تتبناه "بيث"؛ فقد كشف عن الجانب الانتقامي من شخصيتها في التعاملات التي جرت بينهما.
ولكن "بيث" أرادت أن تكون قائداً أفضل، ولذا فقد نشدت المعونة لدى "مارشال جولدسميث"- المدرب التنفيذي ومؤلف كتاب What Got You Here Wont Get You There. لقد تعلمت أنها في الوقت الذي كانت تحظى فيه باحترام الكثيرين، فإن سلوكها مع "هارفي" كان يؤثر على سمعتها٠ وكان عليها أن تتفاوض على معاهدة سلام مع "هارفي"، وللقيام بهذا، كان عليها الاعتراف بالخطأ.
ربما يكون هذا هو أصعب موقف عند اتباع هذا المنهج - إنه موقف يتوجب عليك فيه الاعتراف بالأخطاء للشخص الذي أضرت به تلك الأخطاء. فالتوترات كثيرة على كلا الجانبين بالفعل، وربما تكون المنافسة عاملاً محركاً، وربما يكون لديك شعور بعدم الاطمئنان لتعريض نفسك للانتقاد واللوم. ولكن هذه المواقف أيضاً هي التي يكون فيها الاعتراف بأخطائك أولاً هو العامل الأكثر فاعلية في التخفيف من شدتها.
فما الذي قالته "بيث"؟
"أتعلم "هارفي"، لقد تلقيت قدراً كبيراً من التغذية الراجعة هنا، وأول ما أود قوله في هذا الأمر هو أن تصوري نحو معظمها إيجابي، والأمر الثاني الذي أود قوله هو أنني أريد أن أصبح أفضل في كثير من الأمور. لقد كنت قليلة الاحترام لك، وللشركة، ولتقاليدها. أرجو أن تتقبل اعتذاري. فليس لي عذر في سلوكي هذا."
ماذا كانت استجابة "هارفي"؟ لقد اغرورقت عيناه بالدموع، واعترف هو الآخر بأن سلوكه -هو أيضاً -كان غير كريم على الإطلاق، وعندئذ أعلن كلاهما أنه سيتحسن نحو الأفضل.
فهذه حرب طويلة مريرة انتهت ببساطة بالاعتراف بالأخطاء التي وشت فيها.
إنه ليس من الصعب مطلقاً أن تنفتح على محادثة تتضمن نقاشاً حول أخطائك مادام أن الشخص الآخر قد بدأ متواضعا بالاعتراف بأنه هو أيضاً كان بعيداً عن جادة الصواب. فاعتراف المرء بأخطائه -حتى لولم يقـم بتصحيحها -يساعد في إقناع أي شخص بأن هناك تغييراً قد حدث في سلوكه.
وقد قام "كارنيجى" -خبير التواصل الأعظم على الإطلاق-بتطبيق هذ ا الدرس ذاته عندما كان يكتب عنه. فقد بدأ النقاش بقصة تدور عن فشله في بداية عمله كمرشد ومدرب شخصي حتى يساعد القراء على أن يكونوا أكثر انفتاحاً على الأفكار. إنها استراتيجية ذكية ومتقنة -وثبتت فاعليتها في كثير من الوجوه.
والصعوبة التي يواجهها القادة في تطبيق هذه الاستراتيجية ترتبط بعنصر وحيد أساسي: أن عليك أن تعترف بأخطائك، وأنك معرض للزلل. والقادة عبر العالم يعانون هذا الأمر، على الرغم من أنهم جميعاً يدركون قيمة هذا العنصر. وإذا لم يدركوا ذلك من تلقاء أنفسهم، فإن الأبحاث كفيلة بإثباته وإبرازه.
فقد قام الباحثون في معهد الصحة والإمكانات البشرية بإجراء دراسة مسحية على خمسة وثلاثين ألف شخص لقياس عوامل التقدم المهني. وقد وجد أن العامل الأكثر ارتباطا بالتقدم المهني هو الاعتراف الحر بالأخطاء التي يتم ارتكابها.
إن الاعتراف بأنك ارتكبت خطأ هو مثل خطوة أولى في برنامج مكون من اثنتي عشرة خطوة: فهي الأصعب والأهم. وحتى نقبل بالمحاسبة، كيف يمكننا التعلم من أخطائنا، واستخدامها للمضي قدماً في حياتنا، وتشجيع الآخرين على الثقة بنا؟ "لكي يهجر المرء طريق الفشل المتواصل، فإنه ينبغي له أن يكون أول الناطقين بأصعب ثلاث كلمات: "لقد كنت مخطئا". فإنه عندئذ يفتح عينيه، ويعترف بأخطائه، ويتقبل المسئولية الكاملة عن أفعاله وتوجهاته الحالية غير السليمة".
وتعرض "بوريا نيلسون" هذه العملية بأسلوب شاعري في كتابها Autobiography in Five Short Chapters. فتقول: "إن ما بدا في الكثير من مراحلنا الأولى كأنه تقدم بائس محدود كان لانفصالنا عن المشكلة حتى أصبحنا قادرين على تقبل المسئولية عن أخطائنا٠ وبمجرد أن نتمكن من رؤية العلاقة بين ما نحن فيه وما نفعله، حينها فقط نبدأ في البحث عن المشكلات الكبرى في مسارنا٠ وفي النهاية سنتعلم أن بإمكاننا ببساطة أن ننتهج مسلكاً آخر أقل وعورة، وهذا يعنى أن نتحول بكل بساطة من القدرة على حل المشكلات إلى التصرف بقدر أكبر من الكفاءة بالأساس.
وبعيداً عن المكاسب الشخصية التي نجنيها من الاعتراف بأخطائنا، فإن الثقة التي نبنيها مع زملائنا وعملائنا، وأصدقائنا وأفراد عائلتنا لا تقدر بثمن. يكتب "مارشال جولدسميث" قائلاً: "لا أحد يتوقع منا أن نكون على صواب طول الوقت. وبهذا المعنى، فإن الوقوع في الخطأ يكون فرصة قيمة – فرصة لإظهار معدنك كشخص وكقائد... فإن مدى قدرتك على تحمل مسئولية أخطائك يخلق انطباعاً أفضل عنك أكثر مما تخلقه نجاحاتك الكبرى".
إننا عندما نتحدث عن أخطائنا، فإن هذا يجعلنا أقرب إلى البشر. ويصبح من السهل على الناس حينئذ الاقتراب منا والارتباط بنا. فإنهم يشعرون بأننا نفهم وجهة نظرهم بشكل أفضل، وبهذه العقلية، فإنهم يكونون أكثر انفتاحاً على نصيحتنا.
والشيء اللطيف بشأن هذا المبدأ هو أننا جميعا نرتكب الأخطاء وأيضاً لدينا فائض من قصصها التي يمكن استخدامها حين نحب أن نطمئن الآخرين للتعامل معنا. تذكر أن تتبع القصة بنصيحة بناءة، وليس نقداً مباشراً.
ولكن كيف استخدم "كارنيجى" هذا المبدأ مع ابنة أخيه ومساعدته الجديدة ”جورفين"؟ لقد تعامل معها وهوضع في اعتباره مسألة قلة خبرتها والحماقات التي كان هوشخصدا يرتكبها عندما كان ض سنها ومستوى خبرتها.
فقد كان يبدأ بالقول: "لقد ارتكبت خطأ يا "جورفين"، ولكن الله يعلم أنه ليس أسوأ من الأخطاء العديدة التي وقعت فيها أنا. إن الحكم الصائب يأتي بالخبرة فقط، وأنت الآن أفضل مما كنت عليه عندما كنت أنا في مثل سنك. لقد وقعت في الكثير من الأخطاء الحمقاء ولذا فلست ميالاً لنقدك أو نقد أي شخص آخر. لكن ألا تجدين من الحكمة لو أنك ضلت كذا وكذا؟".
إنك عندما تعترف بأخطائك، فإنك توجه انتباه الشخص الآخر بعيداً عن أخطائه الخاصة؛ وبالتالي تلطف الطريقة وتتجنب اندفاعه للدخول في حالة من الدفاع عن نفسه على الفور.
إنك عندما تعترف بأخطائك، فإنك تبنى الثقة مع الآخرين تلقائياً.