في كتابه التاريخي، Art leadership Is an أكد المؤلف ”ماكس ديبرى” قائلاً: "إن المسئولية الأولى للقائد هي أن يعرف الحقائق، والمسئولية الأخيرة هي أن يوجه الشكر. وفيما بين هاتين المسئوليتين، يكون القائد خادماً للآخرين". ثمة ميل لتفسير هذا الكلام بما يعنى أن علينا أن نتجشم العناء وأن نتحدث عن الأمور السيئة أولا، كما لو أن من مصلحة القائد أن ينحى الأخبار السيئة جانباً منذ البداية. ولكن هذا ليس هو المقصود خاصة في عصر تسافر فيه الأخبار السيئة بسرعة البرق.
فبينما قد تعاني أية علاقة حالية -سواء كانت هذه العلاقة بين شركة وعملائها أوبين شخصين اثنين -حالة من التوتر أو مشكلة حادة، فلن يكون من المفيد كثيراً أن تبدأ أية محادثة بكلام سلبي. فمثل أية مسرحية تبدأ مشاهدها بمأساة تراجيدية، فإنها تؤسس لجو قاتم وغير طيب على خشبة المسرح. فتتهدل الأكتاف، وتنخفض الوجوه، وتبدأ القلوب في التواري في أعماق أصحابها، تخيل أن أثرا كهذا انتشر على نحو فيروسي عبر جميع وظائف المؤسسة أو عبر سلسلة القيم الكاملة لشركة ما أو عبر بلد بأكمله. فإنك سوف تكون مضطرا لأن تعمل في مواجهة موجة عارمة من ردود الفعل النفسية والفسيولوجية متن البداية، وحتى لو تمكنت من تجاوز هذه الموجة سريعاً، فليست هناك حاجة لبذل الوقت القليل المتاح لك في حل أشياء كان بالإمكان تحاشيها من البداية.
بدلاً من ذلك، ابدأ أية محادثة بتقدير أمين وصادق؛ وعندئذ سيكون المتلقي أكثر انقياداً لأفكارك وأقل ميلا للدفاع عن نفسه أو أقل مقاومة لك. ويجرب العديد منا الميل للدفاع والمقاومة عند التعامل مع وكلاء خدمة العملاء -وذاك كثير جداً بشكل يثير الدهشة! لكن "سانجيف إكبوت"، والذي قرأ مؤخرا كتاب كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الآخرين، عرف كيف يتعامل في أي موقف صعب.
لقد اشترى مؤخرا منزلا بضمان عقاري. وذات مساء، بدأ صنبور الحمام في التسريب، ولنا فقد اتصل بشركة الصيانة. وفي غضون ساعات قليلة، وصله فنى شاب من أجل إصلاح العطل. في البداية قام هذا الفني باستبدال الصمام، لكن الماء أخذ في التدفق بشكل أسرع، ولذا قام الفني بلف أنبوب المياه بالمطاط، لكن ضغط المياه كسر السدادات وبدأ تسريب المياه داخل الحوائط.
غضب "سانجيف" وفي الحال اتصال بشركة الصيانة يطلب منهم إرسال فنى أكثر خبرة. لقد كان بإمكانه أن يندفع غاضباً في وجه الشخص الذي يرد عليه في الهاتف، ولكنه توقف عن ذلك. وبهدوء ذكر ما لديه من بيانات، ثم شكر ممثل الشركة لإرساله فنياً بهذه السرعة. لقد شرح ما قد حدث، وبحث المندوب الذي كان يتحدث له عن فنى خبير، وحدد له أقرب موعد ممكن، وأرجأ الكلام عن أتعاب الخدمة.
لوكان "سانجيف" قد أصدر رد فعل مغايراً، فهل كان سيتلقى هذه الخدمة؟
قد يبدو هذا أسلوباً سيئاً، إلا أنه صعب للغاية عند ممارسته. هيا نتأمل تفويض "ديبرى" للقادة حتى نفهم السبب. إن أساس سوء تفسيرنا لعبارته هي مدلولات كلمة "حقيقة" في خطابنا اليومي. لماذا ينبغي علينا "مواجهة الحقيقة" - تقديم "جرعة الحقيقة" التي تبتلع على مضض مثل الدواء، أو أن نعيد شخصا ما إلى الحقيقة من حلم سخيف لا يتوافق مع الحقائق الثابتة؟ تلك هي العقلية التي نبدأ منها أية محادثات مهمة في الغالب.
هل الحقيقة قرص دواء مر فعلاً، أم هي على الأقل مبالغة في الواقعية؟ إنها ليست كذلك غالباً، لكننا ربما يكون لدينا استعداد لنراها على هذا النحو، خاصة إذا ما كان هناك هم يشغلنا ويقض علينا مضجعنا. فإن أصل الإنسان الصياد ما زال يملى علينا بذل الانتباه الشديد لمعظم الظروف الدرامية المحيطة بنا، وهي في العادة تكون سلبية, فبقاؤنا يعتمد على وجود هذه القدرة - أو أنه كان يعتمد عليها في السابق على أية حال. وقد أثبت علماء الأعصاب في دراسات عديدة "أننا نكون أكثر اهتماماً بالتهديدات المرتبطة بالأمور السيئة أكثر من اهتمامنا باحتمالات حدوث الأشياء الجيدة. فالإشارات السلبية بالمخ لددنا هي أكثر حساسية من المحفزات الإيجابية" على حد قول "راى ويليامز" أحد مدربي القيادة. بل إننا نتذكر الأحداث السلبية بشكل أفضل، أو على الأقل تتداعى عليها ذكرياتنا.
وللأسف، تظهر الأبحاث أن هذا التأثير لا ينحصر على الأفعال وانما يمتد كذلك إلى الانطباعات التي نشكلها عن الآخرين. فنحن ربما نعطى وزناً أكبر للصفات أو السلوكيات التي نرعى أنها سلبية، أكثر من الصفات أو السلوكيات التي نراها إيجابية، خاصة إذا كانت نات طبيعة أدبية أو أخلاقية.
وفي تلك الأوقات التي نأمل فيها بشدة أن نشجع الناس على التغيير، فإننا غالبا نصاب بالإحباط من السلوك الحالي. فتنشغل عقولنا مسبقاً بالسلوك السلبي. وهوما يشكل نظرتنا للواقع، ومن ثم طرد الأشياء الإيجابية من الأفعال والسلوكيات بشكل جماعي. ومن ثم فلا عجب في أننا في تواصلاتنا لا يمكننا على ما يبدو مقاومة القفز إلى المشكلة -أومن وجهة نظر المستمعين لنا – القفز إلى النقد.
إن عقول مستمعينا تشبه عقولنا تماماً. فالجانب السلبي أو النقدي فيما نقوله هو أول ما يستحوذ على اهتمامهم. فإنه يستبعد كل احتمالات استكشاف الفرص الإيجابية في الحوار. وأنا على يقين من أنك رأيت هذا يحدث أمامك من قبل: فتتصلب الوجوه، وتتجمد التعبيرات، وتبقى العيون وحدها كاشفة عن غليان الاعتراض الداخلي الذي يحجب أي شيء تنطقه ويكون مخالفاً لهذا الاعتراض.
إننا إن لم نعمل بجد لتلافي هذه الدراما، فإننا نشل قدرتنا على القيادة. في دراسة كلاسيكية عن تأثير التغذية الراجعة السلبية والإيجابية على الأداء، اكتشف "جيه. سيدنى شروجر" و" سول روزنبيرج "، ببساطة بالغة، أن أداءنا يعانى بشدة عند تلقى تغذية راجعة تقرر فشلنا بطريقة أو بأخرى. وعندئذ، فإن كان لدينا مستوى عال من الثقة والتقدير الذاتي، فإن الأثر سيكون عنيفاً. ومع هذا، فإن رد الفعل الثانوي على هذا النقد يكون بالانتقاص من مصداقية التغذية الراجعة- فنحن نرفضها على الفور، حتى إن أثرها على سلوكنا يكون قليلاً جداً فيما عدا تأثيرها الهائل على تشويه توجهنا.
فلماذا نخاطر؟ ولماذا لا نخفف من هذه الآثار السيئة على أدائنا أو توجهنا من البداية؟
في مقال عن مهارات القيادة بالنسبة للمعلمين، يشرح "ترينت لورتشر" ، من خلال عمله مدرباً لكرة السلة، كيف كان يتعامل مع الخسارات المحبطة مع فريقة. فيقول: "لقد خسرنا مباراة مهمة من جراء فقدان العديد من الرميات الحرة، وكان رد فعلى الطبيعي هو الصراخ في وجوه اللاعبين. ولكنني بدلاً من هذا قمت بالثناء عليهم لما أبدوه من شجاعة وثبات والوصول إلى خط الرميات الحرة باستمرار. وبعدها قمنا بالتدرب على الرميات الحرة لمدة ساعة. كان اللاعبون ساخطين بالفعل من تلك الخسارة، وقد أحسنت صنعاً حين رددت على شعورهم هذا بالثناء عليهم".
وفي أحدث كتبه الذي يحمل العنوان Good Boss، bad Boss يقص" روبرت ساتون'' – وهو أخصائي في علم النفس المؤسسي -قصة وردت له من ضابط سابق بالجيش الأمريكي. لقد كان معظم من يعلونه رتبة من الضباط حمقى -فقد كانوا بغيضين، ومحقرين من شأن الآخرين، ومثبطين للهمم. ولكن قائد الكتيبة كان مختلفاً.
لقد خرجت من الصف عدة مرات وأعادني إلى الصف على الفور وقوم لي سلوكي، ولم يصرخ في وجهي أو يحقر من شأني، ولكنى وعيت الدرس جينا وخجلت من نفسي لأني خيبت أمله في. وهذا النهج جعلني شخصاً أفضل الآن وأظننى أخذت عنه عاداته حتى إنني أقلد تصرفاته هذه من خلال معاملة الناس بالطريقة التي يرغبون فيها.
إن بإمكاننا التغلب على غرائزنا الأساسية بالاعتراف بميولنا الطبيعية والعمل بجد للتركيز على الإيجابيات. فليس الأمر مسألة تفكير إيجابي وحسب؛ بل إنه إعادة برمجة لعقولنا لكي ندرك أن تصوراتنا لا يجب بالضرورة أن تكون متسقة مع الواقع، والتوقف لكي نقوم بتحليل افتراضاتنا الكامنة حول موقف معين، والبحث في تلك الافتراضات حتى نصل إلى الصورة الكاملة. ونحن نستطيع أن ندرب أنظمتنا العصبية العاكسة -وهي تلك الخلايا التي اكتشفت منن عقود قليلة وهي التي تمكننا من فهم أفعال الأخرين، وتفسير نواياهم، وتوقع ما قد يقدمون عليه لاحقاً -حتى يمكننا ترسيخ السلوكيات الإيجابية وما تكشفه لنا عن الأشخاص الذين ندربهم.
وهذا أمر أساسي إن أردنا أن نكون صادقين في تقديرنا. فإننا بحاجة إلى نقطة إيجابية حقيقية نبدأ منها، وبحاجة إلى إظهار التقدير الذي يلقى صداه لدى المتلقي. فأفضل رؤساء العمل -وفقاً لـ "روبرت ساتون" -هو من يستغرق الوقت الكافي ليعرف كيف يفكر ويتصرف كل واحد من أفراد فريقه. وليس هذا سهلاً، فالقادة على الرغم من كل جهودهم العظيمة، غالباً ما ينسحبون من المواقف التي كثيراً ما تكون أكثر كشفاً للآليات الشخصية لدى الفرد. ولكن النتيجة فيما يتعلق بتأثير القائد وفاعليته تستحق ما يتم بذله من جهد.
إننا عندما نقر بقيمة أي فرد بالنسبة للمؤسسة التي نعمل بها، فإننا نؤسس مساراً إيجابياً لتواصل صريح ومنفتح.
وبالطبع، فإننا مضطرون للتعامل مع الأمر الذي تحت أيدينا في النهاية. ولعل الأسوأ من طرح البنود السيئة أولاً، هو محاولتنا تلطيفها أو عدم معالجتها على الإطلاق. هذا "التأثير الأمومي" -مصطلح اشتقه عالما النفس "سيدنى روسين" و"إبراهام تيسر" في بداية السبعينيات من القرن العشرين -يقع لأن الناس يحاولون تجنب تحولهم كأهداف للمشاعر السلبية لدى الآخرين. إننا جميعاً نملك الفرصة لقيادة التغيير، لكن الأمر يحتاج إلى التحلي بالشجاعة في إطلاع رؤسائنا على الأخبار السيئة. ولا يجدر بنا أن نكون مثل رسول السلام الذي يقع أمام فرقة إعدام. حين تستثار غريزة البقاء بداخلنا، فإنها قد تتغلب على شجاعتنا فتتوه حقيقة الموقف. وقد كتب "ساتون" يقول: "إن تأثير الأمومة والفلترة الناجمة عنه للأخبار لهما آثار مدمرة في التسلسل الهرمي بأكمله. فما يبدأ على أنه خبر سيئ يصبح أكثر بساطة عند تنقله عبر المراتب الوظيفية -لأنه بعد أن يستمع كل رئيس للأخبار من مرءوسيه، فإنه يجعلها أخف وطأة قبل أن يمررها لمن يعلوه في التسلسل الهرمي".
إن القيادة من خلال التركيز على الإيجابيات ومقاومة الرغبة في تعظيم حجم الدراما هي أدوات تساعدنا على دعم عزيمتنا، وأساليب للخوض بثقة في مواضع النقد. والقادة الذين ينتهجون هذا السلوك قلما تباغتهم الكوارث التي ينبغي أن يكونوا على علم بها طوال الوقت.
في شركة "سوندا"، توصل "أندرياس نافارو" إلى طريقة لترسيخ هذا المنهج على مستوى مؤسسي، من خلال اتباع قاعدة الثلاثة في مقابل واحد. فيقول: "إننا نحاول تقليل النقد قدر الإمكان. ولدينا قاعدة لهذا. إذا دخلت الشركة ووجدت شخصاً لا يعجبك أو وجدت أنه لا يقوم بالعمل على الوجه الذي تراه فلا تقل أي شيء، ولكن اكتب ما تراه في ورقة". وعندئذ يكون الموظفون مطالبين بأن يجدوا ثلاثة أشياء جيدة تخص ذلك الشخص قبل أن يفتحوا نقاشاً يكون الهدف منه هو تغيير سلوك ذلك الشخص.
كيف لنا إذن أن ندخل في تفاعلات نكون مضطرين فيها لمناقشة الأخبار غير المستحبة؟ إننا نعلم بغريزتنا أننا دائماً ما نكون أكثر تقبلاً للأخبار السيئة بعد سماع مديح للنقاط الإيجابية لدينا. ولكن لوجاء المديح زائفاً أو أن التحول من المديح إلى النقد جاء مفاجئاً، فإن هذا المبدأ سوف يخسر ويفقد تأثيره. ولتلافي هذا الأمر، عليك بالتالي:
أولاً: ينبغي أن يكون الثناء صادقاً وحقيقياً، وليس مجرد أداة انتظار لبعض الوقت حتى ترتب النقد الذي ستوجهه.
ثانياً: ينبغي عليك أن تكون قادرا على خلق تدفق سلس من نقطة التي تليها.
ثالثاً: قدم أداة بناءة بدلاً من توجيه النقد الذي يتبع الثناء.
هذا الأسلوب في توصيل نقطة معينة من الممكن أن يكون أكثر صعوبة قليلا في الصيغة المكتوبة. فبدون التدفق الطبيعي للمحادثة، وهوما يمثل فرصاً للتواصل بين نقطة والتي تليها، فإنه قد يبدو للأخرين كأنك فقط "تتملقهم". وإذا كان الموضوع جدليًا على نحو خاص، فسوف يكون عليك أن تتحدث مع الطرف الآخر حديثاً مباشراً.
إن العديد من الناس يبدأون نقدهم بعبارات ثناء صادقة ثم تتلوها كلمة "ولكن" ، والتي تشير إلى وشك بداية توجيه النقد. وهذا التصرف قد يدفع المستمع إلى الشك في صدق الثناء السابق. استعمل حرف العطف بدلاً من كلمة "لكن"، وقدم نصيحة بناءة بدلاً من توجيه النقد. فهذه على الأرجح هي أضمن طريقة لمعالجة أية مشكلة في صيغة مكتوبة دون أن تبدو زائفاً في ثنائك.
إن البدء بالمديح والتقدير سوف يساعدك على مساعدة موظفيك على أن يصبحوا أكثر إنتاجية، ومساعدة الموزعين على أن يصبحوا أكثر التزاماً، والأصدقاء والعائلة ليصبحوا أكثر قدرة على فهم وجهة نظرك. فإن الرؤية الإيجابية دائماً ما تضع التعاملات على المسار الصحيح.