يتعلق بهذا
إننا جميعاً نتطلع إلى السمو والرفعة -إلى أن نكون جزءاً من شيء ما أكبر من أنفسنا، وأن نحمل معنى خاصًا للعالم ومن فيه، وأن يقال عنا إننا نسمو فوق الأمور، ونأخذ موقعا حاسماً، ونصل إلى أبعد الحدود، ونقوم بما هو صواب ومشرف وحق. يشتاق الصبية الصغار لأن يصبحوا محاربين أقوياء، أو أمراء أبطالاً في مملكة خيالية بينما تتطلع الفتيات الصغيرات إلى أن تصبحن مثل الأميرات الجذابات أو الجميلات في خضم مغامرة كبرى. وعلى مستوى أساسي، فإن هذه الرغبات هي سبب اقتنائك لهذا الكتاب.
ورغم أن تحسين العلاقات، ومستوى الإنتاج في العمل تمثل محاور أساسية في حياتنا، فإن أهمية مثل هذه الأمور تنبع من رغبتنا في أن نكون أشخاصاً يحدث وجودنا فارقاً في الحياة. إن الاستفادة من هذه الدوافع النبيلة في الأشخاص الذين ترغب في التأثير عليهم من الممكن أن تعود عليك بفوائد جمة. ومن المحتمل أن يكون الأمر أبسط مما تعتقد.
عندما وجد عملاق الصحافة والنشر في بريطانيا، اللورد "نورثكليف"، أن هناك جريدة تستخدم صورة له لم يرغب في نشرها، كتب خطاباً إلى المحرر. لم يقل اللورد في خطابه: "أرجو عدم نشر صورتي هذه بعد ذلك؛ فأنا لا أحبها". بل إنه خاطب دافئا أكثر نبلاً لدى المحرر: إنه الاحترام والحب اللذان نحملهما جميعاً لأمهاتنا. فقد طلب اللورد ألا تنشر الصورة مرة أخرى فقط لأن والدته لم تعجب بها.
وعندما أراد "جون دى. روكفيللر الابن" حث مصوري الصحف على التوقف عن التقاط الصور لأطفاله، ناشد هو أيضاً الدوافع النبيلة لدى المصورين. فلم يقل: "إنني لا أريد نشر صورهم". لقد ناشد الرغبة الكامنة فينا جميعاً، وهي الإحجام عن إيذاء الأطفال. فقال: "إنكم تعلمون مدى تأثير هذا الأمر، يا رفاق. فلقد رزقتم بالأطفال، أو بعضكم رزق بهم. وأنتم تعلمون أنه لا خير للأطفال في التعرض للكثير من الدعاية والشهرة".
إن مثل هذا الأسلوب يقوم بما هو أكثر من مناشدة الدوافع النبيلة لدى الشخص الآخر؛ بل إنه ينسب إلى ذلك الشخص شرفاً معيناً. إنه يبعث برسالة مفادها: "إنك كفء لفعل ما هو صواب، ومشرفاً، وحق". إنه مدح رقيق يقول في جوهره:” إنني أثق بك"٠ هذه هي الكلمات القوية التي تحرك الناس نحو العمل، مثلما تعلمت إحدى خريجات مؤسسة” ديل اكارنيجي" للتدريب وتدعى "سارة”.
لقد كانت "سارة" ترتب مع صديقة لها رحلة إلى النمسا وألمانيا لمجموعة تضم عشرة أشخاص. حيث اتصلتا بشركة للحافلات لترتيب عملية الانتقال من النمسا إلى مدينة الملاهي "أوروبا بارك" في مدينة” روست” بألمانيا. وحددت الشركة مبلغ ٩٦٥ يورو نظير الانتقال، وهو ما وافقتا عليه، وأكدت الاثنتان على هذه الموافقة عبر البريد الإلكتروني، وقبل أسبوع من عملية الانتقال، تلقت "سارة" رسالة إلكترونية من أحد الوكلاء بشركة الحافلات، ويدعى "بيتر" يسألها فيها عن مدينة "روست” المقصودة التي خططت لزيارتها مع المجموعة، وأخبرها بأنهم لو كانوا يريدون زيارة مدينة "روست" الموجودة بالنمسا، فسوف تتكلف الرحلة ٩٦٥ يورو، أما إذ ا كانت تقصد زيارة مدينة "روست" الموجودة بألمانيا، فستصبح التكلفة ١٨٨٩ يورو.
وبالطبع شعرت سارة بالغضب من هذا التغيير المفاجئ في الأسعار. وكانت تعلم أن الوقت ضيق لكي ترتب عملية انتقال أخرى بسعر معقول، لقد كانت تواجه معضلة حقيقية. هل كان ينبغي لها أن تبدأ بإرسال مجموعة من الرسائل الإلكترونية الغاضبة إلى "بيتر" فيما يطق بطريقة تغييره للأسعار؟ أم أنه كانت هناك طريقة أخرى لمعالجة هذه المشكلة؟
وقررت "سارة" أن توبيخ "بيتر" لن يعود عليها بالكثير، وسوف يتركها متورطة في مشكلة الانتقال. ولذلك، فقد قررت أن تنتهج أسلوباً آخر. فسوف تناشد الدوافع النبيلة لدى "بيتر"، وتحاول علاج المشكلة من خلال التفاعل المخلص الصادق.
ولقد تصرفت بكل هدوء. فقد ردت على رسالته الإلكترونية برسالة تسأله فيها عما إذا كان هناك مدينتا ملاهي تحملان اسم أوروبا بارك في مدينتين مختلفتين تحملان اسم "روست" إحداهما في النمسا والأخرى في ألمانيا. فرد عليها "بيتر" بالنفي.
فردت عليه "سارة" برسالة الكترونية أخرى تتضمن نسخة من عرضه المبدئي، وشرحت أنها حددت بكل وضوح أن الانتقال سيكون إلى مدينة الملاهي "أوروبا بارك" في مدينة "روست" بألمانيا، وأنه حسب رده الذي تلقته، فهناك مكان واحد يحمل هذا الاسم. ثم اختتمت رسالتها قائلة: "أرجو تقديم تفسير لهذا التغيير في الأسعار؛ حيث إنني متأكدة من أنكم كشركة تتسم بالاحترام، تقدرون عروضكم المبدئية، وتهتمون بالحفاظ على المصداقية مع عملائكم".
وتلقت "سارة" رسالة اعتذار من "بيتر" في اليوم التالي، يشرح فيها أنه كان هناك بعض الخلطة من جانب الشركة. ثم أكد بكل سرور على العرض المبدئي.
فمن خلال مناشدة الدوافع النبيلة لـ"بيتر" وشركته، استطاعت سارة أن تحل المشكلة دون أن تتحمل مزيدا من التكاليف المادية أو العاطفية.
إن الكثيرين منا لا يدركون وجود هذه الدوافع النبيلة لدينا عندما نكون أطفالاً، ولكن عندما نكبر، فإننا نراها في أطفالنا ونشعر بها جيداً داخل أنفسنا عندما نشاهد أفلانا مثل The Kings speech أوGladiator أوlittle Woman. فنحن نريد أن تتضمن حياتنا اليومية أفعالاً بطولية بطريقة أو بأخرى.
كتب المؤلف والمستشار السابق في الأمور الزوجية والعائلية، "جون إيلدريدج" يقول: "ماذا يحدث لو كانت هذه الرغبات القوية الكامنة في قلوبنا، تخبرنا بالحقيقة، وتكشف لنا عن الحياة التي يفترض بنا أن نحياها". قد يرد البعض بأن لدى كل إنسان: مسارين واحدا للخير وآخر للشر.
إننا جميعاً -مع التحلي بالمثالية في قلوبنا، وتفضيل تقديم أنفسنا للآخرين بأفضل صورة ممكنة -نميل إلى التفكير في الدوافع التي تبدو جيدة. وعندما نقدم فرصة للأخرين لكي يقوموا بالمثل، ولا نفترض أن دوافعهم تدور حول الأنانية أو الخداع، فإننا نسمح لهم بزيادة شعورهم الخاص بالقيمة الذاتية عندما يتجاوبون معنا. إننا نتيح لهم أن يثبتوا لنا بأننا محقون بشأنهم.
وتبرع شركات الإعلانات في الوقت الحاضر في تطبيق هذا المبدأ على نحو رائع للغاية، فلتنظر إلى حملات المنتجات الصديقة للبيئة كحملة شركة مستحضرات "دوف للتجميل" بشأن الجمال الحقيقي، والمنتجات الأخرى التي تجعل المشترى ( أو الشوكة ) نبيلاً في دوافعه، وتوظف المؤسسات غير الربحية أيضاً هذا الأسلوب التكتيكي، وتستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية للترويج لرسائلها بهذه الطريقة، وهي طريقة تحقق النجاح لأن معظم الناس سوف يتفاعلون بشكل إيجابي مع عروضك، عندما يشعرون بأنك معجب بهم لأنهم يتحلون بالأمانة، والإيثار، والعدل.
ذات صباح أثناء تناوله طعام الإفطار، علم أستاذ إدارة الأعمال بجامعة سان فرانسيسكو- " ديفيد باتستون" -أن أحد مطاعمه المفضلة في منطقة خليج سان فرانسيسكو، كان يستخدم أسلوب العمل بالسخرة، ولقد كشف المقال الصحفي الذي يتناول هذا الموضع التفاصيل البشعة لكيفية إجبار المطعم لموظفيه على العمل في ظل ظروف قاسية، عن طريق تهديدهم بكشف وضعهم كمهاجرين غير شرعيين.
لقد لفتت القصة انتباه "ديفيد" فجأة، وأشعلت حماسته لكى يبدأ حملة باسم "ليس للبيع "، وهي تسعى - ضمن أشياء أخرى - إلى الكشف عن السخرة المعاصرة في المجتمعات والشركات في جميع أنحاء أمريكا.
وعندما يستمع المرء ل "ديفيد" وهو يتحدث عن هذه الحملة، فإنه يقتنع بوجوب الانضمام إليها، وهذا بالضبط هو ما يريده "ديفيد" أن يحدث. إنه يعلم أن الموضوع سيمس الجميع، إن فكرة وجود السخرة في هذا -الوقت والعصر لهي شيء مروع -فهي تدفعنا إلى الشعور بالسخط وتجعلنا على استعداد لمد يد المساعدة لمن يعانون هذا الأمر.
وفي عام 2010، نشر "ديفيد" وفريقه مبادرة جديدة تسمي Free2Work وهذا البرنامج هو أحد التطبيقات الفعلية للهواتف الذكية. فالمستهلك يفحص المنتج، ويقوم التطبيق بتقديم تصنيف للشركة المصنعة لهذا المنتج. فإذا أردت -على سبيل المثال- شراء قميص من شركة "باتاجونيا" للملابس، فيمكنك فحص المنتج، وسوف يقوم تطبيق Free2Work بمنح شركة "باتاجونيا" تصنيعا للتصنيع يشير إلى مدى نجاح الشركة فيما يتعلق باتباع معايير عادلة في التجارة، والتوظيف، والتصنيع خارج البلاد.
ويقدم التطبيق مستوى جديداً من المسئولية لكل من الشركات المصنعة والمستهلكين، فلد يمكننا ادعاء الجهل بعد الآن، ونقدم الدعم للشركات التي تستخدم أسلوب السخرة أو تفشل في تحقيق الشفافية في جهودها التصنيعية على المستوى الدولي.
وعلى مستوى أكثر عمقاً، فإن التطبيق يخاطب الدوافع النبيلة للشركات المعنية بشكل مباشر، عندما تحمل الشركات مسئولية علاقاتها التجارية، ويُطلب منها تلبية مستويات عالية وإنسانية، فإن الشركات تميل إلى التجاوب على نحو جيد، فهي تعلم ان المستهلكين يهتمون بشكل متزايد بكيفية صنع المنتجات، وكيفية معاملة تلك الشركات للعاملين فيها.
ويستهدف تطبيق Free2Work الدوافع النبيلة للمستهلكين وشركات التصنيع لحثهم على إحداث تغيير ثقافي إيجابي، كيف يمكنك البدء في استهداف الرغبات النبيلة لناخبيك وبائعيك بطريقة تسهم في تغيير الروح العامة للناس في قطاع معين ربما يكون بحاجة إلى حياة جديدة، أو معايير جديدة؟
إن هذا سؤال مهم يجب الإجابة عنه في الوقت الحالي. فالمفتاح الرئيسي لتحقيق النمو الناجح والتأثير الإيجابي داخل وخارج السوق هوما أطلقت عليه خبيرة الوسائل الرقمية "ايمى مارين" اسم "الأعمال الإنسانية". وتمثل استجابتها لموجات التسونامى التي اجتاحت اليابان في عام ٢٠١١ قوة مناشدة الدوافع النبيلة في العصر الرقمي. وتمثل أيضاً تذكرة صريحة بالعواقب الوخيمة لعدم تجسيد هذا المبدأ.
أثناء ممارستها لتمارينها الرياضية في ساعة متأخرة من الليل، كانت "مارتين" تتابع أحدث أخبار الآخرين على موقع تويتر من خلال جهاز "آي باد" الخاص بها، لقد ضرب الزلزال اليابان، ثم أتبعه التسونامى، وفجأة امتلأ موقع تويتر بالأخبار. وانتقلت "مارتين" إلى قناة "سي إن إن" الإخبارية على التلفاز، وشاهدت بدا مباشرا للمركبات وهي تتطاير بعيدا، والناس وهم يحاولون الهروب من الموجات المدمرة التي اجتاحت الشاطئ. وكتبت في مدونتها: "إنني لم أكن متأكدة مما يجب القيام به، ولكنى شعرت بالمسئولية والحاجة لتقديم المساعدة بطريقة أو بأخرى".
وبدأت في تمحيص أكثر المشاركات والروابط أهمية وصلة بالموضع على موقع تويتر، وأعادت نشرها على مجموعتها الكبيرة من المتابعين. وطلبت من متابعيها أيضاً أن يرسلوا إليها أية معلومات قيمة بحوزتهم يمكن بثها للآخرين، واستمرت على هذا النحو لأربع ساعات، ولم يكن في هذا الوقت نصيب لتسويق منتجات أو ترويجها، وعلى حد قولها، فقد كان الأمر يدور حول أن يجتمع الناس معاً عبر وسيلة افتراضية لكي يساعد كل منهم الآخر، لقد كانت مسألة إنسانية".
ومع ذلك، فقد شهدت خلال جهودها الإنسانية تناقشا مرعباً -فقد كان يبدو أن هناك قنوات إخبارية تليفزيونية كبيرة أصابها الشلل بسبب اهتمام غير مناسب منها بالتقييمات. فبينما كانت "مارتين" في خضم جهودها الرقمية، كانت بعض القنوات الإخبارية البارزة تتنقل ذهاباً واياباً بين التغطية المثيرة للكارثة وآخر موضوعات المشاهير.
لقد كتبت تقول: "لقد كنت أشعر بالذعر. ففي رأيي، إذا كانت هذه المؤسسات الإخبارية تهتم أدنى اهتمام بالطريقة التي يرى بها المشاهدون علامتها التجارية، فمن الأفضل لها إذن أن تبدى مزيدا من الفطنة والاهتمام بإنقاذ الأرواح، أكثر من اهتمامها بتحقيق سبق صحفي في هوليوود...ففي بعض الأوقات يجب على المرء أن يضع هوليوود في المؤخرة، ويركز على الشيء الصحيح الذي يجب القيام به".
وتوضح "مارتين" شيئاً من السهل نسيانه في خضم جهود إحداث تأثير عملي، وهو أن العديد من قنوات وسائل الإعلام الاجتماعية التي نطلع عليها هي أول وأفضل أدوات التواصل الشخصي، والتي صممت من أجل أن يتواصل البشر. وكتبت ملاحظه تقول: ”إنها لم تخترع من أجل التسويق".
ولقد لاقى إحساس "مارتين" الذي أظهرته في مدونتها صدى واسعاً لدى الكثير من متابعيها الذين أعجبوا بمناشدتها للدوافع النبيلة، والتي لم تقتصر على المؤسسات الإخبارية الكبيرة، بل امتدت إلى كل الشخصيات التي تمتلك القدرة على مساعدة هؤلاء المعذبين في أعقاب التسونامي. ورغم أن "مارتين" لم تكن تبيع شيئاً في تلك الليلة، فلا عجب أن 1,3 مليون شخص تابعوها على تويتر، كما اتصل بها بعض أكثر رجال الأعمال، والشخصيات، والفرق الرياضية المحترفة، شهوة من أجل الحصول على إرشاداتها الرقمية. إن "مارتين" هي الشخص الذي يعلم أن ممارسة الأعمال التجارية في العصر الرقمي تقوم على ممارسة الأعمال الإنسانية بشكل جيد.
ولذلك، فكثيراً ما نشفر بالرضا لمجرد تواصل الآخرين بعالمنا الرقمي، ونستعرضهم مثل السلع إلى أن نكون مستعدين للانخراط في نوع معين من الصفقات، إن هذا النوع من المشاعر يقتل النبل والشرف المتأصل في إحساسنا بالإنسانية المشتركة، وهذا يجعل من علاقاتنا مجرد أدوات لإجراء الصفقات التجارية، وليس لتحقيق السمو والرفعة.
ولكي تتواصل مع الناس بشكل حقيقي، يجب عليك أن تحتفل بإحساسهم المتأصل بالكرامة، وعندما نقوم بذلك، فأنت تحتفل بإحساسك أنت أيضاً ناشد الدوافع النبيلة، وعندئذ ستتمكن من تحريك الجموع وأنت معهم.