أحبب الاخرين، وصادقهم، واتبع سبيلهم، وشاركهم المشاعر.
في العصر الرقمي، ينشأ الانجذاب والألفة مع الآخرين قبل أن نتبادل معهم التحية الأولى. وفي عصر "اكارنيجي"، كانت الصداقة والقواسم المشتركة تسيران جنباً إلى جنب. فأنت تلتقي مع شخص آخر، وتتحدثان، وتكتشفان أرضية مشتركة ينتج معها الإعجاب الذي يؤدى إلى تعميق أواصر الصداقة. أما في الوقت الحاضر، فإن الناس يتابعونك على موقع تويتر، أو ينتمون إلى مجموعتك نفسها على موقع فيسبوك، أو يبدون إعجابهم بآخر مقطع مصور وضعته على اليوتيوب، دون أن تلتقي بأي منهم على الإطلاق. وكثيرا ما تمتد أواصر الانجذاب والألفة قبل أن تلتقي بأي شخص بالفعل.
ومع الخوض في تفاصيل الأمور التي نحبها والتي لا نحبها - والتي تتضمن المفاتيح الرقمية وعلامات الرضا والقبول - فإننا نعطي ونأخذ الإذن إما للاتفاق أو الاختلاف اعتماداً على الانجذاب والألفة فقط، فهناك نقاط للانجذاب ونقاط للتنافر، وكثيرا ما ننجذب ونمنح النفوذ للأشخاص الذين نشترك معهم في الكثير من الأمور, ومن الممكن أن يكون هذا تعزيراً هائلاً لبناء علاقات دائمة يوجد بها الكثير من التأثير.
إننا لا نتحدث هنا عن قوانين الجذب. فيمكنك التفكير في امتلاك الكثير من الأصدقاء الذين نتمتع بقدر كبير من التأثير عليهم، ولكن لن يحدث كثير من التغيير إذا لم تقم بتصرف حقيقي هادف لبناء تلك العلاقات. إننا نتحدث هنا عما أطلق عليه المؤلف "جون سى. ماكسويل" اسم "قانون المغناطيسية".
كتب "ماكسويل" يقول: "إن القادة الناجحين دائماً ما يبحثون عن الأشخاص الجيدين".
فكر في الأمر. هل تعلم طبيعة الشخص الذي تبحث عنه في الوقت الحالي؟
ما تصورك للموظفين المثاليين؟ وما المواصفات التي يتمنع بها هؤلاء
الأشخاص؟ هل تريد منهم أن يتسموا بالجرأة والمبادرة؟ هل تبحث عن قادة؟ هل تهتم بما إذا كانوا في العشرينيات، أو الأربعينيات، أو الستينيات من العمر؟... والآن، ما الذي سيحدد أن الأشخاص الذين تريدهم هم الأشخاص الذين ستحصل عليهم بالفعل وأنهم يتمتعون بالمواصفات التي تريدها؟ ربما تصيبك الدهشة عندما تعلم الإجابة. صدق أولا تصدق، إن الأشخاص الذين تحصل عليهم لا يتحددون وفق ما تريده، إنهم يتحددون وفق ما أنت عليه.
إن الطيور على أشكالها تقع-وهذا يصح على كل من السمات الشخصية والقواسم المشتركة، ورغم ذلك، يمكننا في الوقت الحالي أن نحقق الأفضلية. فيمكننا التحقق من أواصر الانجذاب قبل أن نتعامل مع أي شخص ما، وفي العصر الرقمي، تعتبر الخطوات الاستهلالية خير طريق لإحداث التأثير. فعندما ينضم شخص ما إلى مجموعتك نفسها على موقع الفيس بوك، أو يتابع مدونتك، أو يعلق على أحد المواقع الإلكترونية، فإنه أو إنها يوافق عليك. وهذا يضعك في موضع قوة يجب عليك الحفاظ عليه إذا أردت التأثير على هذا الشخص.
وعندما يرفضك شخص ما، ويقصد هذا الرفض بالفعل، فإنه يحدث شلال نفسي من ردود الأفعال مما يضع هذا الشخص في موقف دفاعي، مع الاستعداد للانسحاب، ولكن عندما يوافق هذا الشخص عليك، ويقصد الموافقة بالفعل، فإنه يصبح في موضع قبول وانفتاح للمضي قدماً معك. وهكذا، كلما زاد عدد الموافقات التي تحصل عليها في بداية التفاعلات - حتى لو كانت لا ترتبط بالعرض النهائي على نحو كبير- زادت فرص قدرتك على أن تجعل الشخص الآخر على استعداد للاتفاق معك طوال الطريق.
إن الحصول على الموافقة يصبح أكثر سهولة ويسراً عندما تبدأ بها. فلدينا فرصة واضحة -ص موضع إيجابي يمكننا أن نبدأ حواراً من خلاله.
ومع توافر الكثير والكثير من الفرص المتاحة أمامنا للتواصل مع الأشخاص الذين يهتمون بما نحن عليه وبما لدينا لنقوله، تتضاءل أعذار البدء في أية. علاقة أو حتى محادثة بطريقة خاطئة.
علاوة على ذلك، فإن المؤسسات تمتلك القوة لكي تدفع عناصرها الأساسية للحصول على الموافقة التي تعتمد تماماً على تأثير المجتمع، ولقد فهمت شركة "مايكروسوفت" هذا الأمر جيدا عندما أطلقت نظام التشغيل "ويندوز7".
لقد تعرضت شركة الحاسبات العملاقة، "مايكروسوفت"، لهزة عقب الإطلاق المثير للسخط لنظام التشغيل "ويندوز فيستا"، وهو نظام التشغيل الذي تعرض للتهكم على مستوى العالم. ولكن الشركة كانت مستعدة للدخول إلى المعركة مرة أخرى بنظام التشغيل "ويندوز ٧"؛ حيث تعلمت الشركة من تجاربها السابقة، فقد كان يجب عليها أن تشرك عملاءها ومستخدميها معها منذ البداية، لقد كان يجب على الشركة أن تحصل على موافقتهم في البداية. أولاً: توجب عليها أن تجد لها مشجعين وهم الأشخاص المؤثرون المحتملون في مجتمع مستخدمي الحاسب الشخصي.
في كتابهما Empowered، يستكشف المؤلفان "جوش بيرنوف" و"تيد سكادلر" استراتيجية شركة "مايكروسوفت" من أجل العودة إلى الحلبة مرة أخرى. ولمواجهة الإعلانات التجارية البارعة لأجهزة ”ماك" التي تنتجها شركة "أبل" والتي تصور الحاسبات الشخصية لشركة مايكروسوفت بأنها أجهزة عاجزة، وعقيمة، وعتيقة تتعامل مع العمليات الحسابية المعقدة، التمست شركة "مايكروسوفت” الحصول على مقاطع الفيديو التي بعنوان I m a PC"" مباشرة من المستخدمين عن طريق قناة يوتيوب، وقامت الشركة بتنسيق هذه المقاطع معاً لإحداث بداية قوية لحملتها التسويقية التي تعتمد على رضا العملاء، وعندما أطلقت نسخة تجريبية من "ويندوز٧" للمستخدمين المستهدفين، سعت الشركة لمعرفة التغذية الراجعة على المدونات، وموقع تويتر، وموفع فيسبوك، ومنتديات المناقشة، والمنتديات الاجتماعية الأخرى. واستعداداً لإصدار النسخة السوقية، وضعت الشركة تغذية راجعة معتدلة عن محتوى المشاركات التي استضافتها المواقع والمنصات الأخرى، وقدمت التغذية الراجعة على موقعها، وعلى صفحتها على موقع فيسبوك، وفي كل مكان آخر. لقد ساهم هذا في وجود مستخدمين يقومون بالإعلانات، وتسليط الضوء على مفهوم أن "ويندوز7" صُمم كنتيجة جزئية لاقتراحات العملاء. لقد كان الشعار هو: " Im a PC and Windows 7” أي(لديً حاسب شخصي"ويندوز٧" كان فكرتي).
ورغم ذلك، كانت الضربة القاضية تتمثل في كيفية دفع مشجعيها إلى الاحتفاء بــ "ويندوز ٧"، ومشاركته مع الآخرين، وقدمت الشركة فرصة لمشجعيها-مما جعلهم يشعرون بأهميتهم.
إن كنت من مشجعي نظام التشغيل "ويندوز ٧" يمكنك التسجيل لإقامة حفل في منزلك لعرض المزايا الجديدة لهذا النظام-سوف ترسل شركة "مايكروسوفت" الأجهزة اللازمة.... وانتشر الحديث حول فرص الحفل في جميع أنحاء وسائل الإعلام الاجتماعية، وقبل مرور وقت طويل اشترك عشرات الألاف من الناس من أربع عشرة دولة، وقدرت شركة "مايكروسوفت" أن الحفلات ستضم ثمانمائة ألف شخص، بمن في ذلك المضيفون والضيوف.
عند التفكير في الطريقة التي صدر بها "ويندوز فيستا "، كان من الممكن أن يرفض مستخدمو الحاسبات الشخصية " ويندوز7 " من البداية، ولكن، شركة "مايكروسوفت" جعلتهم يوافقون عليه.
عندما نبدأ بالموافقة، فإننا نمد جسور الانجذاب والألفة إلى تأثير، يجب أن يظل هناك أهمية، ولكن لكي يتحول الانجذاب والألفة إلى تأثير، يجب أن يظل هناك أساس من التعاطف، يجب أن نكون قادرين باستمرار على أن نرى التفاعل من وجهة نظر الآخرين حتى ندرك القيمة الحقيقية لنقاط الانجذاب.
وبدلاً من الاستفادة من الفرص التي: تقدمها وسائل الإعلام الاجتماعية للمساعدة على الحصول على الموافقة في البداية والحفاظ على هذا المستوى الضروري من الالتزام، فإننا غالباً ما ستجاهل الأمور التي يريدها الآخرون، ونمطرهم بوابل من كلامنا المنمق، وبدلاً من حثهم على القول: "نعم! نعم!"، فإننا نجبرهم على قول: "توقف! توقف!". ويطلق خبير وسائل الإعلام الاجتماعية "كريس بروجان" على هذا تساقط عاصفة ثلجية عنيفة من العمل، وليس تساقطاً تدريجياً لثلوج التواصل:
تعتمد المحادثات والعلاقات على كثرة الاتصالات. ففي العالم التقليدي للتسويق والتواصل، يستخدم الناس كل اتصال من- أجل طلب شيء ما، أو توجيه دعوة للعمل. ولكن الأمور لا تسير على هذا النحو في الشبكات الاجتماعية....فهذه الشبكات موجودة لمنحك الإذن بالتواصل مع أي شخص يختار أن يقيم علاقة معك....إنها عملية متدرجة. فكل خطوة فردية لا تعنى الكثير، ولكن مجموعة العمل- يمكنها تغيير كل شيء.
يجب أن توفر للآخرين ما يريدونه في تواصلك معهم إذا أردت أن تبدأ بالموافقة وتحافظ على استمرارها، وعندها فقط ستفوز بمستوى عال من الثقة التي تتيح لك أن تتحدث للآخرين بثقة سواء كان هذا الحديث عن منتج، أو خدمة، أو قضية.
وبالطبع فإن هذا المبدأ على القدر نفسه من الأهمية عند تطبيقه خارج نطاق العالم الرقمي. كانت هناك شركة صحفية تتتبع سياسة إرسال نسخة جديدة من إصداراتها للعملاء الذين يتصلون للشكوى من أن صحفهم قد تضررت جراء الطقس العاصف، ولكن مع مرور الوقت، فإن ارتفاع أسعار البنزين وانخفاض عدد الاشتراكات جعل من المستحيل -من الناحية المالية الاستمرار في هذا العمل، ولذلك، فقد أرسلت الشركة لعملائها ما كانت تعتقد أنه خطاب ودود للغاية. وكان الخطاب يبدأ على هذا النحو:
عزيزنا العميل،
إننا ل نستمر في إرسال جريدة بديلة في حال تضررت الجريدة التي أرسلناها سابقًا بسبب الطقس .
ومضت الشركة في تفسير تغيير سياستها، ثم كتبت في نهاية الخطاب العبارة التالية:
وإذا تسلمت جريدة تالفة، رجاءً اتصل بنا، وسوف نعيد إليك ثمن الجريدة في فاتورتك التالية:
ربما تكون الاستجابة الأولى للعملاء عند قراءة هذا الخطاب هي الاعتراض والشعور بالتوتر، وفي نهاية هذا الخطاب، سيشعرون بالانزعاج الشديد لدرجة أنهم لن يهتموا بالبديل الذي تم طرحه والذي ربما يكون أفضل بالنسبة لهم.
ما الذي قد يحدث لو كتبت الشركة - بدلاً من ذلك-خطاباً على هذا النحو:
عزيزنا العميل،
إننا ندرك مدى ما بمكن أن تشعر به من إحباط عندما تكون الجريدة التي تلقيتها تالفة بسبب الطقس السيئ. (نعم، هذ١يحدث بالفعل!) فأنت تدفع مقابل منتج وخدمة، وتتوقع الحصول على الجودة في كل منهما. (نعم، هذا يحدث فعلاً!) وبناء على ذلك، فإننا نعرض الآن إعادة ثمن أية جريدة تستلمها وتجد أنها غير قابلة للقراءة بسبب الطقس السيئ. (لاحقاً؟ رائع!).
ونحن أيضًا نريد ك أن تدرك أن أعمالنا-مثلك تماماً-قد تأثرت بارتفاع أسعار البنزين. وبناءً على ما سبق، فلن نكون قادرين على توفير صحف بديلة للصحف التالفة، اتصل بنا فحسب، وسوف تتسلم الثمن كاملاً على الفور. (أوه، لا بأس).
فعلى أقل تقدير، ربما يرى العملاء تصرفات الشركة من خلال وجهة نظر أكثر إيجابية.
وفي الوقت الحالي، هناك نوعان من الاتفاق، ويجب علينا أن نضع كلا النوعين نصب أعيننا عندما نهتم بتفاعلاتنا مع الآخرين. النوع الأول من الاتفاق هو التنوع المشترك، إنه النوع الذي يحيط بطرفين يحملان الرأي نفسه حول موضع معين، والافتراض مع هذا النوع من الاتفاق هو أنهما ينخرطان في وقت واحد في حوار يكشفان فيه عن تناغم آرائهما، وبالنسبة لمعظمنا، فإن هذا النوع من الاتفاق القائم على الحوار هو النوع الوحيد من الاتفاق الذي نفكر فيه.
ولكن هناك نوعاً أخر من الاتفاق كان أقل فاعلية خلال عهد "كارنيجي"، ولكنه أصبح غاية في الأهمية في الوقت الحالي. ويقوم النوع الثاني من الاتفاق على طرفين يحبان الشيء نفسه-أو، كما قد نراه نحن، أن نكون أشخاصاً متشابهين، ونحن عادة لا نطلق على هذا النوع من التناغم " اتفاقاً"، ولكن في العصر الرقمي من الأفضل أن ننظر إلى الأمر على هذا النحو؛ لأننا دائماً ما ننجذب إلى الأشخاص الذين نتشارك معهم شيئاً ما.
إن بناء القواسم المشتركة أو الانجذاب والألفة في البداية هو شكل جديد من الموافقة، وكلما زادت الموافقات التي تحصل عليها، زادت فرص نجاحك في الحصول على الموافقة على ما تقدمه من أفكار، أو حلول، أو تعاملات. فتواصل مع الآخرين بانجذاب وألفة في أقرب وقت ممكن، وبأكبر عدد ممكن من المرات.