يروي فيلم The Kings Speech، الحائز على جائزة الأوسكار، قصة رجل عادى يتمتع بقدرة رائعة على التواصل، ساعد أميرا يعاني التلعثم في الحديث على أن يصبح ملكا يوحد صفوف أمة من الناس.
كان الأمير ألبرت" _ دوق يورك _ يعاني مشكلة التلعثم في الكلام، والتي كانت تقف عائقاً أمام تحقيق أي شيء في حياته، فكان يجد صعوبة في رواية القصص لأطفاله، وفي التواصل في الخطب العامة، والتحدث عبر الراديو، وهو أحدث وسائل التكنولوجيا في ذلك العصر، وبحثاً عن علاج لمرضه المزمن، تقابل الأمير مع الأسترالي المولد "ليونيل لوج" خبير التخاطب. وكانت أساليب لوج” غير تقليدية في جزء كبير منها؛ لأنه كان يعتقد أن التلعثم مشكلة نفسية، مثلما هي مشكلة جسدية.
ويظهر الفيلم كيف أن الأمير-الذي كان معروفاً باسم” بيرتى” بين أفراد عائلته-كان يعارض توسلات "لوج"، وتحكى بقية الفيلم تصاعد حدة التوتر بين الرجلين حيث تزايدت المخاطر وأصبح الأمير "ألبرت" -دوق يورك -هو الملك جورج السادس"، أي الإمبراطور، بينما كانت الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق.
وفي النهاية، وفي لحظة فارقة بينما كانوا يستعدون لتتويجه، فقد الملك المرتقب أعصابه وأطلق العنان لنفسه في التحدث عن كل مخاوفه _ بأنه سوف يخذل الأمة، ويصبح أضحوكة التاريخ في كل العصور.
فقاطعه لوج قائلا:”” بيرتى"، أنت أشجع رجل عرفته في حياتي'. فتوقف" بيرتى"، وأخذ يفكر في ثقل هذه الكلمات، لقد كانت تبشر بتأثير يغير مجرى حياته.
ولوكان” إيمرسون" محقاً عندما قال ملاحقا: ازان أصل كل فعل فكرة" فإن ما قام به "لوج” هو أكثر استراتيجيات التأثير ذكاء. فقد قدم فكرة لم يفكر فيها أحد من قبل، إن 'ابيرتى” -الأمير المتلعثم-لم يكن ضعيفاً. ولم يكن فاشلا أو أضحوكة. إن حياة المضايقة التي تحملها، والصورة ذاتها التي رسمها لنفسه، لم-تكن تروى القصة الكاملة، لقد كان هناك شيء بداخله أكثر واقعية وصدقا، شيء طيب...وربما كان شيئا عظيماً.
ولقد اعتنق” بيرتى” هذه الفكرة. وفي النهاية، أصبح رجلاً مختلفاً؛ لأن هناك شخصاً واحداً كان لديه من الفطنة لكي يؤكد له شيئا تسبب الآخرون في إخفائه وراء ما يذكرونه من عيوبه. وعلى النقيض من تصرفات "لوج”، تأتى تصرفات المدير التنفيذي ونائب رئيس شركة شبكة الإذاعة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية (NPR) أرون شيللر الذي أقيل من منصبه، والذي تم تصويره بالفيديو وهو يتحدث عن استخفافه بتلك الأحزاب السياسية التي لم يقم بالشراكة معها، لقد كان الغرق بين الأسلوبين مسألة اختيار في الأساس.
إن هذا لا يعنى إعفاء أي من” بيرتى" أو أي حزب سياسي من تحمل نصيبه من الأخطاء، ولا يعنى أن "لوج" كان يعالج موضوعا أكثر صلاحاً ونزاهة من "رون شيللرا"، لقد كان باستطاعة الاثنين أن يجدا الأسباب اللازمة لشجب هذه الموضوعات، لقد اتخذ "لوج" طريقا أكثر تأثيرا فحسب، طريقا يضع الكرامة الإنسانية في أعلى مراتبها. أما "شيللر"، فقد اتخذ مساراً نسى فيه نفسه واخوانه في الإنسانية، ويصعب بالفعل أن يرى المرء أيهما أكثر حكمة من الآخر.
هناك حكاية دينية قديمة تتحدث عن راع يحرس مائة من الخراف. لقد كان يتعهدها بالرعاية، ولا يغفل عنها أبدا، ورغم ذلك، عند جمعها ذات مساء، لاحظ أن أحدها مفقود، واحد فحسب، فقد كان هناك تسعة وتسعون خروفاً سانا وآمناً. فما الذي قام به الراعي؟ هل أخذ يبتهل ويتضرع من أجل أن يعود الخروف قبل أن يدركه الذئب؟ لا، 'لقد -قام بوضع التسعة والتسعين خروقا الأخرى في الحظيرة، وذهب لكي يبحث عن الخروف المفقود، لقد كان هذا الخروف من الأهمية بمكان لدرجة أن الراعي لم يستطع أن يتحمل أن يتركه بمفرده.
تأمل الرسالة التي يحملها هذا التصرف إلى الخراف الأخرى، وليس الخروف المفقود فحسب، بل وبقية الخراف أيضاً التي تنتظر من الراعي أن يقوم على إطعامها وحمايتها. والآن، تأمل الرسالة التي يرسلها مثل هذا التصرف إلى هؤلاء الأشخاص الذين تود التأثير عليهم، هل تركتهم يعرفون أنهم يحتلون مكانة غالية عندك؟ إن هناك لغة قوة هائلة تكمن في هذا المبدأ البسيط الذي يتجسد في حياتنا بشكل منتظم.
إننا جميعاً نمتلك رغبة قطرية وجامحة لأن نعرف أن لنا قيمة، وأننا نحتل مكانة مهمة، ولكن التأكيد على هذه المكانة والقيمة لدعد كل منا تقف ضمن أكثر التحديات التي نواجهها في عصرنا الحالي.
وربما ننشغل 'كثيرا بأقل الأشياء أهمية، وأكثرها سطحية. فتمضى الكثير من أوقات حياتنا ونحن نخوض في الحديث عن بعض آخر موضات المشاهير، أو خطايا الرياضيين. ونمضي ساعات في ملاحظة علم الاجتماع لأهل بيت طالب جامعي مشاغب، وحتى لا نلحق بركب التأملات الجنونية الغالبة للثقافة الشعبية، فإن المطالب التي تستنزف أوقاتنا منا ربما تكون مع ذلك قوية جدا، لدرجة تجعل من الصعب أن نتعمق قليلا في أي شيء. وعندما نواجه سيلاً من الرسائل النصية، وفيضاً من الرسائل الإلكترونية، ووابلاً لا نهائياً-من عمليات' التفاعل في شبكات التواصل الاجتماعي، تصبح حتى الزوجة التي نتودد إليها مصدر إزعاج، وينطبق الأمر ذاته مع الأطفال، والأجداد، الجيران، إلخ. فمن ذا الذي يملك وفتاً لكي يؤكد على شيء جيد حتى السيارة أو المطبخ الجديد للجار؟ إنه لشيء سريع خال من الألم.
المشكلة هي أن هذا الشيء السريع وغير المؤلم ربما يتصف أيئما بأنه ممل وأحمق، ولهذا السبب فإن تطبيق هذا المبدأ اكتسب مزيدا من الأهمية في الوقت الحالي.
ورغم ذلك، يجب ألا يختلط التأكيد على الأشياء الجيدة لدى الآخرين مع النفاق والتملق.
ما الفرق بينهما؟ الاهتمام الصادق الحقيقي.
سأل طالب جامعي مشاكس” محمد على" ذات مرة عما يجب أن يفعله في حياته. فلم يكن هذا الطالب يستطيع أن يقرر ما إذا كان يجب عليه أن يستمر في الدراسة، أو ينطلق إلى العالم للبحث عن حظه، وكان من الواضح أنه يميل الى الحل الأخير، فقال له "على" ناصحاً: "ابق في الكلية، وواصل دراستك، فإذا كان بإمكانهم استخلاص البنسلين من الخبز العفن، فبإمكانهم أن يصنعوا منك شيئاً".
لقد كان من الواضح أن” علي" يستخف بالموقف، وفي الحقيقة، فقد فهم الأمر الذي من المحتمل أن هذا الشاب كان يسمعه طوال حياته، واستخدم قليلا من الهزل لكي يقدم نقطة مهمة: "لا تستسلم بمثل هذه السهولة. واصل المسير. ورغم ما قد يقال عنك، فأنت مهم ويمكنك إنجاز شيء عظيم".
إن التعزيز _على خلاف التملق_ يتطلب رؤية الشخص على نحو جيد بما فيه الكفاية من أجل الإحساس بالأمور التي يجب التأكيد عليها، ويتطلب سرفة الشخص على نحو جيد بما فيه الكفاية من أجل إدراك الأمور المهمة بالفعل. إن التملق عادة ما يكون اعترافاً بعدم الإدراك، وخيانة للثقة، فنحن نقول أشياء نعتقد أنه يجب علينا قولها، ولكننا في الحقيقة لا نفكر على الإطلاق، ما هي الرسالة التي يرسلها التملق؟ أنك لست مهمًا بالنسبة لي لكي أمنحك الكثير من الاهتمام".
يجب أن نتغلب على إغراء العيش مع أسلوب جهاز الطيران التلقائي. كتب المؤلف ريك وارن" مؤلف الكتب الأكثر مبيعا يقول:
إننا نندفع خارج الباب ونقول: "مرحباً، كيف حالك؟ أنا سعيد برؤيتك". حتى إننا لا ننظر في أعين الأشخاص الذين نقابلهم، ولا نتكلم معهم بالفعل. وعندما تقوم بذلك، فأنت تخسر الكثير من فرص التفاعل مع الآخرين، فالناس ليسوا جمادات يمكن تشكيلها مثل الطين، وهذه ليست وظيفتك. فهذا أسلوب للتلاعب _ وليس للقيادة. إن الناس ليسوا أشياء يمكن تشكيلها حسبما تريد، بل هم بشر يجب إبراز إمكانياتهم. وهذا ما يفعله القادة الحقيقيون. إنهم يكشفون الغطاء عن إمكانيات الآخرين، ويساعدونهم على تحقيق أقصى إمكانياتهم التي وهبها الله لهم.
ومن غير المعقول أن يتوقع المرء أن يحافظ أي منا على أفضل مستوياته طوال الوقت. فنحن جميعاً بطبيعة الحال نفقد الفرص التي يجب علينا اقتناصها؛ ولكن يمكننا ضبط إيقاعنا مع مرور الوقت. هل الرسائل التي ترسلها عبر كلماتك المكتوبة أو المنطوقة، أومن خلال حضورك، تجعل الأمور تميل إلى التعزيز أم التحفظ؟ وكلما مالت الأمور نحو التعزيز، زادت درجة تأثيرك على الآخرين.
كتب "إيمرسون" ذات مرة يقول: "يحق لكل إنسان أن يتلقى التقدير في أفضل لحظاته". فكر في هذا الأمر للحظة٠ ما هي العلاقة التي تتعرض لأكبر درجة من الضغوط في الوقت الحالي؟ ماذا سيحدث لو بدأت في التركيز على أفضل اللحظات في حياة ذلك الشخص، وحاولت التأكيد عليها؟ هذا لا يفترض مقدماً أن لهذا الشخص أخطاءه، إنه لا يفترض حتى أن أخطاءه أقل من صفاته الجيدة، فربما يكون رجلا محطماً ترك سنوات من الضياع والآثام في أعقابه، ولكن هناك شيدا واحداً مؤكداً: إذا استهدفت التأثير على هذا الشخص لكي يتجه نحو التغيير، فإن الإشارة المتكررة إلى صحيفة سوابقه سوف تثمر القليل. وإذا بدأت-بدلا من ذلك-في تذكيره بما يستطيع القيام به -ليس من خلال التهويل الخيالي، ولكن من خلال تاريخه الخاص في الأمور الطيبة، والنجاح، والتفكير، حتى لوكان تاريخاً بسيطاً -فربما تجد أن هناك شيئاً يؤدى إلى يقظته من سباته، وربما مازال قادرا على القيام ببعض الأمور، رغم ما وصل إليه حاله. "عندما نعامل إنساناً على ما هو عليه، فإننا نتسبب في أن نجعله أسوأ مما هو عليه، أما عندما نعامله كما لوكان بالفعل يمكنه القيام بما هو أفضل، فإننا نساعده على أنه يصبح ما يجب أن يكون عليه".
وقليلون هم الأشخاص الذين أدركوا قوة التأكيد على الأمور الجيدة لأي الآخرين أفضل من الرئيس السادس عشر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. فبهذه الفكرة فقط، استطاع "ابراهام لينكولن" الحفاظ على وحدة الأمة الأمريكية. وعندما كان يؤدى يمين تولى المنصب في مارس ١٨٦١، كانت هناك كثير من الشكوك المثارة حول أن يكون هناك خطاب افتتاحي آخر لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك.
وفي اليوم نفسه الذي أقسم فيه، ارتفع العلم الجديد للولايات المتحدة الأمريكية على مدينة مونتجومرى، بولاية ألاباما، وفي الشهور التي تلت انتخاب " لينكولن"، انسحبت سبع ولايات من الولايات المتحدة، وكان كل شخص-عدواً كان أم صديقاً - يريد أن يسمع ما سيقوله هذا الرجل عن الولايات المنشقة.
ويرى التاريخ خطاب "لينكولن" الآن على أنه إحدى أعظم الخطب التي ألقيت على الإطلاق؛ وهذا تحديد لأن " لينكولن" كتب خطابه بروح الترضية والتصالح، إنه لم يكن ضعيفاً_فقد حذر من تبعات أي هجوم على الولايات المتحدة، ولكنه كان يمتلك الرؤية لكي يؤكد على الأمور الجيدة في هذا الوقت، والذي ربما لم يكن هناك فيه من يستطيع القيام بذلك سواه: "إننا لسنا أعداء، إننا أصدقاء. ويجب ألا نصبح أعداء".
يا لها من جرأة! لقد انفصلت سبع ولايات بالفعل وأعلنت الاستقلال، وكانت بوادر الحرب تلوح في الأفق، ويناديهم كأصدقائه؟ كيف يمكن له أن يعتبرهم أصدقاءه؟
فكر في آخر مرة قام فيها زميل لك في العمل بخيانتك، أو عميل بالكذب عليك، أو بائع بالتقصير في الوفاء بوعوده معك، هل سيكون أول رد فعل لك هو أن تتذكر أن ما فعله جيد وطيب رغم ذلك؟
إن مشاعر خيبة الأمل، أو الخذلان، أو الخيانة تأتى ضمن فئة أكثر اللحظات إثارة للجنون والإحباط في حياتنا. ومع ذلك، فهي تقدم أيضاً لحظات نادرة لترك انطباع متميز.
هل تتذكر وقتا قام فيه شخص ما بمباغتتك بفضل غير مستحق أو جميل غير مشروط؟ ربما يكون هذا الحدث قد وقع منن سنوات عديدة مضت، وربما في سنوات طفولتك. ورغم نلك، فمن المحتمل جدا أن يكون هذا الشخص قد ترك انطباعا دائما في ذاكرتك، مع إحساس ما زلت تشعر بأنه حقيقي.
وفي النهاية، فإن اكتساب التأثير يدور حول أن تجعل نفسك مميزاً؛ بحيث تأخذ مكانة أعلى في قلب وعقل الشخص الآخر، وإذا كان كل ما تقوم به هو الفعل ورد الفعل مثلما قد يفعل أي شخص آخر، فلن تصبح مميزاً أبداً. والأسباب بسيطة.
إن التنافس من أجل الفوز بانتباه الآخرين معركة مستمرة، وكثيرا ما تكون وسائل الاتصالات غير واضحة، وكفي بالمر تحديًا أن يصبح مؤثراً في السباق العنيف على الطريق السريع في الوقت الحاضر، فإنك بحاجة إلى لحظات لكى تظهر أنك شخص مؤثر للآخرين وجدير بالثقة، وعادة ما يكون كل ما تحصل عليه هو لحظات قلائل، فلو كنا أشخاصاً مثاليين بلا أي عيب في حياتنا، فإن اكتساب التأثير من خلال المفاضلة والمقارنة سوف يعتمد فقط على قدرتك على إظهار قدر أكبر من المصداقية مقارنة بالأخرين في مجال التأثير على أي شخص، وسيكون هذا أمرا يصعب القيام به إذا كان مجال المنافسة يضم أشخاصا مثاليين لا يرتكبون الأخطاء على الإطلاق مثلك، وفي هذا السيناريو، فإن التنافس من أجل التأثير سيصبح شبيها بمهرجانات مسابقات الجمال (ولا يزال هناك بعض الناس الذين يتعاملون مع الأمر على هذا النحو).
وهذه ليست القضية هنا، فنحن جميعاً كائنات ناقصة نمتلئ بالعيوب، وهذا الأمر يقدم لنا عدداً من فرص تعزيز الآخرين بعد الاختلاف أو الإحباط، وهي فرص ربما تتساوى مع فرص تعزيزنا لهم وسط أجواء المودة والألفة. ويكمن السر في ألا تسمح لنفسك بالشكوى في الظروف الاستثنائية-استخدم روح التعزيز والدعم لكي تنقل أفكارك إلى الآخرين كلما استطعت.
وخشية أن ترتكب الخطأ الذي يرتكبه البعض، فإن روح التعزيز والدعم-رغم أخطاء الآخرين-ليست مظهراً من مظاهر الضعف أو السلبية، وليست إنكاراً للعدالة أيضاً؛ فالرحمة دون عدل تفقد معناها، لقد كان "لينكولن" ينظر لما هو أبعد من الأمور الواضحة للآخرين، وكان يرى ما يمكن أن يحدث، وكان يسعى وراءه.
رغم ما تتعرض له عواطفنا من ضغوط، فإن روابط الحب يجب ألا تنقطع بيننا. إن الأوتار الخفية في الذاكرة-التي تمتد من كل ساحة للمعارك، وقبر كل بطل قومي، إلى كل قلب حي، وكل منزل فوق أرجاء هذه الأرض الواسعة كلها-سوف تتغنى، رغم ذلك، بنشيد الولايات المتحدة.
وفي بعض الأحيان، يعنى التأكيد على الأشياء الجيدة لدى الآخرين أن نذكر أنفسنا بهذه الأشياء الجيدة. نعم، لقد تحدث "لينكولن" عن أن الأمور تتعرض للضغوط، ولكن روابط التفاهم والصداقة لا تزال قوية رغم ذلك. لقد كان هناك تاريخ أمريكي تشارك فيه كل من الجنوب والشمال، فقد أعلنا الاستقلال معاً، وقاما ببناء أمة معاً، وخاضا الحرب معاً، وكان الجميع في حاجة إلى التذكرة بهذه الأمور:" سوف نعود للاتحاد مرة أخرى، ولسوف يحدث هذا بالتأكيد، بسبب ما تحمله طبيعتنا من خير".
لقد كانت هذه الكلمات الأخيرة هي خلاصة جميع الأمور التي كان يجب التأكيد عليها، لقد كان هناك شيء آخر أكبر من الخلافات المختبئة في الأعماق، إنه شيء أفضل وأكثر واقعية يحتاج إلى الإذن لكي يتنفس ويحيا.
فمن السيطرة الملكية البريطانية إلى أمة شابة منقسمة، ساعد التأكيد على الأشياء الجيدة لدلى الآخرين على تحول موقف حاد إلى تحد قوى يجب تغييره. إن هذا لا يعنى-كما قد يتراءى للبعض-أن نتصرف بتجاهل المشاكلات القائمة بينك وبين الآخرين. في الواقع، إنك تخاطبهم وجهاً لوجه، ولكن بطريقة تتسم بالاحترام والتبجيل، وهي طريقة أكثر نجاحا في دفع الآخرين نحو التوبة، أو التصالح، أو التحسن.
في كتابه You Can't Lead with Your Feet on the Desk، أكد "إيد فوللر" رئيس ومدير إداري بشركة "ماريوت إنترنا شونال" قائلا: أليست هناك علاقة عمل جدير بالاهتمام-سواء كانت مع موظفيك، أو عملائك وشركائك -يمكنها الاستمرار في ظل غياب الاحترام المتبادل. ولقد تعلمت بشكل مباشر أنه عندما تظهر للخصوم أنك تنظر إليهم باحترام، فإن هذا ربما يساعد على حل الصراعات المحتدمة.
ويحكى "فوللر" عن شجار نشب بين أحد محامي شركة "ماريوت” وصاحب أحد الفنادق في أمريكا الجنوبية، عندما تصاعدت حدة إعادة التفاوض حول الاتفاق الإداري لتصبح مباراة للصراخ، وبدأ الرجلان الناضجان الشجار في غرفة المؤتمرات في الفندق، واستمر الشجار بينهما بدون تدخل من المتفرجين، حتى وقع مسدس صاحب الفندق، وارتطم بالأرضية، وأبعد الاثنان عن بعضهما، وهم يعانيان البغضاء والمشاكل المحتدمة.
ومرت شهور قليلة دون إحراز أي تقدم في هذا الأمر حتى اقترح أحد محامي المؤسسة واثنان من المديرين التنفيذيين في الشركة أن يقوم رئيس شركة "ماريوت" بزيارة لمالك الفندق. يصف "فوللر" ما حدث كالتالي:
لقد سافرت بالطائرة إلى مسقط رأسه، وقضيت يومين في السفر معه، وزيارة مشروعاته، وتناول العشاء في ناديه، واختلطت بأصدقائه. وبينما كنا نتعرف على بعضنا بعيداً عن تعاملات العمل، تزايدت درجة الاحترام المتبادل بيننا. ولقد أتاحت لي فرصة رؤيته من زاوية مختلفة تبرز قوة التزامه نحو موظفيه، وعائلته، ومجتمعه. إن الاختلافات الكامنة في الأعماق لم تجد حلا، ولكنني أدركت أنه كان يستحق الاحترام لما هو عليه، وما قام بإنجازه. وبعد أسبوع من مغادرتي، توصلنا إلى اتفاق وترضية مع صاحب الفندق.
إن التأكيد على الأمور الجيدة- كما هي الحال مع كل مبدأ ورد في هذا الكتاب- ليس مقصوراً على الأشخاص ذوى المناصب الرفيعة في اللحظات الفارقة في التاريخ البشرى، إنه شيء لأجل هذا العصر الذي كثيراً ما تكون فيه روح التواصل أقل تبجيلاً، فمن المنصة السياسية إلى الوسائل الرقمية إلى مائدة الاجتماعات، يفوز الشخص الذي يتكلم بروح التعزيز والدعم بشكل محترم، وغير مبالغ فيه، مع الكثير من الأصدقاء، ويؤثر على الكثير من العاملين معه نحو تحقيق مزيد من التقدم، مقارنة بالشخص الذي يتواصل بأسلوب يحمل الانتقاد، والإدانة، والاستعلاء.
ويظهر رونق هذا المبدأ في الوقت الحالي في أن تأكيدنا على الأشياء الجيدة لدى الآخرين لا يقتصر على الواجهة المادية، صرح مؤسس شركة "تومس" للأحذية، "بليك مايكوسكى"، في مقابلة أجريت معه مؤخرا قائلاً: "رغم أنه ليست هناك طريقة يمكنها أن تحل محل التفاعلات المباشرة، فإنه من المهم أن يتذكر المرء أن العالم الرقمي يمكنه تعزيز بناء العلاقات".
ففي أية لحظة من حياتنا، يمكننا نشر رسائل تؤكد على الأمور الجيدة لدى أصدقائنا، ومعجبينا، وتابعينا عن طريق العديد من الطرق، مثل الرسائل الإلكترونية، وموقع تويتر، والرسائل النصية، والمدونات. ورغم ذلك، تجنب الوقوع في خطأ التفرقة بين ملاءمة الرسالة وبين الأهمية الفردية لها. فهذان الأمران متشابكان على نحو معقد. وكلما زاد حجم العمل، وزادت أعداد التابعين، فإن أهمية الرسائل تظل فعالة عندما يتم تبادلها على أساس فردى.
إن المبدأ الذي بنى جسرا من التأثير بين الملك ومعالج التلعثم في الحديث هو المبدأ ذاته الذي يبنى جسراً من التأثير بين أية شركة وعملائها، أوبين مدير تنفيذي ومرءوسيه، أوبين والد وولده.
إننا جميعاً نتوحد خلف رغبة واحدة: أن نشعر بأننا نحظى بالتقدير من جانب الآخرين، وسواء تم نقل هذه الرسالة أم لا، فهذا ليس قراراً جماعياً. فكل شخص توجه *اليه الرسالة-سواء كان هذا الفرد يجلس بمفرده على المائدة، أو وسط جمهور من ثلاثة آلاف شخص-هو الذي يحدد ذلك. وفي النسخة الأصلية من كتاب "اكارنيجي"، فإنه يقدم لنا قصة لمست وتراً حساساً لدى ملايين القراء في جميع أنحاء العالم، ربما أكثر من أية قصة أخرى، إنها لم تكن قصته، بل كانت قصة تنتمي إلى رجل يسمى "دبليو. ليفينجستون"، الذي أطلق عليه اكارنيجي "الأب المتناسي".
ولقد وضعها "اكارنيجي" ضمن صفحات كتابه كتشجيع لنا جميعاً نحن الذين ننسى أنفسنا بسهولة، ونقضي الأيام في التعليق على الآخرين وانتقادهم، وهي مذكورة هنا من وجهة نظر مختلفة-ليس من ناحية الأب الذي يرى أخطاءه في النهاية، ولكن من ناحية الابن الشاب ذي الروح المتألقة في استخدام التعزيز، والذي برع في الوصول لأي مستوى من الأثير مكنه من تغيير والده إلى الأبد.
استمع بنى: بينما كنت أنث نائماً، رأيت. يدك الصغيرة تنثني تحت خدك، وخصلات شعرك الأشقر المبتلة تلتصق بجبهتك الرطبة. لقد تسللت إلى حجرتك بمفردي، لقد كنت أجلس في المكتبة أقرأ الجريدة منن بضع دقائق مضت، عندما اجتاحتني موجة من الندم الشديد، لقد أتيت بجانب سريرك، يملؤني الشعور بالذنب.
بنى، هذه هي الأشياء التي كنت أفكر فيها: لقد كنت أعاملك بغضب، لقد كنت أعنفك بينما كنت ترتدى ملابس المدرسة. لأنك كنت تمس وجهك بالمنشفة مساً خفيفاً، لقد كنت أطلب منك تفسيرا لعدم تنظيفك لحذائك، لقد كنت أناديك بسخط عندما تقذف بعض أشيائك على الأرض.
وعند تناول طعام الإفطار، كنت أتصيد لك الأخطاء أيضاً. فلقد كنت تسكب الأشياء. وكنت تملأ فمك بالطعام، وكنت تضع مرفقيك على المائدة. وكنت تضع طبقة. كثيفة من الزبد على الخبز. وبينما كنت تنطلق للعب، وكنت أتجه نحو اللحاق بالقطار، كنت تستدير وتلوح لي بيدك وتقول: "إلى اللقاء يا أبى!"، وكنت أنا أعبس في وجهك، وارد قائلا: "ارجع كتفيك إلى الوراء!". ثم يتكرر الأمر مرة أخرى في وقت متأخر من الظهيرة، فبينما كنت في طريق العودة، كنت أتجسس عليك وأنت تجثو على ركبتيك، تلعب بالكرات الزجاجية الصغيرة، لقد كانت هناك ثقوب في جوربيك، وكنت أقلل من شأنك أمام أصدقائك، عندما كنت أجعلك تمشى أمامي إلى المنزل، لقد كانت الجوارب غالية-ولو كنت أنت من يشتريها، لكنت أكثر حرصاً! بنى، هل تتخيل مثل هذه المعاملة من أب؟!
هل نتذكر بعد ذلك في وقت لاحق، عندما كنت أطالع بعض الكتب في المكتبة، كيف أتيتني خائفاً بنظرة ملؤها الرعب والألم؟ وعندئذ ألقيت نظرة متعجلة من فوق الجريدة متعجلاً إنهاء هذه المقاطعة، وكنت تقف مترددا على الباب. وقلت لك بحدة: "ما الذي تريده؟".
لم تقل شيئا، ولكنك اندفعت مسرعاً، وألقيت بذراعيك حول رقبتي، وقبلتني، وشددت ذراعيك الصغيرتين حولي بعاطفة جعلها الله تتفتح داخل جنبات قلبك، عاطفة لم يستطع إهمالي لك أن يجعلها تخبو وتذبل.
حسناً، بنى، بعد هذا بوقت قليل انزلقت الجريدة من بين أصابعي، وشعرت بخوف شديد يداهمني، إنها عادة تصيد الأخطاء لك وتأنيبك-أكانت هذه هي مكافأتي لك لأنك ابني؟! لم يكن هذا لأنني لا أحبك، فأنا أحبك بالفعل؛ ولكنني كنت أتوقع منك أكثر من اللازم، لقد كنت أحاول تقييمك من وجهة نظري الممتدة لسنوات طويلة وليس من وجهة نظر عمرك الصغير.
وكان هناك الكثير من الأشياء الجيدة، والرائعة، والصادقة في شخصيتك. لقد كان قلبك الصغير كبيرا ومتألقاً مثل أشعة الشمس المتلألئة على ربوع التلال الخضراء الواسعة، وكان هذا يظهر في اندفاعك التلقائي لتقبيلي وإلقاء تحية المساء علىً، ولكن ليس هناك شيء آخر مهم الليلة، بنى! لقد أتيت إلى سريرك في الظلام، وجثوت على ركبتيً، وكلى خجل!
إن هذا تعويض بسيط للغاية لما أخطأته في حقك؛ أعلم أنك لن تفهم هذه الأشياء لو أخبرتك بها أثناء صحوك. ولكن في الغد، ستجد أباً حقيقياً! سوف أمضغ معك العلكة، وأعانى وقت معاناتك، وأضحك وقت ضحكك، وسوف أمسك لساني عندما تأتى بما يضيق صدري به، وسوف أستمر في القول، وكأني أردد طقسا دينياً: "إنه ليس سوى صبي _ مجرد صبي صغير!".
إنني أخشى أنني كنت أراك وكأنك رجل بالغ، وبينما أنظر إليك الآن-بنى-مضجعاً ومرهقاً، في فراشك، أرى أنك ما زلت طفلا رضيعا، بالأمس كنت بين ذراعي أمك، ورأسك على كتفها. لقد كنت أطلب منك أكثر مما ينبغي، أكثر مما ينبغي بالفعل.
ألا يترك المرء _ حتى أصغر الأشخاص بيننا_ تأثيرا قوياً، عندما يأتي التأكيد صافياً على ألسنتنا، ونقدا من قلوبنا؟ تبدأ كل أساليب التقدم وطول المشكلات عندما يرغب أحد الأطراف في أن يضع الأمور الجيدة بالفعل على المائدة، ومن هنا يصبح من السهل كثيراً أن نعرف من أين نبدأ، وكيف نمضي بالتفاعل نحو تحقيق غاية تعود بالفائدة على الجميع.